استمع إلى الملخص
- أظهرت برامج التدريب المهني نجاحاً في توفير فرص عمل، حيث تخرج أكثر من 12 ألف متدرب في عام 2024، وحصل 62% منهم على وظائف، مما يعكس أهمية التدريب المهني في تزويد سوق العمل بكوادر مؤهلة.
- تجارب الشباب الناجحة في التدريب المهني تبرز التحديات المجتمعية التي تواجهه، ويوصي المرصد العمالي بتكثيف حملات التوعية لدعمه كخيار استراتيجي لمعالجة البطالة.
تحاول الحكومة الأردنية زيادة أعداد الملتحقين ببرامج التعليم المهني والتقني، وخفض أعداد المقبولين في التخصصات الأكاديمية التي تعاني ركوداً وإشباعاً غير مسبوق، وساهمت بشكل كبير في ارتفاع نسبة البطالة التي تجاوزت 21% وفق إحصاءات رسمية، فيما تقدّرها منظمات دولية بأكثر من ذلك.
وفي خطوات تستهدف تحفيز الطلبة والمتعطلين من العمل على الالتحاق بالتخصصات المهنية والتقنية في المعاهد والجامعات، قررت الحكومة من خلال مجلس التعليم العالي تخفيض أعداد المقبولين في التخصصات الجامعية المصنفة بالراكدة والمشبعة بنسبة 60% اعتباراً من هذا العام، إلى جانب منح جزئية لدراسة التخصصات التقنية.
كما رفعت الحد الأدنى لمعدلات الثانوية العامة المطلوبة لدراسة تخصصات الطب وطب الأسنان إلى 90%، نظراً لارتفاع أعداد الخريجين وتفاقم البطالة في هذه المجالات. واستحدث مجلس التعليم العالي تخصصات تقنية جديدة، وأوجد برامج علمية مرتبطة مباشرة بسوق العمل، إلى جانب توجيه الطلبة نحو دراسة التخصصات الرقمية، وخاصة الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني والطاقة المتجددة وغيرها.
وقال المرصد العمالي الأردني في أحدث تقاريره، الصادر مساء أمس الخميس، إن برامج التدريب المهني باتت خياراً واقعياً ومتنامياً يحظى بقبول واسع بين الشباب من الجنسين، ليس باعتبارها بديلاً أقل شأناً من التعليم الجامعي، بل لكونها طريقا أسرع للحصول على فرص عمل. ووفقاً للتقرير، تشير أرقام دائرة الإحصاءات العامة الأخيرة إلى أن معدل البطالة في الأردن بلغ 21.3%، وأن 60% من المتعطلين هم من حملة الثانوية العامة فأعلى. هذا الواقع جعل البحث عن مسارات تعليمية وتدريبية مرتبطة مباشرة بسوق العمل أمراً لا مفر منه.
وأعلنت مؤسسة التدريب المهني أن عام 2024 شهد إنجازاً استثنائياً بتخريج أكثر من 12 ألف متدرب ومتدربة، رغم أن الطاقة الاستيعابية للمعاهد تبلغ نحو 8 آلاف فقط. وبلغ عدد الملتحقين حالياً 9500 متدرب في البرامج المهنية و1500 في التعليم المهني، موزعين على 30 معهداً في مختلف محافظات المملكة.
وكشفت بيانات المؤسسة أن 62% من الخريجين حصلوا على فرص عمل ولديهم أرقام ضمان اجتماعي، منهم 53% يعملون في تخصصاتهم، و9% في مجالات أخرى، فيما يعمل 19% في الاقتصاد غير المنظم، ما يعني أن نحو 80% من الخريجين لديهم مصدر دخل. وأشار المرصد إلى أن هذه الأرقام تكشف عن حجم التأثير الذي أحدثته هذه البرامج في تزويد سوق العمل الأردني بكوادر مؤهلة، حيث تتبلور على خطوط التدريب المهني آمال شبابية متجددة، تدفع باتجاه مستقبل مهني قائم على المهارة والإنتاج، في ظل تحديات بطالة متفاقمة وسوق عمل غالباً لا يرتقي إلى طموحات خريجي البكالوريوس.
تجارب شبابية
ونقل المرصد العمالي في تقريره تجارب عدة شبان تنقلوا بين الدراسة الأكاديمية والتدريب المهني وقال في زقاق ضيق من أحياء عمّان القديمة، داخل إحدى ورش النجارة، يجلس الشاب خالد (35 عاماً) بين ألواح الخشب وآلات القطع. فبعد تخرجه في تخصص الإرشاد النفسي وبحثه الفاشل عن وظيفة مكتبية، قرر أن يلتحق بأحد معاهد التدريب المهني ليتعلم مهنة النجار. وبعد 6 أشهر أصبح حرفياً ماهراً، يتقاضى أجراً يتراوح بين 500 و600 دينار شهرياً، ومسجلاً في الضمان الاجتماعي، ويطمح إلى تأسيس ورشته الخاصة.
