الجائحة تستنزف التونسيين: علاج كورونا بالاقتراض

الجائحة تستنزف التونسيين: علاج كورونا بالاقتراض

11 مايو 2021
يضم صندوق الضمان الصحي 3 ملايين تونسي (ياسين قائدي/الأناضول)
+ الخط -

يتحمّل التونسيون أعباء مالية جديدة، فرضتها الجائحة الصحية وكلفة العلاج الكبيرة في القطاع الخاص بعد بلوغ مستشفيات القطاع الحكومي طاقة الإيواء القصوى وعدم قدرة أقسام الطوارئ وكورونا على إيواء مزيد من المرضى.
وبسبب نقص أسرّة الأوكسجين والإنعاش في مستشفيات القطاع العام، يضطر التونسيون إلى طلب العلاج في القطاع الخاص وتحمّل فاتورة علاج باهظة يتم سدادها بقروض مصرفية أو بتقسيط الفواتير لدى المصحات.
وتسجل المصارف التجارية يومياً طلبات لزبائن يرغبون في الحصول على قروض سريعة من أجل سداد فواتير علاجهم أو علاج أفراد من عائلاتهم في المصحات الخاصة.
ويؤكد مسؤولون بفروع مصرفية مختلفة لـ"العربي الجديد" أنّ وتيرة الإقبال على القروض السريعة ارتفعت في الأسابيع الأخيرة مع تفشي الفيروس في تونس، وزيادة الحاجة إلى العلاج في أقسام الإنعاش الطبي.
وقالت المصادر نفسها، التي فضّلت عدم ذكر اسمها، إنّ عملاء المصارف يقدمون طلبات يومية للحصول على القروض تتم دراستها والموافقة عليها وفقاً لمعايير الإسناد المعتمدة في القطاع المصرفي والتي لا تسمح بتجاوز الخصم لأكثر من 40 في المائة من الدخول. وأضافت المصادر أنّ معدل القروض المطلوبة تتراوح بين 10 و30 ألف دينار (الدولار = 2.73 دينار) تسدد في فترة بين 3 و5 سنوات بنسبة فائدة في حدود 11 في المائة.
وكشفت بيانات رسمية نشرها البنك المركزي التونسي في فبراير/ شباط الماضي عن تسارع القروض المسندة للأفراد بزيادة قدرها 5.9 في المائة، مقابل 4.8 في المائة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، والتي شملت القروض الاستهلاكية التي نمت بما يعادل 7.2 في المائة، مقابل زيادة بـ6.2 بالمائة قبل 4 أشهر.

وبحسب المواطن فهد خلف الله، فإنّ كلفة علاج والده من فيروس كورونا في مصحة خاصة فاقت 12 ألف دينار، بعد علاج استمر ثمانية أيام، مؤكداً أنّه اضطر إلى الاقتراض من معارفه 7 آلاف دينار، وسحب رصيد ادخار بـ5 آلاف دينار لتأمين المبلغ.

ويقول خلف الله إنّ كثيراً ممن أصيبوا بفيروس كورونا سحبوا مبالغ من مدخراتهم أو اضطروا إلى الاقتراض من المصارف أو من عائلاتهم لمجابهة مصاريف وصفها بـ"الخيالية" مقارنة بالقدرة الشرائية ومتوسط دخول التونسيين.

ويفيد المتحدث في تصريح لـ"العربي الجديد" أنّ العائلات تضطر إلى اللجوء إلى المصحات الخاصة بعد فقدان الأمل في العثور على سرير إنعاش شاغر في القطاع العام، معتبراً أنّ التونسيين باتوا يشترون الشفاء بأثمان باهظة منتقداً عدم تحمّل صناديق التأمين على المرض لنفقات العلاج في القطاع الخاص الذي يذهب إليه أغلب التونسيين اضطراراً.
تتكون منظومة التأمين على المرض في تونس من الصندوق الوطني للتأمين على المرض وهي مؤسسة عمومية تحت إشراف وزارة الشؤون الاجتماعية، بالإضافة إلى مؤسسات التأمينات الخاصة على المرض، لكنّ مساهمتها قد لا تتجاوز 10 في المائة من إجمالي احتياجات القطاع.
يدفع نحو 3 ملايين تونسي من المنخرطين في صندوق الضمان الصحي (الصندوق الوطني للتأمين على المرض) شهرياً، 6.75 في المائة من دخولهم، مقابل التكفل بعلاجهم في القطاع العام أو الخاص، وفق أنظمة يختارها المنخرطون.
في المقابل، لا يتكفل الصندوق بمصاريف العلاج من كورونا في القطاع الخاص، فيما تتحمل الدولة كلفة علاج المرضى في المستشفيات الحكومية بصفة كلية، وهو ما تسبب في ارتفاع قياسي في عدد المرضى ممن ليس لهم قدرة على تحمّل غلاء المصحات.

ويقول رئيس غرفة أصحاب المصحات الخاصة، بوبكر زخامة، إنّ القطاع الخاص لا يحقق أرباحاً من علاج مصابي كورونا مؤكداً ارتفاع الكلفة بسبب غلاء أسعار الأدوية والمستلزمات الصحية التي تفوق 50 في المائة من الفواتير النهائية.

يضيف زخامة في تصريح لـ"العربي الجديد" أنّ المصحات تراعي الوضع العام في البلاد وتحاول تخفيف الأعباء المالية على المرضى عبر إيجاد حلول ميسّرة لخلاص الفواتير بالأقساط وتخفيض مستحقات الأطباء المباشرين للمرضى. ويفيد أنّ المضاعفات الصحية التي تخلفها كورونا لبعض المرضى تزيد من كلفة العلاج لا سيما الحالات التي تتطلب إيواء طويلاً في أقسام الإنعاش الطبي، مشيراً إلى أنّ كلفة إيواء المصاب ليوم واحد في قسم الإنعاش تتراوح بين ألفين وثلاثة آلاف دينار. ويقول رئيس غرفة المصحات أنّ الإيواء في غرفة عادية تحت جهاز التنفس قد تصل إلى ألف دينار لليوم الواحد.

ويضيف أنّ بعض الحالات تتطلب علاجات خصوصية قد يتم تقديمها بطلب من المرضى وذويهم وهي علاجات قد تصل إلى 14 ألف دينار، على غرار "الإكمو" الذي يقدم في شكل بروتوكول صحي للحالات المستعصية، وفق قوله.
وبسبب الارتفاع الكبير في فواتير العلاج في القطاع الخاص، وعدم قدرة التونسيين على مجابهتها، من دون اللجوء إلى الاقتراض، أو سحب مدخراتهم، طالبت منظمات مدنية وأحزاب سياسية بتكفّل الدولة بمصاريف العلاج ضماناً للحق الدستوري للتونسيين في العلاج.

وقال حزب الديمقراطيين الموحد (حزب يساري) في بيان له بداية مايو/ أيار الجاري، إنّ النظام الرأسمالي العالمي انحاز لهيمنة رأس المال، واقتصاد المضاربات، وتكديس أرباح الشركات العابرة للقارات، على حساب صحة الإنسانية وحقها في الحياة. واعتبر الحزب أنّ تدمير قطاع الصحة العمومية واكتظاظ المستشفيات يقلص الأمل في علاج الطبقات العاملة في البلاد التي تتحمل تبعات الوباء الاقتصادية والصحية.

المساهمون