الجزائر: 10 مليارات دولار في السوق السوداء

الجزائر: 10 مليارات دولار في السوق السوداء

26 يوليو 2021
تراجع قيمة الدينار أثر سلباً على معيشة المواطنين (Getty)
+ الخط -

لا تكاد تخلو أي محافظة من محافظات الجزائر الثماني والخمسين من ساحة أو "زنقة" أو حتى محل تجاري، تشهد نشاط المضاربة في النقد الأجنبي وبيع وشراء العملات الأجنبية بداية من الدولار واليورو، والجنيه الإسترليني، وحتى اليوان الصيني، الذي أصبح يُتداول في السوق السوداء لصرف العملات التي فرضت نفسها كبديل لمكاتب الصرف الغائبة في البلاد.
وإذا غابت الأرقام الرسمية حول حجم الأموال المتداولة في شريان سوق صرف العملات السوداء أو "دوفيز" كما يلقبها الجزائريون، فإن تقديرات الخبراء تشير إلى نحو 10 مليارات دولار يتم تداولها سنويا.
وتعد ساحة بور سعيد أو "السكوار" كما يحلو للجزائريين تسميتها أكبر سوق موازية يتم فيها تداول العملات الأجنبية، وتعتبر الساحة الواقعة وسط العاصمة أمام مجلس الأمة، بورصة موازية تُحدد فيها أسعار صرف مختلف العملات الأجنبية أمام الدينار، وتشير الأرقام إلى أن من 3 إلى 5 مليارات دولار تتداول في الساحة سنويا، أي نحو 50 بالمائة من حجم سوق صرف العملات الأجنبية الموازية في البلاد.
وبالرغم من ظهورها نهاية ثمانينيات القرن الماضي، إلا أن السوق السوداء للعملات الأجنبية انتعشت مع التسعينيات، بعد دخول الجزائر في أزمة مالية خلفتها أزمة "1986" الناتجة عن تهاوي أسعار النفط، بالإضافة إلى مرور الجزائر بما يُعرف بـ"العشرية الإرهابية السوداء" وما خلفته من تدمير للاقتصاد، وهي عوامل دفعت بالحكومة آنذاك لاتخاذ جملة من القرارات أعادت نفخ الروح في سوق "الدوفيز".

وفي سرد للمسار الذي سلكته سوق صرف العملات الموازية في الجزائر، يقول الخبير المصرفي، إسماعيل بوكريطا، إن "السوق الموازية لصرف العملات الأجنبية لم تكن تعرف إقبالا قبل منتصف ثمانينيات القرن الماضي، لكون البنوك كانت تجري عمليات الصرف، والدينار كان في أعلى مستوياته مقابل "الفرنك الفرنسي" والدولار آنذاك، إلا أن الأمر تغير بداية من 1990 إذ بدأت المعطيات تتغير، حيث انكمش الاقتصاد جراء الأزمة "1986"، وما زاد الطين بلة هو "الإرهاب" الذي عزل البلاد اقتصاديا، وبالتالي كان الميلاد الرسمي لأسواق صرف العملات الموازية".
كما زاد تعديل قانون الصرف والنقد سنة 1997 من الإقبال على السوق السوداء للعملة في الجزائر، حسب نفس المتحدث لـ "العربي الجديد"، وذلك بعدما جعل القانون المُنظم لتداول العملة في البلاد "الدينار غير القابل للتحويل إلا في العمليات التجارية الجارية مع الخارج، أي استيراد سلع أو خدمات أو تحويل للأرباح"، وبالتالي بات مستحيلا تقريبا أن يشتري الجزائريون أو يبيعون العملات الأجنبية في البنوك من دون سجل تجاري أو ترخيص خاص يمنح من طرف البنك المركزي.

ويبلغ سعر الدولار رسميا نحو 135 ديناراً، في حين يبلغ في السوق السوداء نحو 180 ديناراً.

وأمام هذه الوضعية، يوضح أستاذ الاقتصاد النقدي في جامعة قسنطينة، لوناس محمد، لـ"العربي الجديد" أن "الجزائريين لم يجدوا من بديل سوى شراء وبيع العملات الأجنبية في السوق الموازية التي كانت ولا تزال تمنح فارقا كبيرا في سعر الصرف، سواء للسفر أو لشراء سيارات أو منازل في الخارج.
ووفق تقديرات محمد فإن "من مليارين إلى 3 مليارات دولار يضخها الجزائريون القاطنون في الخارج سنويا بالسوق الموازية للعملة عوض إرسالها عبر القنوات البنكية بسبب الإجراءات المعقدة من جهة وارتفاع هامش الربح في السوق السوداء".

وبالرغم من الخطاب الرسمي المُندد بالسوق الموازية للعملة، إلا أن كثيرا من المتتبعين لهذه السوق غير الرسمية يرون أن جهات نافذة ومقربة من دائرة اتخاذ القرار في البلاد كرجال أعمال ووزراء وعسكريين سابقين هم من يقف وراء هذه السوق التي تكبد خزينة الحكومة أكثر من 10 مليارات دولار سنويا خسائر، حسب مراقبين.
وهو ما ذهب إليه النائب في البرلمان الجزائري عن حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم، سليمان سعداوي، في تصريح لـ"العربي الجديد" حين قال: "أعيد وأكرر، أسواق العملة السوداء هي دولة موازية تقارع الدولة الرسمية، من يسيرها هم أناس أغنياء لديهم نفوذ يفضلون الاستثمار في سوق العملة الموازية عوض بناء المصانع، حتى الوزراء أصبحوا يقصدونها عوض محاربتها، لأنهم يدركون من يقف وراءها."
وكان لدخول الجزائر في دوامة الأزمة المالية بعد انهيار مداخيل البلاد أثر على "نية" الحكومة الجزائرية في محاربة السوق السوداء للعملة، حيث دفعت الأزمة المالية البنك المركزي نحو كبح انتعاش هذه السوق، من خلال إعطائه الضوء الأخضر لمنح تراخيص فتح مكاتب صرف العملات الصعبة. وبالتالي يكون نص القانون قد وسع دائرة من يُخول له النشاط في صرف وبيع العملات الأجنبية بالجزائر.
إلا أن البنك المركزي الجزائري، وعكس كل التوقعات، أبقى على نسبة فائدة ضئيلة تساوي 1 بالمائة، وهي نسبة لن تغري المستثمرين على دخول عالم شبابيك صرف العملات الصعبة، حسب متابعين للشأن الاقتصادي. وحتى الآن لم يتلقَ البنك أي طلب لفتح مكتب صرف.
وفي نفس السياق يرى الخبير الاقتصادي والمسؤول السابق في وزارة المالية، محمد مقران صديقي، أن "مكاتب الصرف لن تغير الكثير، ولن تقضي على السوق السوداء للعملة، والحكومة الجزائرية تعي ذلك جيدا".
وقال صديقي لـ "العربي الجديد" إنه "لو كان لدى الدولة نية في القضاء على هذه الأسواق لكانت اتخذت قرارا اقتصاديا بتحرير سعر صرف الدينار مقابل العملات الأجنبية وهو ما يخضع السعر لآليتي العرض والطلب.

المساهمون