الجانب الاقتصادي لحكومة سورية الجديدة

31 يناير 2025
أسواق دمشق في رأس السنة، 31 ديسمبر 2024 (على حاج سليمان/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- ركز أحمد الشرع على إحياء الاقتصاد في إدلب بعد سقوط نظام الأسد من خلال تعزيز الزراعة والصناعات الأساسية، وتطبيق نظام السوق الحرة، وتعيين ميساء صابرين كمحافظ لمصرف سورية المركزي، مع تحسين المستوى المعيشي برفع رواتب القطاع العام.

- شهدت إدلب انتعاشاً اقتصادياً تحت حكم الجولاني، حيث اعتمدت هيئة تحرير الشام على التعريفات الجمركية وإدارة المعابر، مما ساهم في توفير الخدمات الأساسية وتعزيز شرعية الجولاني.

- يواجه أحمد الشرع تحديات في إقناع الغرب برفع العقوبات عن سورية، وهو أمر ضروري لتمكين الحكومة الانتقالية من أداء مهامها وتسهيل إعادة الإعمار، وسط تعقيدات السياسة الأمريكية والمشاريع الصهيونية.

من أجل التعرُّف على الملامح الاقتصادية لفترة حكم إدارة سورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع، بعد سقوط نظام الأسد، ينبغي التدقيق في السياسات والإستراتيجيات الاقتصادية التي اتَّبعها إبّان حكمه لمدينة إدلب. في الواقع، ركَّز الشرع، البراغماتي ذو الرؤية بعيدة المدى، على تقديم أسلوب ناجح للإدارة في إدلب يشكِّل مثالاً للمناطق السورية الأخرى ونموذجاً، هو الأمثل مقارنة بالبدائل المتاحة، يحظى بموافقة الولايات المتحدة والقوى الغربية.

اختلفت الموارد الاقتصادية التي اعتمد عليها الجولاني مع تطوُّر جبهة النصرة من تنظيم جهادي تابع لتنظيم القاعدة وداعش إلى هيئة تحرير الشام المستقلّة عن تلك التنظيمات. ففي مرحلة جبهة النصرة، اعتمد الجولاني على مصدرين أساسيين للتمويل وهما: الاستيلاء والسيطرة على النقاط العسكرية لنظام الأسد والتمويل الخارجي الذي قدَّمته بعض الدول والقوى الإقليمية. لاحقاً، تمكَّنت هيئة تحرير الشام من تحصيل ملايين الدولارات شهرياً من جمع التعريفات الجمركية من إدارة المعابر مثل معبر باب الهوى مع تركيا، وإدارة القطاع البنكي، ومشاركة المنظمات في كل ما يدخل إلى إدلب من مساعدات، إضافة إلى عائدات النفط والضرائب والتجارة، وهذا علاوة على بناء المحلاّت في ساحات إدلب وتأجيرها للمواطنين.

شهدت مدينة إدلب تحت مظلّة حكم الجولاني انتعاشاً ملحوظاً في النشاط التجاري ونهضة اقتصادية وعمرانية. فقد وفَّر الجولاني لسكان هذه المدينة الكهرباء والغاز والوقود والخبز والعديد من المواد الغذائية بشكل مستمر. وتم تأسيس جامعة إدلب في أواخر عام 2015، كما قامت حكومة الإنقاذ في إدلب بإنشاء مدينة باب الهوى الصناعية التي تضمّ العديد من المعامل، إضافة إلى تأسيس الكلية العسكرية التي أشرفت على تخريج أولى دفعاتها من الضبّاط في عام 2022. مكَّنت رؤية الجولاني بعيدة المدى من تزويد إدلب بالإطارات اللازمة لإدارة دواليب الاقتصاد، وكذا الضبّاط اللاّزمين لتولِّي زمام الجيش الذي أراده وسعى من خلاله لفرض حالة الاستقرار في مناطق سيطرته.

إلى جانب سيطرته العسكرية، تمكَّن الجولاني من خلال إنجازاته على الصعيد الاقتصادي من اكتساب الشرعية في إدلب وجعلها منطقة "مستقلّة" داخل دولة مستبدّة، فقد حرص من خلال عمله المتواصل وخطّته المحكمة على تقديم حُكمه كنموذج أمثل توافق عليه واشنطن وأنقرة، وتخلَّى عن التشدُّد في خطابه وارتدى ملابس الغرب وشذب لحيته، ليقنع الغرب بأنّ هيئته لا تُعدّ تنظيماً إرهابياً ولا تستهدف الأقليات ولا تشكِّل خطراً على المصالح الغربية.

صحيح أنّ إدلب تُعدّ نموذجاً مصغَّراً يضمّ أربعة ملايين سوري ولا تحوز التنوُّع الديموغرافي الكبير الموجود في سورية ولا تحتاج إلى الموارد المالية الضخمة التي تتطلَّبها إدارة الدولة الكبيرة، إلا أن الجولاني أثبت وبجدارة قدرته على تشكيل النواة اللاّزمة لخلق النظام الذي يخدم الشعب ويساير الغرب ويتماشى مع مصالح الشرق.

