الجزائر تفشل في تحصيل ضريبة الثروة

الجزائر تفشل في تحصيل ضريبة الثروة

06 أكتوبر 2021
الحكومة ليس لديها إحصائيات دقيقة حول أملاك المواطنين من المجوهرات والعقارات (فرانس برس)
+ الخط -

عجزت الحكومة الجزائرية عن فرض الضريبة على الثروة، التي أقرتها مطلع 2020، كملاذ لرفع عائدات الخزينة العمومية وإحقاق العدل الضريبي بين المواطنين، وذلك لضعف الإطار القانوني المنظم لها، والذي فشل في وضع تعريف دقيق للثروة وطرق تحديدها، بالإضافة لغياب التنسيق بين مختلف الإدارات العمومية.
ودفع هذا العجز بالحكومة إلى التوجه نحو مراجعة الضريبة المطبقة على أغنياء الجزائر في موازنة العام المقبل 2022.
وأعاد عجز الحكومة عن تحصيل الضريبة على الثروة، فتح ملف "العدالة الضريبية" في الجزائر، خاصة أن الحكومة تقتطع الضريبة على الدخل العام مباشرة من رواتب العمال مهما كان حجمها، في وقت يبلغ التهرب الضريبي للتجارة والصناعيين التراكمي قرابة 90 مليار دولار، حسب أرقام رسمية.
إلى ذلك، كشف رئيس النقابة المستقلة لأعوان الضرائب، عبد الوهاب خالفة، أن "تحصيل الضريبة على الثروة منذ إقرارها مطلع 2020، لم يبلغ 5 بالمئة أو أقل، ولا يتعدى ما تم تحصيله بضعة ملايين من الدنانير، للأسف ذلك راجع إلى الهوة الكبيرة بين القانون والواقع".

وأوضح خالفة في حديث مع "العربي الجديد" أن "عراقيل كثيرة تعيق تحصيل ضريبة الثروة، منها غياب بطاقات وطنية بقيمة العقارات ومالكيها، وضعف الرقمنة ونقص الإمكانيات لتنقل أعوان (موظفي) الضرائب لمعاينة الثروات الملموسة على غرار السيارات والعقارات واليخوت والمجوهرات، إضافة إلى عجز كبير في عدد مراكز الضرائب".
وحذّر رئيس نقابة أعوان الضرائب من الضغوط والتهديدات التي يواجهها 24 ألف عون ضرائب من طرف جماعات المال ورجال الأعمال.
وقال خالفة إن "رجال الأعمال فيما مضى كانوا غير خاضعين لرقابة التصريح وتسديد الجباية في حقبة النظام السابق، حينما كانت أسعار المحروقات مرتفعة في السوق الدولية، وبعد نهاية عصر البحبوحة المالية، واجه هؤلاء الدولة الجزائرية برفض الالتزام بالتصريح بالجباية".
وتابع: أفضى هذا الوضع إلى ضرورة تدخل أعوان الضرائب الذين باتوا يجابهون اليوم مشاكل بالجملة في مقدمتها رفض الامتثال الجبائي لهؤلاء، ولا سيما الضريبة على الثروة، عبر رفض التصريح بالممتلكات، وتوريط الأعوان المكلّفين بتسوية التصريحات الجبائية في قضايا بالجملة، عبر التصريح الكاذب، بمحاولة عرض خدمات مقابل قبض رشوة مالية.
واقترح نفس المتحدث أن "تعدل الحكومة في موازنة 2022 تعريف الثروة، ولا تحصر تعريفها على "المظاهر" كما هو معمول به حاليا، مع تقوية التعاون بين الإدارات والضرائب وأجهزة الأمن، من دون أن ننسى الأجانب الذين استثناهم المشرع الجزائري".
وكانت الحكومة قد أقرت السنة الماضية، الضريبة على الثروة في موازنة البلاد العامة، وحددت الضريبة حينها بـ15% لكل من يملك أموالاً تتراوح بين 100 و150 مليون دينار (1.1 مليون دولار)، وترتفع كلما ارتفعت قيمة الثروة.
وأعفت الحكومة الأملاك التي تشكل السكن الرئيسي حتى مبالغ محدّدة، والعقارات المؤجرة، والمنقولات المخصصة للتأثيث والمجوهرات والأحجار الكريمة والذهب والمعادن الثمينة، وكذا المنقولات المادية لا سيما منها الديون والودائع والكفالات، وعقود التأمين في حالة الوفاة.
وتُخضع ضريبة الثروة وجوبا الأغنياء لإجراءات التصريح الضريبي الأملاك العقارية والحقوق العينية العقارية والأموال المنقولة، على أن توزع هذه الضريبة على ميزانية الدولة بنسبة 70 في المائة، فيما تستفيد السلطات المحلية ممثلة في البلدية بنسبة 30 في المائة.
وتوقع خبراء مواجهة عملية تطبيق فرض الضريبة على الثروة صعوبات في بداية العملية لعدم التوفر على إمكانيات لإحصاء الفئة الثرية، وعدم تصريح الأثرياء بالقيمة الحقيقية لأملاكهم، خصوصا أولئك الذين لا يودعون أموالهم في البنوك، إضافة إلى الأموال غير المصرح بها بالنسبة للجزائريين الذين يمتلكون ثروات في الخارج.
وحسب متابعين، فإن نجاح تحصيل هذه الضريبة التي تمس 10 في المائة من المواطنين، يتطلب إرساء قاعدة إحصائية دقيقة وإصلاح المنظومة المصرفية والجبائية، ما يمكن من متابعة أموال الأثرياء داخل وخارج الوطن.

ويرى أستاذ الاقتصاد الإسلامي بجامعة "البليدة"، فارس مسدور، أن "اعتماد الضريبة على الثروة في الجزائر سيضاعف التهريب الضريبي الذي يبلغ 1.2 مليار دولار سنويا".
وأوضح مسدور لـ"العربي الجديد" أن "الحكومة يفترض بها أن تتوجه إلى الزكاة عوض الضريبة على الثروة والتي تعتبر بعيدة جدا عن قيم وعادات الجزائريين، بحيث يمكن للزكاة التي تقدر قيمتها بـ3 مليارات دولار سنويا أن تخفف 30 في المائة من العبء الاجتماعي للدولة، وبالتالي يتم توجيه هذه القيمة من الميزانية العامة للجزائر لصالح أمور أخرى كتسيير الشأن المحلي".
ووفق أستاذ الاقتصاد الإسلامي فإن "هذا الإجراء في حال تطبيقه بطريقة عنيفة، سيدفع المستثمرين إلى تهريب رؤوس أموالهم نحو الخارج والتهريب الضريبي، مثلما وقع في فرنسا حينما غادر كبار رجال الأعمال نحو بلجيكا ولوكسمبورغ".
واعترف بأن "تطبيق هذا الإجراء صعب جدا لعدم توفر التصاريح الحقيقية للممتلكات كالمجوهرات والعقارات والسيارات الفاخرة ذات الاستعمال الشخصي".