التوترات توقظ النفط... أوكرانيا و"نووي إيران" يصعدان بالأسعار رغم زيادات الإنتاج
استمع إلى الملخص
- ارتفعت العقود الآجلة لخام برنت وخام غرب تكساس الوسيط، متجاهلة زيادة الإنتاج من "أوبك+"، حيث استمرت المخاوف الجيوسياسية في دفع الأسعار للارتفاع.
- تسببت حرائق الغابات في كندا والوضع الأمني في ليبيا في تحديات للإمدادات، مما جعل السوق حساسة لأي اضطرابات إضافية قد تؤثر على الأسعار العالمية.
هيمنت التوترات الجيوسياسية على سوق النفط العالمية، لتتجه الأسعار للصعود، متجاهلة تأثيرات زيادة الإنتاج الأخيرة التي أقرها تحالف "أوبك+"، إذ خيمت المخاوف على المتداولين بشأن تضرر الإمدادات على وقع تصاعد الضربات المتبادلة بين روسيا وأوكرانيا، والمخاوف بشأن احتمال فشل المفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة، فضلاً عن تراجع الإمدادات من كندا بفعل حرائق الغابات.
وارتفعت العقود الآجلة لخام برنت فوق 65 دولاراً للبرميل، أمس الثلاثاء، وصعد خام غرب تكساس الوسيط الأميركي فوق 63 دولاراً للبرميل بمكاسب تقارب 1%، ليواصلا الصعود الذي سجلاه في الجلسة السابقة، بمكاسب وصلت إلى 3% تقريباً، رغم اتفاق تحالف "أوبك+" يوم السبت الماضي على زيادة الإنتاج للمرة الثالثة على التوالي لشهر يوليو/ تموز المقبل بواقع 411 ألف برميل يومياً، وهي الزيادة نفسها في الشهرين السابقين. كما تجاهلت السوق توقعات بنوك استثمار عالمية أشارت إلى أن "أوبك+" سيواصل زيادة الأسعار خلال الفترة المقبلة.
واستمر الصراع الدائر بين روسيا وأوكرانيا في إذكاء المخاوف بشأن الإمدادات وعلاوات المخاطر الجيوسياسية، حيث صعّدت القوات الأوكرانية في الأيام الأخيرة هجماتها على أهداف في روسيا بشكل ملحوظ، وخاصة خلال عطلة نهاية الأسبوع. ويأتي هذا التصعيد قبيل محاولة أخرى لمناقشة السلام في إسطنبول، والتي تبدو الآن محكومة عليها بالفشل تقريباً. لكن ما فعلته هذه المحاولة هو تذكير مستثمري الطاقة بأن كل شيء لم يُحسم بعد في أوكرانيا، بل على العكس تماماً. وهذا يعني أن العامل الجيوسياسي المؤثر بأسعار النفط لا يزال حاضراً بقوة.
وكتب ستيفن إينيس، الشريك الإداري في شركة "إس بي آي" لإدارة الأصول، في مذكرة نقلها موقع "ماركت ووتش" الاقتصادي: "السوق يتداول النفط كما لو أنه تذكر للتو وجود عوامل جيوسياسية". وأضاف: "لقد تعرضت موسكو لاستفزاز استراتيجي، وينبغي أن تستعد الأسواق لرد روسي قوي"، وذلك في إشارة إلى الضربات التي نفذتها أوكرانيا أخيراً.
وقد يشمل أي تصعيد إضافي بين روسيا وأوكرانيا استهداف الأخيرة للبنية التحتية النفطية، كما فعلت في وقت سابق من العام الجاري، أو تشديد الولايات المتحدة العقوبات على روسيا واستهدافها لصناعتها النفطية. وبالطبع، هناك أيضاً السيناريو الأسوأ المتمثل في انخراط الدول الأوروبية، وربما حتى الولايات المتحدة، بشكل مباشر في الحرب، مما سيكون له تداعيات مباشرة على أمن إمدادات النفط الخام، وبالتالي، سيؤثر بالأسعار، وفق تقرير لنشرة "أويل برايس" الأميركية المتخصصة في الطاقة.
كذلك دعمت المخاوف بشأن المفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة الأميركية، إذ قال دبلوماسي إيراني، الاثنين الماضي، إن طهران تعتزم رفض الاقتراح الأميركي، واصفاً إياه بأنه لا يراعي مصالح بلده ولا يتضمن أي تخفيف لموقف واشنطن بشأن تخصيب اليورانيوم. وقال الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في منشور على منصة "تروث سوشيال"، أمس، إن إدارته لن تسمح لإيران بتخصيب اليورانيوم. وإذا فشلت المفاوضات النووية بين الولايات المتحدة وإيران، فقد يعني ذلك استمرار العقوبات على طهران مما يحد من إمداداتها من النفط ويدعم الأسعار.
كما أن هناك شكوكاً أيضاً حول أمن الإمدادات في دول مثل ليبيا، وفق "أويل برايس" ما يدعم من صعود الأسعار. وأبرزت الاشتباكات التي شهدتها العاصمة طرابلس في مايو/أيار الماضي الوضع الخطر في المدينة، حيث تتنافس المليشيات على التأثير في المؤسسات الرئيسية ومصادر الإيرادات والبنية التحتية. ويبلغ إنتاج ليبيا حالياً ما يقل قليلاً عن 1.3 مليون برميل يومياً، وفقاً لبيانات جمعتها بلومبيرغ. ويُصدّر معظم هذا الإنتاج، ما يعني أن أي توقف متكرر قد يؤثر بأسواق النفط العالمية.