بعد نجاحه في طرد بشار وزبانيته، أكَّد أحمد الشرع عزمه على تقوية الاقتصاد من خلال إحياء محرِّكات النمو المحلِّية، خاصّة الزراعة، ودعم الصناعات الأساسية مثل المنسوجات، إضافة إلى إعادة المهجَّرين من ديارهم وبناء ما دمَّرته الحرب التي استمرّت زهاء 14 عاماً، وأعلن عن رغبته في إدخال نظام السوق الحرّة، وفتح الأبواب أمام الاستثمارات الأجنبية، وعيَّن ميساء صابرين محافظاً لمصرف سورية المركزي، لتكون بذلك أوّل امرأة تتقلَّد هذا المنصب الحسّاس، في خطوة لاستمالة الغرب، وأصدر تعليمات لشركة النفط السورية الحكومية باستئناف الإمدادات، وشدَّد على ضرورة إصلاح النظام الضريبي بما يتوافق مع مصالح جميع دافعي الضرائب، كما تعهَّد بتحسين المستوى المعيشي للمواطن السوري بدءاً برفع رواتب موظّفي القطاع العام بنسبة 400%.

لكن قائد الإدارة السورية الجديدة يقف الآن أمام مسار طويل محفوف بالتحدِّيات، أهمّها مهمّة إقناع الغرب بالرفع الكامل للعقوبات، الأمر الذي يمثِّل انفراجة للاقتصاد السوري ويمكِّن الحكومة الانتقالية الجديدة من أداء مهامّها في جميع أنحاء البلاد ويسهِّل تصدير النفط ويسرِّع تمويل جهود إعادة الإعمار التي تُقدَّر بما يتراوح بين 250 و400 مليار دولار.

فقد أفاد الجولاني في لقاء صحافي بأنه يأمل في أن تُزيل الولايات المتحدة بشكل كامل كلّ العقوبات، التي فرضتها على نظام الأسد والتي من المفترض أن تزول بزوال النظام إلى غير رجعة، طالما أنّها تتغنّى بالصداقة للشعب السوري، وشدَّد على ضرورة رفع أميركا لكل العقوبات تلقائياً من دون الدخول في مفاوضات ومن دون الحاجة للمساومات، وما هذا إلاّ ضرب من المستحيلات في ظلّ حكم الرئيس ترامب المعروف بهوسه بالصفقات وعشقه لانتزاع التنازلات مقابل الوهم أو الفتات.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

صحيح أنّ ترامب قد صرَّح في إحدى مقابلاته الصحافية بأنه يحترم الشعب السوري ويعتبره شعباً عظيماً ذا ثقافة رائعة وعبَّر عن حسرته إزاء دمار سورية بعدما كانت بلد المثقفين والأطباء والمحامين، لكن من سابع المستحيلات أن يتفوَّق تقديره للشعب السوري على حبِّه وانحيازه للكيان الصهيوني. ترامب الذي تمكَّن في عهدته الأولى من إبرام سلسلة من صفقات التطبيع، لن يهنأ له بال ولن تستقرّ له حال حتى يقدِّم ما أمكنه من قرابين لزعماء بني صهيون.

في وقت ليس ببعيد، عبَّر ترامب علانية عن عدم رضاه عن صغر حجم إسرائيل مقارنة بالمساحات الشاسعة في منطقة الشرق الأوسط، وتساءل على الملأ عن طريقة للحصول على المزيد من المساحات. من المتوقَّع أن يركِّز ترامب على تمديد المنطقة العازلة بين سورية والاحتلال الصهيوني، لتمكين هذا الأخير من الاستيلاء على ما تبقَّى من الجولان وتنفيذ مشاريع توسُّعية صهيونية سابقة ومنحه النفوذ والسيطرة على جميع مصادر المياه الغزيرة من جبل الشيخ، وكذا السيطرة العسكرية على الجنوب السوري.

خلاصة القول، لقد أفاد الشرع بأنّ عملية إجراء الانتخابات في سورية قد تستغرق ما يصل إلى أربع سنوات، وبناءً على ذلك سيكون انتقال السلطة مطوَّلاً، الأمر الذي من شأنه أن يؤخِّر الرفع التامّ للعقوبات ويعطِّل الانطلاقة الحقيقية للاقتصاد السوري. وفي الوقت الذي يواصل فيه قائد الإدارة السورية الجديدة رسم اللعبة السياسية والاقتصادية، لا تزال المشاريع الصهيونية الهادفة إلى تفتيت سورية إلى دويلات صغيرة وضعيفة قيد التنفيذ مهما طال الزمن ومرّت السنين.

المساهمون