الجزائر: العطش يقفز بأسعار خزانات المياه

الجزائر: العطش يقفز بأسعار خزانات المياه

29 يونيو 2021
فتاة تنتظر وصول المياه في إحدى المناطق الصحراوية (فرانس برس)
+ الخط -

أدى انتشار الجفاف في الجزائر، وتضاعف مشكلات التزود بمياه الشرب، في المحافظات الكبرى بما فيها العاصمة، إلى ارتفاع أسعار خزانات المياه البلاستيكية والمضخات، التي زاد الطلب عليها، مما شكل عبئاً ثقيلاً على كثير من الأسر التي تعاني بالأساس من غلاء المعيشة وتراجع القدرة الشرائية.

إقبال غير مسبوق تشهده محال بيع المضخات وخزانات المياه في شارع الحميز، شرقي العاصمة الجزائر، المعروف ببيع هذه السلع، وسط قفزات في الأسعار ومخاوف من المضاربة والاحتكار، التي يخيّم شبحها مع كلّ أزمة في الجزائر.

وسجلت خزانات المياه البلاستيكية ارتفاعاً يتراوح بين ألف و3 آلاف دينار للخزان، حسب السعة والنوعية (الدولار= 134 ديناراً). وهو ما يؤكده محمد عبد الهادي، الذي التقيناه في أحد المتاجر في شارع "الحميز"، موضحاً أنّ "الخزان الذي اقتناه، وهو ذو سعة ألف لتر بسعر 20 ألف دينار، لم يكن يتعدى سعره 16 ألف دينار قبل أيام فقط".

يقول عبد الهادي لـ"العربي الجديد": "الكثيرون يقبلون على الشراء، خوفاً من ارتفاع الأسعار بشكل أكبر، في ظل تواصل أزمة مياه الشرب، وعدم مواكبة المصانع والمتاجر الكبيرة حجم الطلب على الخزانات والمضخات".

وتعاني الجزائر من أزمة جفاف حادة، هي الأولى من نوعها منذ ثلاثة عقود، أدت إلى انخفاض حاد في منسوب السدود، خاصة في المناطق الشمالية، إلى مستويات دنيا. وقرر والي ولاية الجزائر العاصمة، يوسف شرفة، تقسيم تزويد ساكني العاصمة بالمياه، إذ تجري الإمدادات في الفترة من السادسة صباحاً إلى السادسة مساء، وذلك لأول مرة منذ عام 1998، ما خلف موجة تذمّر كبيرة، واضطر العديد من سكان الأحياء إلى الخروج إلى الشارع للاحتجاج.

وتتزود العاصمة الجزائرية من سدّين يقع أحدهما في منطقة بومرداس في الجهة الشرقية، والآخر في سيدي اعمر بولاية تيبازة في الجهة الغربية. وتضم الجزائر 80 سداً بسعة تخزين تصل إلى ثمانية مليارات متر مكعب، من بينها سد بني هارون في ولاية ميلة (شرق)، والذي يعد الأكبر في قارة أفريقيا، فيما هناك عدد آخر من السدود قيد الإنشاء. وتستهدف البلاد الوصول إلى سعة تخزين تفوق عشرة مليارات متر مكعب.

ويخشى الجزائريون من استغلال الوضع من طرف التجار والمضاربين الكبار، من أجل ترويج وتسويق خزانات بلاستيكية غير مطابقة للمواصفات وأخرى مضرة بالصحة العمومية، لكن يقبل عليها المواطنون بسبب انخفاض أسعارها، خصوصاً تلك المصنوعة من مواد غير صحية، وسط جهل الزبون بذلك وغياب مصالح الرقابة. فيما تحذّر تقارير إعلامية من تداول خزانات مخصصة لتخزين مواد كيميائية سامة وليست للمياه.

لكنّ رابح عوادي، وهو تاجر خزانات، يقول إنّ "ما يتم عرضه من خزانات صناعة وطنية عالية الجودة، وليس هناك خزان واحد من هذه الصناعة من دون ضمان من قبل صاحب المحل أو شهادة ضمان من الشركة المصنّعة".

يضيف عوادي لـ"العربي الجديد" أنّ "ارتفاع الأسعار كان متوقعاً لسببين: الأول هو ارتفاع الطلب فجأة، والسبب الثاني ارتفاع أدوات تصنيع الخزانات من البلاستيك والفيبرغلاس".

يتابع: "اضطررنا إلى رفع السعر تفادياً لأيّ خسائر مادية، وهذا ما يجعل أغلبية تجار هذه المحال يرفعون السعر، وإن بنسبة بسيطة تعوّض بعض الخسائر السابقة لهم".

