الجزائر: مستقبل مسدود لقطاع النفط

الجزائر: مستقبل مسدود لقطاع النفط

23 فبراير 2021
انخفاض كبير في الموارد النفطية (فرانس برس)
+ الخط -

بينما تستمر الأزمة السياسية في الجزائر، تشهد البلاد انخفاضاً خطيراً في مواردها النفطية. هذا ما يفسر النقاش الدائر في الجزائر حول مستقبل هذه الصناعة وأهمية دعوة الشركات الأجنبية من عدمها. هل ستنقذ الشركات الأجنبية الصناعة البترولية الجزائرية؟

إنه الأمل الأخير لحكومة عبد العزيز جراد التي تأمل أن تجد عند هذه الشركات مليارات الدولارات والتقنيات الجديدة التي تحتاجها بصفة عاجلة لإعادة إنعاش إنتاج المحروقات الذي يشهد تراجعاً منذ ما يقارب 15 سنة.

ولكن لا شيء يضمن ذلك، إذ لم تعد الطاقة الأحفورية تحظى بشعبية لدى المصرفيين، وأصبح اليوم لدى شركات النفط العالمية التي أفقرتها الأزمة والوباء تخيلات بخصوص الكهرباء الخضراء. أما القانون الجديد الخاص بالمحروقات، الذي يعد ضرورياً لتحقيق أمل استقطاب مرشحين للاستثمار في المستقبل، فما زال غير جاهز بعد.

أعطى عبد المجيد عطار وزير الطاقة - 74 عامًا، الرئيس المدير العام الأسبق لشركة سوناطراك الوطنية في التسعينيات، ووزير الموارد المائية في سنوات 2000 والمستشار المعترف بكفاءته، الذي عين وزيراً للطاقة في يونيو/ حزيران 2020  (أُقيل من منصبه يوم الأحد الماضي) نظرة عامة سلبية واضحة عن وضعية قطاعه وضياع أرباح تقدر بعشرة مليارات دولار العام الماضي وتراجع جديد في الإنتاج والصادرات والاستثمارات، وبالتالي نتائج مالية كارثية.

في أوائل فبراير/ شباط 2021، تساءلت وكالة الأنباء الأميركية "بلومبيرغ" التي تعد المرجع في ما وراء الأطلسي، خاصة في "وول ستريت": "هل ما تزال الجزائر دولة نفطية؟". يُعتقد أن صادرات الجزائر من الخام تمثل أقل من 1% من صادرات أوبك. بالطبع، هي لم تكن بمنأى عن تبعات وباء فيروس كورونا، كما حرصت الدولة على احترام تعليمات منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك" بخصوص خفض الإنتاج. ويفسر الفيروس وتداعياته جزئياً خيبات السنة. ولكنه يفسرها فقط جزئياً.

قانون تم التصويت عليه ثم ألغي

عاشت البلاد، إلى غاية عام 1986، على حقلين عملاقين تم اكتشافهما عام 1956 من قبل شركات فرنسية، أحدهما بترولي في حاسي مسعود، والآخر غازي في حاسي الرمل.

وبفضل عائدات النفط، الذي تم تأميمه عام 1971، انطلق التصنيع وتم إقرار الطب المجاني وتعميم التعليم، وتطبيق سياسة أكثر اجتماعية. بعد 16 عاماً من تأميم الشركات الأجنبية، وعلى الرغم من المقاومات السياسية والأيديولوجية، صدر قانون جديد يفتح باطن الأرض الجزائرية أمام الشركات الأجنبية التي كانت مستعدة لتمويل 100% من نفقات الاستكشاف، حتى وإن كان يعني ذلك تعويض نفسها عن بيع الإنتاج في حالة نجاح البحث والبقاء في وضعية أقلية بنسبة 49% من الأسهم.

سارعت شركات جديدة، مثل أناداركو بتروليوم الأميركية، إلى المجيء، وعادت أخرى بقوة، مثل إيني الإيطالية، إذ ظهرت مقاطعة نفطية ثالثة حول حاسي بركين في شرق البلاد. ولكن سرعان ما تعطل الازدهار، وأدت الخلافات إلى تمزق الشركاء والذين تعدّ شركة سوناطراك، التي لها أغلبية الأسهم، بشكل آلي جزءاً منهم. كثرت النزاعات وانسحبت الشركات الأجنبية تدريجياً على رؤوس الأصابع. ونتيجة لذلك، بدلاً من إنتاج 2.6 مليون برميل/ يوم المنشودة آنذاك، انخفض إنتاج النفط بشكل محتوم إلى أقل من مليون برميل/ يومياً حالياً.

وفي ديسمبر/ كانون الأول 2019، تمت المصادقة على قانون جديد للنفط في خضم الأزمة السياسية. وكان هذا القانون يطمح إلى إعادة جذب الشركات العالمية التي غالباً ما نفرتها الممارسات الجزائرية، بدءاً من الجمارك وصولاً إلى البنوك ومروراً بالضرائب؛ وبالطبع مروراً أيضا بالشركة الوطنية، سوناطراك، التي يتعين أن توافق على كل قرار وهي تأخذ وقتها للقيام بذلك، مما يترتب عليه تأخير إنجاز المشاريع وتمديد مدتها إلى الضعف أو أكثر. فليس من النادر أن يستغرق مشروع عشرين سنة قبل أن يرى النور.

