الجزائر والخيارات المُرة

الجزائر والخيارات المُرة

19 فبراير 2021
الرئيس الجزائري أمام تحديات اقتصادية كبيرة
+ الخط -

احتياطي النقد الأجنبي يتآكل بسرعة، أزمة مالية واقتصادية متفاقمة، يصاحبها نقص شديد في السيولة، تراجع مستمر في قيمة العملة والمدخرات المحلية، سوق سوداء نشطة للعملة واقبال على حيازة الدولار، اندفاع حكومي نحو الاقتراض الخارجي وطباعة النقود، تصنيف ائتماني متراجع، تهاوٍ في الإيرادات النفطية وفقدانها أكثر من 10 مليارات دولار في العام الماضي. 

يصاحب ذلك التزامات متزايدة على الحكومة لتلبية احتياجات قطاع الصحة المتردي، وسد الثغرات الناتجة عن تفشي وباء كورونا والإغلاق للمطارات والأسواق وخسائر الاقتصاد والأنشطة المعطلة منذ شهور طويلة.

تلك هي أبرز العناوين التي ترسم حقيقة الوضع الاقتصادي داخل الجزائر هذه الأيام، فالأخبار والأرقام الصادرة من الداخل تبعث على القلق الشديد على مستقبل هذه الدولة العربية النفطية التي باتت تعاني من عجز مالي مركب وندرة في السيولة الدولارية.

فاحتياطي البلاد من النقد الأجنبي الذي حمى الاقتصاد من الانزلاق للهاوية لسنوات طويلة بات في خطر ويتآكل بسرعة مع تهاوي إيرادات البلاد النفطية التي تشكل 96% من الإيرادات العامة، بل وبات الاحتياطي، الممول شبه الوحيد للتجارة الخارجية، يشهد تراجعا غير مسبوق، فبعد أن كان يتجاوز 200 مليار دولار في منتصف العام 2012 تراجع الآن لأقل من 50 ملياراً.

ومع استمرار تهاوي أسعار النفط وتفشي فيروس كورونا وإغلاق الاقتصاد منذ شهور فقد الاحتياطي النقدي نحو 15.6 مليار دولار في أقل من سنة ونصف السنة، وهناك توقعات بانزلاقه إلى حاجز 40 مليار دولار في غضون شهور، علما بأن هذا الاحتياطي بالغ الأهمية لدولة مثل الجزائر تجاوزت فاتورة الاستيراد بها في بعض السنوات 50 مليار دولار، وتعد مستوردا كبيرا للأغذية والملابس والوقود والسلع الوسيطة والمواد الخام والسيارات وغيرها.

كما أن إيرادات الجزائر غير النفطية تعد ضعيفة جدا مقارنة بدول مجاورة، خاصة من أنشطة مثل الصادرات السلعية والاستثمارات الخارجية والسياحة وتحويلات المغتربين التي باتت تصب في السوق السوداء.

الجزائر تواجه أزمة اقتصادية دفعت رئيس حركة مجتمع السلم، عبد الرزاق مقري، إلى الخروج قبل أيام محذرا من أن البلاد تتجه نحو أزمة مالية خطيرة، واتهام الحكومة بطبع النقود دون إعلام الرأي العام.

مشكلة الجزائر لا تكمن فقط في اعتمادها الأساسي على الإيرادات النفطية في تمويل بنود الموازنة العامة من إنفاق عام وسداد رواتب ودعم الوقود والسلع التموينية والمياه والكهرباء والغاز المنزلي وتمويل واردات وبنية تحتية ومشروعات استثمارية، لكنها تكمن في تفشي الفساد والاحتكارات وسيطرة العسكر والجنرالات السابقين والحاليين على المشهد الاقتصادي والعلامات التجارية ومنافذ البيع.

كما أن الحكومات المتعاقبة تجاهلت إجراء إصلاحات اقتصادية حقيقية تؤدي إلى التخلي عن الاقتصاد الريعي المعتمد على صادرات الطاقة من نفط وغاز، وأهملت تنويع مصادر الدخل والإنتاج، واكتفت بتقديم الرشاوى التي كانت تلقيها للمواطن من وقت لآخر أو مع كل موسم انتخابي.

والنتيجة دولة نفطية كبرى باتت تغرق في أزمات من الفقر والبطالة وغلاء الأسعار وتدهور البنية التحتية وتردي مستوى الخدمات المقدمة للمواطن.

المشهد بات صعباً في الجزائر، وقد يؤدي إلى خروج الناس مجدداً إلى الشوارع كما حدث في العام 2019، وعلى حكومة الرئيس عبد المجيد تبون التحرك بسرعة قبل أن تجد نفسها عاجزة عن تدبير كلفة الواردات بما فيها الأغذية، ومجبرة على التفاوض مع المقرضين الدوليين مثل صندوق النقد، وهو ما يفتح الباب أمام تطبيق سياسات تقشفية مُرة يصاحبها تعويم العملة، وزيادة الأسعار بشكل جنوني، وإلغاء الدعم المقدم للسلع الرئيسية، وفرض مزيد من الرسوم والضرائب.

المساهمون