في المقابل، يشدد مصطفى زبدي، رئيس الجمعية الجزائرية لحماية وإرشاد المستهلك (غير حكومية)، على أنّ "الجمعية ترفض منطق رفع الأسعار، الذي يسير عليه تجار خزانات المياه، إذ لا يعقل أن ترتفع أسعار الخزانات في ظرف أسبوع بأكثر من ألفي دينار، فجيوب العائلات لا تتحمل مثل هذه المصاريف قبيل عيد الأضحى (يحل في منتصف يوليو/تموز المقبل) وفي ظلّ ارتفاع أسعار مختلف السلع في البلاد".

يضيف زبدي، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "مكاتب الجمعية سجلت العديد من القفزات في أسعار الخزانات، وحتى المضخات الصغيرة الموجهة للاستعمال المنزلي، ورفعنا تقارير لوزارة التجارة، للمطالبة بمضاعفة المراقبة على الأسواق وحتى أسعار المنتجين، حتى نعرف أين الخلل".

وأمام تأكيد مصالح الأحوال الجوية الجزائرية استمرار موجة الجفاف حتى أكتوبر/تشرين الأول المقبل على الأقل، تسارع الحكومة من أجل تخفيف موجة العطش، خصوصاً في الولايات الشمالية الكبرى، لتفادي الاضطرابات الاجتماعية، خصوصاً بعد رفع المصالح الأمنية تقارير تحذّر من خروج مظاهرات شعبية هذه المرة بمطالب اجتماعية وليست سياسية.

وفي السياق، يكشف كمال رحالي، نائب مدير الإنتاج والتوزيع في وزارة الموارد المائية والري، أنّ "الجزائر تعيش اليوم على غرار دول البحر الأبيض المتوسط عجزاً مائياً ناجماً عن التغيرات المناخية التي أثرت بشكل كبير على الدورات الطبيعية لتساقط الأمطار، ما سبب شحاً في مصدر كبير للمياه، وأدى إلى تراجع كبير في منسوب السدود في مختلف المناطق بالدولة، خصوصاً الوسطى والغربية، مع تسجيل نسبة عجز تقدر بنحو 25% من احتياطي السدود".

ويقول رحالي لـ"العربي الجديد": "من أجل تغطية العجز المسجل في مياه الشرب على مستوى المدن، وضعت الوزارة برنامجاً استعجالياً لتغطية والحدّ من العجز في المياه السطحية، من خلال تعزيز قدرات إنتاج المياه الجوفية، وكذلك الاستعانة بتأهيل وتوسيع محطات تحلية مياه البحر، وإنشاء محطات جديدة على المدى القصير لتغطية العجز في المياه"، لافتاً إلى أنّ من المنتظر تسلّم 173 محطة ذات إنتاج يقدر بـ 250 ألف متر مكعب يومياً خلال الأشهر المقبلة.

ويشير إلى أنّ كميات المياه المتاحة في السدود لا تسمح حالياً سوى بتحقيق إنتاج يتراوح بين 750 ألف متر مكعب و850 ألفاً يومياً، مما يؤدي إلى مراجعة نظام التوزيع على السكان في مختلف بلديات العاصمة.

ولا تقتصر الأزمة على مياه الشرب، بل تمتد إلى قطاعات حيوية مثل الزراعة والإنتاج الصناعي. وقبل أيام، قال رئيس اتحاد المزارعين الجزائريين، محمد عليوي، إنه من المتوقع انخفاض إنتاج الحبوب بين 35% و40% عن مستوى العام الماضي البالغ 5 ملايين طن، بسبب الجفاف الذي يضرب جميع الولايات، بينما ساهمت القيود المفروضة على تنقلات الأفراد بسبب جائحة فيروس كورونا بالأساس في تراجع الإنتاج في أنحاء البلاد، مجبرة المزارعين على تخفيض التوقعات. وقال عليوي إنّ انخفاض الإنتاج سيدفع الحكومة إلى اللجوء للأسواق الخارجية لإطعام السكان البالغ عددهم 45 مليون نسمة.

وفي مايو/أيار الماضي، أعلن وزير الفلاحة والتنمية الريفية، عبد الحميد حمداني، أنّ البلاد تطمح إلى تقليص فاتورة استيراد السلع الزراعية والبذور بنحو 15%. كما دعا الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أخيراً إلى "ثورة" في إنتاج الحبوب والبذور، حاثاً الحكومة على زيادة إنتاج القمح الصلد، والحدّ من واردات القمح اللين عن طريق إدخال الطرق الحديثة والاستعانة بمزيد من المهندسين الزراعيين.

ومع تزايد القلق من تفاقم أزمة المياه خلال الصيف، الذي يشهد ارتفاعاً في درجات الحرارة، بدأت تظهر مشاهد لبيع المياه غير المعبأة في بعض المناطق. ومن شأن شح المياه السطحية أن يضاعف من حجم الضغط الممارس على المياه الجوفية والتي تعاني أصلاً من الاستغلال المفرط لها، وفق دراسات متخصصة.

المساهمون