فيما لم تكن مريم (28 عاماً) خريجة تخصص المحاسبة تتوقع أن شهادتها الجامعية ستبقى حبيسة الأدراج لسنوات طويلة دون أن تجد عملاً. وقالت إنها قدمت عشرات الطلبات ولم تحصل حتى على مقابلة عمل واحدة، وكانت تشعر أن الوقت يضيع وأنها عاطلة من الحياة. هذا الواقع دفعها للتفكير بخيارات بديلة، فقررت الالتحاق ببرنامج تدريبي في التجميل داخل أحد معاهد مؤسسة التدريب المهني متحدية أسرتها التي رفضت هذا التوجه والنظرة المجتمعية. وبينت أنه في أول يوم تدريب شعرت بالخجل لكن مع الوقت أدركت أنها تتعلم مهنة لها قيمة، وتفتح أمامها باباً للرزق والاعتماد على النفس.
وبعد اجتيازها الدورة، بدأت مريم بخطوات صغيرة من داخل منزلها، تقدم خدمات التجميل لجاراتها ومعارفها، قبل أن تتمكن من توفير دخل لا يقل عن 450 دينارا شهريا سمح لها بتجهيز ركن بسيط ليكون صالونا منزليا. ورغم التحديات، ترى مريم أن التدريب المهني منحها فرصة جديدة للحياة، فعلى حد تعبيرها ليست مضطرة لانتظار وظيفة حكومية أو مكتب محاسبة، فهي تستطيع اليوم أن تعمل وتطور مشروعها وهو ما منحها ثقة بالنفس.
أما عيسى ابن 19 عاماً فقد حالف الإخفاق مسيرته الدراسية، حيث لم ينجح في الثانوية العامة. لكنه لم يقف طويلاً أمام هذا العائق والتحق بأحد معاهد التدريب المهني وتدرب على صناعة الحلويات. وبين أنه وبعد 6 أشهر فقط، حصل على وظيفة مساعد شيف في فندق بدخل ثابت قدره 350 دينارا، لكن طموحه أكبر من أن يكتفي براتب شهري، لذلك بدأ بتحضير حلويات منزلية وبيعها في المناسبات.
واليوم يمكن أن يصل دخل عيسى الشهري إلى 1000 دينار في مواسم الأعياد، ورغم أن العمل يتطلب ساعات طويلة في المطبخ تصل أحيانًا إلى 12 ساعة يوميا، إلا أن عيسى يرى أن هذا الجهد هو استثمار لمستقبل يخطط فيه لافتتاح محل خاص به وتوظيف زملائه الذين تدربوا معه في المعهد.
توصيات وتحديات
يرى المرصد أن هذه النماذج وغيرها تكشف عن العوامل التي تجعل من التدريب المهني والتقني بوابة حقيقية لتغيير المسار، إذ يمنح المتدربين فرصة لاختيار التخصص المناسب، ويتيح لهم تدريباً عملياً ميدانياً يربطهم مباشرة بفرص التوظيف أو تأسيس مشاريعهم الخاصة، إلى جانب الدعم اللوجستي أو المالي لبعض البرامج.
لكن المرصد أكد أن النظرة المجتمعية السائدة، التي ترى في التعليم المهني خياراً أقل قيمة من التعليم الجامعي، لا تزال تعيق إقبال بعض الشباب عليه، وهو ما يتطلب حملات توعية وتسليط الضوء على قصص النجاح لتغيير هذه الصورة النمطية. كما شدّد على أن التوسع في برامج التدريب المهني والتقني يشكّل أداة رئيسية لتقليص معدلات البطالة بين الشباب، وضرورة دعمه بتشريعات وسياسات حكومية واضحة، تضمن مواءمة التدريب مع احتياجات سوق العمل، وتمنحه المكانة التي يستحقها بما هو خيار استراتيجي لمعالجة البطالة وتعزيز فرص العمل اللائق.
وأكد التقرير أيضاً أهمية الإسراع في تبني سياسات أكثر فاعلية قادرة على خلق فرص عمل حقيقية للشباب، وتكثيف التوعية بأهمية التعليم المهني والتقني، وتشجيع الناجحين في الثانوية العامة على اختيار التخصصات المطلوبة في السوق والبحث عن مهن المستقبل.