استمع إلى الملخص
- تم تفعيل خريطة طريق واسعة النطاق خلال اجتماع وزير الفلاحة مع مسؤولي الولايات، مع تعليمات صارمة لوضع وسائل المراقبة والتدخل على أهبة الاستعداد.
- تهدف التدابير إلى حماية الإنتاج الزراعي الذي يمثل أكثر من نصف إنتاج الجزائر، ومنع تكرار سيناريوهات خسائر المحاصيل في دول أفريقية أخرى.
أطلقت السلطات في الجزائر خطة استعجالية لمواجهة تهديد الجراد الصحراوي الذي بدأ يظهر بأعداد محدودة على حدودها الجنوبية، من خلال تفعيل خريطة طريق واسعة النطاق تهدف إلى احتواء انتشاره والحيلولة دون وصوله إلى المناطق الزراعية، سواء في جنوب البلاد أو شمالها.
وجاء إقرار هذه التدابير خلال اجتماع وزير الفلاحة والتنمية الريفية مع مسؤولي المصالح الفلاحية بولايات البلاد الـ58، الذي جرى يوم السبت. وتوّج اللقاء ببيان اكتفى بالإشارة فقط في نهايته إلى أنه "تم التطرق إلى مسألة مكافحة الجراد الصحراوي الذي ظهر في بعض ولايات جنوب البلاد، حيث أسدى الوزير تعليمات لإطارات القطاع، لا سيما ولايات الجنوب، لوضع كل وسائل المراقبة والتدخل على أهبة الاستعداد في ما يخص الجراد، لا سيما على مستوى المحيطات والأقطاب الفلاحية".
وشملت الخطة الاستعجالية المتخذة، وفق ما أكدته مصادر رسمية مطلعة لـ"العربي الجديد"، إصدار تعليمات صارمة للمصالح الفلاحية في 20 ولاية جنوبية، لمباشرة إجراءات التصدي لمجموعات الجراد الصحراوي، وتسخير الإمكانات المادية والبشرية اللازمة.
ووفق المصادر نفسها، فإنه ولحد الآن، لم تُرصد أسراب جراد كبيرة، إذ لا تزال التجمعات المكتشفة محدودة العدد، ولا تضم كميات كبيرة من الجراد البالغ ذي اللون الأصفر، وهي المرحلة الأكثر خطورة من دورة حياة هذه الحشرة، مشيرة إلى أن المخاوف بشأن احتمال تفاقم الوضع دفعت السلطات إلى وضع خطة قابلة للتوسع، بحيث تشمل ولايات الشمال إذا اقتضت الضرورة.
سعي لمواجهة الجراد قبل التكاثر
ووفق المصدر نفسه، فقد رُصدت مجموعات الجراد في مناطق حدودية مع كل من مالي والنيجر، إضافة إلى بوابة أخرى على الحدود الشرقية مع ليبيا، ما يضع الجزائر في دائرة تهديد حقيقي يتطلب استجابة سريعة وفعالة.
وتشمل الخطة الاستعجالية، وفق مصادر تحدثت لـ"العربي الجديد"، تزويد المزارعين في الولايات الجنوبية بكميات كبيرة من المبيدات الحشرية، إلى جانب تسخير طائرات مسيّرة استطلاعية تابعة لبرنامج الأغذية العالمي (الفاو) لرصد أماكن تكاثر الجراد ووضع البويضات، ما يساعد في تحديد البؤر المحتملة واتخاذ إجراءات وقائية قبل انتشاره.
كما جُنّدت طائرات تابعة لشركة "طاسيلي"، وهي فرع تابع لمجموعة سوناطراك الحكومية للمحروقات، بالإضافة إلى الطائرات التي اقتنتها الجزائر أو استأجرتها سابقاً في إطار مخطط مكافحة حرائق الغابات، والتي ستُستخدَم في رش المبيدات على نطاق واسع لمواجهة الجراد في المناطق المهددة.
وتهدف هذه التدابير بالدرجة الأولى، وفق المصادر نفسها، إلى حماية المناطق الزراعية الرئيسية في الجنوب وخصوصاً شمال الصحراء، التي تمثل أكثر من نصف إنتاج الجزائر من الخضراوات، إلى جانب كميات كبيرة من الحبوب والفاكهة. وتشكل هذه المناطق حجر الأساس في تأمين الإمدادات الغذائية للسوق المحلية، ما يجعل السيطرة على موجات الجراد أولوية قصوى للسلطات.
ورغم أن الوضع لا يزال تحت السيطرة وفق ما جرى عرضه خلال الاجتماع، إلا أن السلطات، ووزارة الفلاحة تحديداً، تتعامل مع التهديد بجدية كبيرة، بالنظر إلى التداعيات المحتملة لانتشار الجراد على القطاع الفلاحي والأمن الغذائي للبلاد، وهو ما تجسد من خلال التوجيهات الصارمة التي أُسديت للمسؤولين المعنيين بالخطة الاستعجالية. وتخشى السلطات من تكرار سيناريوهات سابقة، حيث أدت أسراب الجراد في بعض الدول الأفريقية إلى خسائر فادحة في المحاصيل، ما دفع الجزائر إلى اتخاذ إجراءات استباقية لمنع وقوع كارثة بيئية وزراعية.
وكما هو معلوم، فإن الإنتاج الزراعي للجزائر تركز تدريجياً منذ نحو 25 سنة بعدة ولايات جنوبية، على غرار بسكرة ووادي سوف في شمال الصحراء، إضافة إلى ولايات أخرى في وسط الصحراء والجنوب الغربي، منها غرداية والمنيعة وأدرار وتيميمون، التي صارت تنتج ما لذ وطاب من فواكه وخضر وحبوب من شهر أكتوبر/تشرين الأول وحتى مايو/أيار من كل سنة.
وتقول السلطات إنها تعتزم زراعة مليون هكتار لإنتاج الحبوب، وخصوصاً القمح، في عدة ولايات جنوبية، عبر مزارعين من القطاع الخاص وأيضاً عبر شراكات أجنبية على غرار تركيا وإيطاليا.
وحسب متابعين، فإن صحراء الجزائر يمكن أن تتحول إلى سلة غذاء حقيقية للبلاد في غضون السنوات المقبلة، بفضل برامج حكومية لإنتاج الخضر والحبوب والفواكه والبذور الزيتية وغيرها، أيضاً بالنظر إلى توفر كميات هائلة من المياه الجوفية العذبة المناسبة للزراعة.