الجزائر... التوتر الأمني يعرقل تنمية الساحل الأفريقي

25 ابريل 2025   |  آخر تحديث: 09:21 (توقيت القدس)
الجزائر تسعى إلى توسيع التعاون النفطي مع دول الساحل (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تسعى الجزائر لتحقيق السلام والاستقرار في منطقة الساحل الأفريقي عبر تعزيز الشرعية الدولية ومكافحة الإرهاب، وإطلاق مشاريع اقتصادية مع دول مثل مالي والنيجر وموريتانيا، لكن التوترات الأمنية تهدد هذه الجهود.

- تواجه الجزائر تحديات من قوى إقليمية ودولية، بما في ذلك دول متحالفة مع إسرائيل وفرنسا، تسعى لعرقلة جهودها في تحقيق الاستقرار والتنمية في الساحل الأفريقي، مما قد يؤدي إلى تفاقم الأزمات في المنطقة.

- مشروع أنبوب الغاز العابر للصحراء، الذي يربط نيجيريا بالجزائر، يواجه تحديات أمنية قد تؤخر تنفيذه، رغم أنه يعد الخيار الأفضل لإيصال الغاز الأفريقي إلى أوروبا.

 

لا تنحصر إسقاطات التوتر الأمني في منطقة الساحل الأفريقي والتطورات الأخيرة بين الجزائر ومالي في حدود السياسة والعلاقات بين بلدان المنطقة على الصعيد الإقليمي، بل تمتد إلى تداعيات الاقتصاد، إذ لا تنمية ولا مشاريع استثمارية في ظل عدم الاستقرار.

ومن هذه المنطلقات، عملت الجزائر على مدار سنوات مضت على تحقيق السلام في منطقة الساحل وبلدانه التي تجمعها وإيّاها حدود شاسعة، من خلال الدعوة والحث في كل مناسبة على الرجوع إلى الشرعية الدولية، فضلا عن التأكيد على ضرورة مكافحة الإرهاب والجماعات التابعة له في القارة الأفريقية، وقطع طرق وصول الأسلحة إليهم.

في موازاة ذلك، انطلقت الجزائر في بعث مشاريع في مجالات عدة بينها وبين دول الساحل بما في ذلك مالي والنيجر، وتحويل وجهة صادرات من خارج المحروقات إلى هذه الدول، لا سيما موريتانيا في إطار الشراكة تجارية نجحت من خلالها العلامات الجزائرية في كسب ثقة المستهلك الموريتاني، غير أنّ استمرار هذا النهج يستدعي ضمان الأمن في المنطقة، وهو ما تكاد تعصف الأحداث الأخيرة بين مالي والجزائر به (إسقاط الطائرة المالية على خلفية انتهاك الحدود الجوية الجزائرية).
 

حرب مصالح بالمنطقة

يؤكد الخبير الاستراتيجي الموريتاني ورئيس مركز دراسات المستقبل ودعم صناعة القرار الوطني عبد الله ولد بونا، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ دور بعض الدول التي تربطها علاقة تحالف استراتيجي شامل بإسرائيل وفرنسا تحاول خدمة المشروع الصهيوني بالمنطقة، وهي لا تخفي ذلك بل تفاخر به، حيث تنتشر عسكريا وأمنيا عبر وجود مباشر أو وجود بمعدات عسكرية وتجهيزات تقنية، وتعمل على متابعة ذلك من جنوب اليمن إلى القرن الأفريقي إلى السودان وتشاد والنيجر وبوركينا فاسو ومالي وموريتانيا والمغرب، كما أن لها حضورا في ليبيا.

واعتبر المتحدث أن الهدف الأول من هذه المساعي هو عرقلة مشروع الجزائر بالمنطقة، وهو مشروع سلم واستقرار وتنمية، "فالجزائر تنفذ استراتيجية اقتصادية بناءة تجاه المنطقة وأفريقيا والعالم باقتصاد قوي ورؤية واضحة، وهذا ما لا يريده الحلف الصهيوني". وعلى هذا الأساس، تريد هذه الأطراف أن تفاقم الأزمة مع الجزائر، لكن حسابات الاحتمالات في المدى المنظور تؤكد أن ذلك ليس في صالح دول جنوب الصحراء التي تعاني جملة من المشاكل المزمنة، وقد ينعكس ذلك على استمرار الأنظمة الانقلابية الهشة فيها.

أنبوب الغاز العابر للصحراء

اعتبر الخبير في شؤون الطاقة أحمد طرطار أنّ النيجر الخاسر الأكبر من استمرار الإشكالات الأمنية في منطقة الساحل الأفريقي وما تفرضه من تأخر تجسيد المشروع العملاق في مجال الطاقة، وهو أنبوب الغاز العابر للصحراء، وبالتالي فإنّ اتخاذها للموقف المساند لمالي لا يخدم مصالحها الاقتصادية، من منطلق أنّ الجزائر تسعى لتحقيق الاستقرار والأمن في المنطقة. وأشار المتحدث، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى المكاسب التي كان من المفروض أن تحصل عليها جراء مرور هذا الأنبوب على أراضيها، في شكل إتاوات أو مراكز تقنية أو محطات للصيانة وغيرها.

تأثيرات التوتر الأمني في منطقة الساحل من شأنها تأجيل الخطوات العملية لمشروع أنبوب الغاز ولكن ليس إلغاءه، على حد ما قال طرطار، مبررا ذلك بكون محور نيجيريا ـ النيجر ـ الجزائر الخيار الأفضل والأقل كلفة لإيصال الغاز الأفريقي إلى القارة الأوروبية، عبر شبكة من البنية التحتية المتوفرة مسبقا في الجزائر وأنابيب بحرية تربطها بجنوب أوروبا، وأشار في هذا السياق أيضا إلى التقدم المحرز قبل هذا.

البعد الاستراتيجي القاري للجزائر

من جهته، لم يخف الخبير في الشؤون الاقتصادية حمزة بوغادي تأثير الصراعات السياسية والعسكرية على النشاطات الاقتصادية وتحقيق التنمية في أي منطقة من العالم، وهو سيناريو غير مستبعد ـ حسب بوغادي ـ بالنسبة للوضع في منطقة الساحل الأفريقي، فعادة ما يرتبط الاقتصاد بالوضع الأمني والاستقرار السياسي.

وقال الخبير، في مداخلة مع "العربي الجديد"، إن هذه المنطلقات دفعت الجزائر إلى الرمي بثقلها منذ حوالي خمس سنوات لتأمين عمقها الأفريقي واتخاذه أولوية من خلال بعث مجموعة من المشاريع الاستثمارية، التي لن تكون مكاسبها مقتصرة على الجزائر، بل تشترك فيها المنطقة برمتها، فضلا عن المساعدات التنموية لدول الساحل ورعاية الحلول السياسية ودعم الشرعية الدولية في حل النزاعات الداخلية.
وأوضح المتحدث أنّ هذا التحرك "يزعج" أطرافا أخرى تسعى إلى حماية مصالحها في القارة الأفريقية، وبالتالي العمل على تحريك النعرات وتغذية النزاعات والفتن بالمال والعتاد، وتوقع أنّ هذا المسعى من شأنه إبطاء وتيرة التنمية الاقتصادية في المنطقة، وأبرز مثال على ذلك الصعوبات التي يمكن أن تواجه ترجمة مشروع أنبوب الغاز الرابط بين نيجيريا والجزائر مرورا بالنيجر.

المساهمون