كذلك تسببت حرائق الغابات في مقاطعة ألبرتا مركز الطاقة في كندا، في توقف إنتاج نحو 350 ألف برميل يومياً من النفط الثقيل، أي ما يعادل نحو 7% من إنتاج البلاد، حيث يهدد حريق ضخم بالقرب من الحدود الشرقية للمقاطعة، عمليات الرمال النفطية. ومن بين الشركات التي قلّصت إنتاجها بسبب الحريق "سينوفس إنرجي"، و"إم إي جي إنرجي"، و"كانيديان ناتشورال ريسورسز". والاثنين الماضي كانت الحرائق الخارجة عن السيطرة على بُعد نحو 10 كيلومترات فقط من منشآت نفطية تنتج نحو 470 ألف برميل يومياً.
ويمثل هذا التوقف في الإنتاج، والذي يقارب في حجمه ما وافقت دول تحالف "أوبك+" على إعادته إلى السوق العالمية، تذكيراً بمدى هشاشة إمدادات النفط. وتأتي خسارة هذه الإمدادات من رابع أكبر منتج للنفط في العالم، في وقت تشهد السوق بالفعل اضطرابات. وكانت شركات الرمال النفطية قد خفّضت إنتاجها مؤخراً لأعمال الصيانة الدورية، بينما قيّدت العقوبات المتزايدة إمدادات الخام الثقيل المماثل من فنزويلا.
وتواجه كندا منذ سنوات تهديداً من حرائق الغابات التي تجتاح الغابات الكثيفة في شمال ألبرتا، خلال الربيع والصيف، ما يؤثر في قطاع النفط. ففي عام 2016، أدى حريق ضخم إلى إغلاق مناجم الرمال النفطية العملاقة شمال مدينة فورت ماكموراي، ما أخرج أكثر من مليون برميل يومياً من الإنتاج عن الخدمة. وقالت شركة "سينوفس" يوم الأحد الماضي، إنها تتوقع استئناف العمليات في منشأة "كريستينا ليك" لإنتاج الرمال النفطية، والتي تبلغ طاقتها 238 ألف برميل يومياً، "في المدى القريب"، بعد أن أوقفت الإنتاج في 29 مايو/أيار الماضي.
أما منشأة "إم إي جي إنرجي" المجاورة، فقد تأثرت بانقطاع التيار الكهربائي جراء الحريق، ما أدى إلى تأخير إعادة تشغيل وحدة إنتاجية بطاقة 70 ألف برميل يومياً بعد أعمال الصيانة. وأخلت "كانيديان ناتشورال" العمال من منشأة "جاكفيش 1"، ما أدى إلى توقف إنتاج يبلغ 36,500 برميل يومياً.
وبلغت صادرات مقاطعة ألبرتا العام الماضي نحو 3.77 ملايين برميل يومياً، وهو ما يعادل نحو 89% من إجمالي صادرات الخام. وتصدّر كندا معظم نفطها إلى الولايات المتحدة الأميركية بثلاث طرق هي القطارات، والنقل البحري، وخطوط الأنابيب، وتعتمد بشكل أساسي على الأخيرة، حيث نقلت عبرها 85% من صادرات النفط العام الماضي، مستفيدة من قربها الجغرافي من أميركا. وقال دانيال هاينز، كبير محللي السلع في "إيه أن زد" في مذكرة: "تخلى المستثمرون عن المواقف التي اتخذوها بناء على توقع انخفاض الأسعار قبل اجتماع أوبك+ الذي عُقد في مطلع الأسبوع".
ويأتي ارتفاع أسعار النفط، بعد شهرين مضطربين شهدا انخفاض الأسعار إلى أدنى مستوى لها في أربع سنوات، في أعقاب حروب ترامب الجمركية الواسعة، لا سيما ضد الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم، حيث تهدد التوترات التجارية الاقتصاد العالمي بالتباطؤ، وربما الركود، ما يؤثر سلباً في الطلب على النفط.
ورغم الانتعاش الأخير، فإن النفط لا يزال منخفضاً بنحو 13% منذ بداية العام، بعدما تخلى "أوبك+" عن استراتيجيته السابقة المتمثلة في الدفاع عن الأسعار المرتفعة من خلال خفض الإنتاج، إلى جانب تداعيات حروب ترامب التجارية.
وقالت شارو شنانا، كبيرة استراتيجيي الاستثمار لدى "ساكسو ماركتس"، لوكالة بلومبيرغ، إن "انتعاش النفط هو حالة كلاسيكية لعدم تحقّق أسوأ السيناريوهات". وأضافت: "الإشارات المتضاربة من أوبك+، إلى جانب التوترات الجيوسياسية المتصاعدة، وموسم القيادة الأميركي في الصيف، أشعلت موجة تغطية للمراكز القصيرة"، مشيرة أيضاً إلى أن ضعف الدولار ساهم في دفع الأسعار إلى الأعلى.
ووفق تقرير صادر نهاية الشهر الماضي عن بنك الاستثمار الأميركي "غولدمان ساكس"، فإن الذهب والنفط يشكلان وسائل تحوط فعالة ضد التضخم في المحافظ الاستثمارية طويلة الأجل، مشيراً إلى قدرة النفط الخام على الصمود أمام صدمات العرض في الأسواق العالمية. وذكر محللون في البنك أن النفط يشكل رهاناً إيجابياً، نظراً لصعوبة التنبؤ باضطرابات الإمدادات، إضافة إلى التباطؤ الحاد المتوقع في نمو المعروض من خارج "أوبك"، بدءاً من عام 2028، ما يعزز احتمالات حدوث صدمة عرض.