التضخم يلتهم دخل الأتراك ويغيّر أنماط الاستهلاك

التضخم يلتهم دخل الأتراك ويغيّر أنماط الاستهلاك

07 يونيو 2022
أسعار الكثير من السلع تتغير بشكل يومي (Getty)
+ الخط -

يلتهم تضخم الأسعار مداخيل الأتراك، مدفوعا بتداعيات الحرب على أوكرانيا وارتفاع أسعار الطاقة وتراجع قيمة العملة الوطنية، بينما يتخوف كثيرون من طول أمد موجة الغلاء التي غيرت كثيراً من الأنماط الاستهلاكية لمعظم الأسر، فيما يشير مسؤولون حكوميون إلى ميل التضخم إلى الانخفاض خلال الفترة المقبلة، وهو ما تشكك فيه المعارضة.

ويشير مواطنون وتجار إلى أن أسعار الكثير من السلع تتغير بشكل يومي، ما دعا مدير سلسلة محال بيت المونة في إسطنبول، رامي ساريه شين، إلى القول إن هناك حاجة ملحة حالياً لبورصة يومية ترصد أسعار السلع الضرورية والمنتجات الغذائية، إثر تبدلها المستمر، مؤكدا في تصريح لـ"العربي الجديد" أن ارتفاع الأسعار طاول معظم احتياجات الأسر.

وأظهرت بيانات معهد الإحصاء التركي، نهاية الأسبوع الماضي، ارتفاع معدّل التضخم إلى أعلى مستوى له منذ 24 عاماً في مايو/ أيار، مسجلا 73.5% على أساس سنوي، متأثراً بارتفاع أسعار الغذاء والنقل والطاقة.

وقفزت أسعار النقل بنسبة 107.6%، بينما صعدت أسعار المواد الغذائية بنسبة 91.6%. كما تسبب هبوط العملة التركية مجددا في الفترة الأخيرة في المزيد من الضغوط على مستويات الأسعار، بينما فقدت بالأساس قرابة 48% من قيمتها خلال العام الماضي 2021.

ويؤكد مواطنون أتراك ومقيمون، أن مستويات الأسعار تضغط بشكل كبير على ميزانياتهم ما يدفعهم إلى تقليص الشراء للحد الذي دفع البعض إلى شراء احتياجاتهم "بالحبة".

تقول سيمرا اردمين، التي تعمل موظفة في إحدى المنشآت التجارية في إسطنبول إن الأسعار زادت بأكثر من 40% خلال شهر واحد، مشيرا إلى أنها طاولت السلع الغذائية، كما لم تسلم أجور النقل، من الارتفاعات الكبيرة، إذ وصلت تعريفة الباص الحكومي إلى 7.25 ليرات، في حين لم تزد قبل جائحة فيروس كورونا عن ليرتين، بزيادة تصل إلى 275%، كما زادت أجور النقل الخاص "تاكسي" بأكثر من 300%.

كما تشير عائشة بوستان، ربة منزل، إلى أن تراجع مستوى المعيشة المستمر منذ عامين، هو الأشد وطأة على الأتراك منذ 20 عاماً، بينما "شهدنا في السنوات السابقة انتعاشاً معيشياً.. كنا نوفر من مداخيلنا، بينما الوضع حالياً صعب".

تلفت بوستان إلى زيادة عدد المتسولين وطالبي المساعدة في الشوارع، مضيفة أن الكثيرين غيروا كذلك من أنماطهم الاستهلاكية، وزاد الشراء بالحبة والأوزان القليلة.

وأكدت أن الزيادة المستمرة في أسعار الخدمات من مياه وكهرباء وغاز منزلي هي الأشد صعوبة على الأسر.

وينعكس ارتفاع الأسعار بشكل مضاعف بالنسبة للاجئين السوريين، إذ يُضاف ارتفاع إيجارات المنازل التي حددها مكتب الإحصاء بنسبة 34.46% مطلع الشهر الجاري، إلى مصاريف المعيشة والنقل، ليصل متوسط إيجار المنزل في إسطنبول إلى نحو 3 آلاف ليرة.

ويقول السوري محمد إبراهيم، الذي يعمل في منشأة سياحية تركية، إن دخله يبلغ 5500 ليرة، لكنه لا يكفي لتغطية الاحتياجات المعيشية الضرورية لأسرته، مضيفا: "صرنا نوفر حتى في وجبات الغذاء".

ورجح أن يزيد تردي الواقع المعيشي من عودة السوريين الطوعية إلى سورية. ويشير إبراهيم في تصريح لـ"العربي الجديد" إلى أن السلع والمنتجات، ذات العلامة السورية، التي تصنّع في تركيا، نالها من ارتفاع الأسعار أكثر من المنتجات التركية.

ورغم الارتفاع الحاد للتضخم السنوي، قال وزير المالية التركي نور الدين نباتي، إن التضخم الشهري يميل نحو الانخفاض.

وكتب على تويتر، يوم الجمعة الماضي، أن زيادة الإنتاج الزراعي، بمساعدة الظروف المناخية المواتية، ستسهم في تخفيف حدة التضخم الفترة المقبلة.

لكن الخبير الاقتصادي التركي، خليل أوزون، يشدد على ضرورة مواجهة تضخم الأسعار وتردي واقع المعيشة، مشيرا إلى أن ذلك يأتي من خلال رفع الأجور وزيادة التدخل الحكومي سواء عبر متابعة المستغلين والجشعين، أو حتى التدخل المباشر عبر بيع بعض المنتجات بأسعار منافسة، فضلاً عن تحمل الدولة جزءاً من ارتفاع أسعار الطاقة عبر رفع نسبة الدعم للمواطنين.

ويقول أوزون في تصريح لـ"العربي الجديد" إن زيادة الفقر وتفشي البطالة، أخطر على الدولة، حتى من العجوزات المالية والاستدانة، لافتا إلى ضرورة خفض الضرائب لدعم المنتجين والمزارعين، لأن المحافظة على استمرار عجلة الإنتاج مهمة جداً خلال الفترة الراهنة والمقبلة.

ولا يرى الاقتصادي التركي "مخاطر محدقة" على اقتصاد بلاده، بالمقارنة مع ما يجري حتى في الدول الأوروبية، لأن تركيا برأيه تنتج غذاءها وتصنع معظم احتياجاتها، بل وستزيد صادراتها هذا العام عن 250 مليار دولار.

المساهمون