موقف
التحديثات الحية

ويؤدي ذلك إلى انخفاض في الربحية، في حين أن الجباية البترولية الجزائرية ثقيلة بشكل خاص. فوفقاً لمكتب الدراسات البترولية النرويجي، ريستاد إينرجي، الذي أجرى دراسة حول صناعة النفط العالمية، فإن القطاع العام (الدولة وسوناطراك) يستحوذ على 99% من الريع مقابل متوسط عالمي يقدر بـ72%، و68% في السعودية.

نظام ضريبي غير جذاب

تتميز الجزائر مع روسيا بالنظام الضريبي الأقل جاذبية في العالم. لذا يتعين تخفيف القيود قصد الالتحاق، على الأقل، بالمتوسط العالمي لجذب مرشحين جدد للاستثمار وهم بالطبع مترددون نظراً لسمعة البلاد؛ أو أن تخفض نسبة الضريبة أكثر من المتوسط العالمي لإحداث فرق مع المنافسين في منظمة أوبك وخارجها.

تتردد السلطات منذ أكثر من عام بين الخوف من خسارة الإيرادات الضريبية من ميزانية الدولة التي تعاني فعلياً عجزاً كبيراً، وبين ضرورة جذب رؤوس أموال وتكنولوجيات إضافية إلى قطاع المحروقات، التي لا مفر منها.

أين يجب وضع الخط؟

هناك خلاف بين الوزارة وسوناطراك وتم سحب الملف من الرئيس المدير العام للشركة ولكن دون أن يترتب على ذلك تحرك أسرع.

يتعلق العائق الثاني بنسبة الـ51% من الترخيص الممنوح آلياً لسوناطراك. وهو جدل ليس بجديد، إذ سبق في عام 2005، أن مرر وزير الطاقة السابق، شكيب خليل، قانوناً يسمح للشركات الأخرى غير سوناطراك بالحصول على أغلبية الأسهم في حقل نفط وغاز. وقد أحدث ذلك جدلاً كبيراً جعل الرئيس، بوتفليقة آنذاك، يلغي الإجراء.

لقد تركت الوصاية التي تمارسها شركة سوناطراك الوطنية ذات الأغلبية في المجموعات التي تربطها بشركاء أجانب ذكريات سيئة، حيث تم عرض ما لا يقل عن 13 نزاعاً أمام هيئات التحكيم الدولية. وتمت تسوية النزاع نهائياً من خلال انسحاب الطرف الجزائري ودفع التعويضات المترتبة على ذلك.

حافظ مرسوم تنفيذي صادق عليه مجلس الحكومة في 9 فبراير/ شباط 2021 على قاعدة نسبة الـ51%، مغلقاً هكذا النقاش، على الأقل لبعض الوقت. ونص بيان الحكومة على أن القواعد والكيفيات التي اعتمدها مشروع هذا النص تضمن وتحافظ على مصالح الدولة، من خلال الحفاظ على مشاركة المؤسسة الوطنية بنسبة 51% على الأقل وهذا مهما كان نوع الإحالة الممنوحة.

ولكن بقدر حاجته إلى رساميل، فإن قطاع المحروقات الجزائري بحاجة إلى تقنيات جديدة. فطريقة استغلال الرواسب، وحجم الغاز المعاد ضخه للحفاظ على الضغط في الحقول، وبالخصوص معدل استرجاع الاحتياطيات الموجودة، في حاجة صارخة إلى الابتكار والتحديث.

توجد بين حقل بركين الذي تستغله شركة أميركية وحقل حاسي مسعود الذي هو بيد سوناطراك منذ تأميمات عام 1971 فجوة تتراوح بين 15 و20% في كمية الخام المستخرج من باطن الأرض.

وسبق أن أوضح، في ديسمبر/ كانون الأول 2014، سيد أحمد غزالي، أحد مؤسسي الشركة الوطنية، أن "سعر البرميل ليس هو المعيار الوحيد الذي تعتمد عليه مواردنا المالية".

في الواقع، تعدّ الجزائر العضو الوحيد في أوبك الذي لم يستغل حصته وصدر كمية من الخام أقل مما هو مسموح له بموجب اتفاقيات ديسمبر/ كانون الأول 2020. وبالتالي لدى الشركات الأجنبية أسباب للتردد. ففي كانون الثاني/ يناير 2021، لم تتمكن البلاد من الاستفادة من التحسن في أسعار النفط، والتي تجاوزت 60 دولارًا لأول مرة منذ سنة. مع أن الجزائر في حاجة إلى أموال أكثر من أي وقت مضى.

تقدر الشركة الفرنسية لتأمين التجارة الخارجية (كوفاس)، التي تضمن الصادرات الفرنسية في جميع أنحاء العالم، احتياطيات البنك المركزي من العملة الأجنبية بما يعادل ثمانية أشهر من الواردات. ويمثل هذا 23 مليار دولار في ديسمبر/ كانون الأول 2020. وهو مبلغ بالكاد يكفي لتمويل العجز الخارجي للسنة الجارية. فماذا سيحدث بعد ذلك؟

ينشر بالتزامن مع موقع أوريان 21

https://orientxxi.info/ar

المساهمون