التضخم يلاحق المصريين: صدمات الغلاء قبيل رمضان

12 فبراير 2025
بائع خبز في القاهرة، 3 يوليو 2024 (جون وريفورد/ Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- شهدت مصر تراجعًا طفيفًا في معدل التضخم السنوي إلى 24% في يناير 2024، بينما ارتفع التضخم الشهري إلى 1.5% بسبب زيادة أسعار السلع الغذائية، مع تزايد المخاوف من ارتفاع الأسعار خلال شهر رمضان.
- تتعاون الحكومة مع وزارات لتنظيم "أسواق اليوم الواحد" وتقديم السلع بأسعار مخفضة، بالإضافة إلى تجهيز معارض "أهلا رمضان" لتوفير السلع الأساسية بأسعار مناسبة، بهدف تخفيف الأعباء عن الأسر المصرية.
- يواجه الاقتصاد المصري تحديات بسبب الاعتماد على الاستيراد وارتفاع الطلب على الدولار، مع تحذيرات من تأثيرات التضخم العالمي والحاجة لإعادة هيكلة السياسة النقدية لتعزيز النمو الاقتصادي.

كشف جهاز الإحصاء الحكومي في مصر عن تراجع طفيف في منحنى صعود التضخم خلال شهر يناير/ كانون الثاني الماضي بمعدل 0.1% فقط، ليصل إلى 24% بدلًا من 24.1% المسجلة في ديسمبر/ كانون الأول 2024.

وأظهر تقرير مؤشر أسعار سلة الغذاء والخدمات الأساسية ارتفاع معدل التضخم على أساس شهري من 0.2% إلى 1.5%، وهو ما يعكس تحركًا صاعدًا في أسعار السلع، خاصة الغذائية، في اتجاه معاكس لتوجهات الحكومة الساعية إلى كبح موجات الغلاء المهيمنة على الأسواق، بهدف إزالة الضغوط الهائلة عن أرباب الأسر، خاصة قبيل بدء شهر رمضان.

ورغم طمأنة المستهلكين بتوافر السلع الأساسية بمخازن الدولة لمدة تكفي المواطنين ستة أشهر، تبدي الحكومة قلقًا تجاه الزيادة المستمرة في أسعار السلع مع حلول شهر رمضان، خاصة الغذائية، التي تشهد زيادة في الإقبال بنحو 50% عن المعدلات الطبيعية، ما يدفع عادة إلى ارتفاعات هائلة في الأسعار.

وتتكاتف عدة وزارات لتنظيم ما يُعرف بـ"أسواق اليوم الواحد" في المناطق الشعبية وكثيفة السكان، وطرح المزيد من اللحوم والأرز والدقيق والخضروات في معارض مملوكة لوزارات التموين والداخلية والدفاع، بأسعار أقل من المعروضة في المحلات الخاصة، بنسب تصل إلى 30% وفقًا لتصريحات رسمية.

قال محمد سعده، سكرتير عام اتحاد الغرف التجارية، لـ"العربي الجديد"، إن معارض "أهلا رمضان" يتم تجهيزها في المدن الكبرى بالتنسيق مع الحكومة وكبار الموزعين والتجار، لتوفير اللحوم والدواجن والأسماك والأرز والمكرونة والدقيق والزيوت والسكر، إلى جانب المكسرات "ياميش رمضان"، مؤكدًا أنها ستكون بجودة عالية وأسعار مناسبة للأسر المصرية.

تأثيرات التضخم في مصر

وأشار عمر سلامة، عضو الغرفة التجارية بالجيزة، إلى حرص الموزعين على المشاركة في معارض السلع وتقديم تخفيضات للجمهور، لدفع الناس إلى الشراء، أملًا في الخروج من حالة الركود السائدة في الأسواق منذ عامين، والتي جعلت التجار يخشون التوسع في التخزين ومنح الائتمان لصغار الموزعين في المحلات، وأكد لـ"العربي الجديد"، أن التجار اتفقوا على خفض هامش الربح مقابل استعادة حركة البيع والشراء والخروج من الأزمة الخانقة التي تلاحق أصحاب المصانع والتجار والمستهلكين في الوقت نفسه.

وفي السياق، أكد الخبير الاقتصادي وائل النحاس أن بقاء معدلات التضخم عند مستوياتها المرتفعة هو نتيجة طبيعية لاعتماد مصر على استيراد معظم احتياجاتها الأساسية، وارتباط عمليات التوريد بالطلب على الدولار، الذي تتراجع إيراداته من المصادر المحدودة التي تمتلكها الدولة، مثل تحويلات المصريين بالخارج ورسوم العبور بقناة السويس والصادرات غير النفطية، كما أشار إلى تصاعد العجز المزمن بين الصادرات والواردات بما يفوق 40 مليار دولار سنويًا، نتيجة إهدار الحكومة موارد الدولة من الدولار والإفراط في الاقتراض لتمويل مشروعات غير ربحية تستهلك أغلب موارد البلاد من العملة الصعبة.

وفي تصريح لـ"العربي الجديد"، حذر النحاس من صعود موجات التضخم في أسعار الواردات والسلع عالميًا خلال الفترة المقبلة، متأثرة بحالة الاضطراب وحرب التعرفة الجمركية التي أشعلها الرئيس الأميركي دونالد ترامب بين الدول، وهو ما يبقي الأسواق المحلية رهينة التوتر الذي تشهده سلاسل الإمداد والتعرفة الجمركية، بالإضافة إلى تأثير تلك الحرب على أسعار الصادرات وكلفة مستلزمات الإنتاج، وزيادة ضغوط الدولار على الجنيه.

كما تدفع موجات التضخم في أسعار السلع شركات القطاع غير النفطي والمستثمرين إلى العودة لمنطقة الركود، التي تجاوزتها المؤسسات الصناعية لأول مرة منذ خمس سنوات، وسط حالة من التشاؤم بشأن المستقبل، بسبب استمرار حالة الركود في الطلب على المنتجات والسلع بالأسواق، ما يدفع المصانع إلى تخفيض عمليات الإنتاج وتحمل جزء كبير من الزيادة في كلفة المنتجات على حساب هامش الربح، مع المخاطرة بعدم القدرة على تحمل أعباء التضخم المرتفع.

يؤكد مستثمرون أن بقاء معدلات التضخم عند مستوياتها المرتفعة قد يحد من توجه البنك المركزي إلى خفض أسعار الفائدة الأساسية، المسجلة منذ مارس/ آذار 2024 عند 27.25%، بنحو 200 نقطة قبل نهاية العام الجاري، وهو الإجراء الذي يُعلَّق عليه الأمل في توفير السيولة لرجال الأعمال، بما يدفع عجلة الإنتاج والطلب على التوظيف.

على صعيد متصل، يخطط البنك المركزي لخفض معدلات الفائدة إلى أقل من 16% بنهاية 2025، متخليًا عن السياسات النقدية المشددة لكبح التضخم عبر زيادة الفائدة، التي أدت إلى فقدان الجنيه نحو 45% من قيمته أمام الدولار والعملات الرئيسية منذ مارس 2024، بالتوازي مع التزام الحكومة برفع أسعار المحروقات والكهرباء والخدمات العامة لتخفيف الضغط على الموازنة العامة للدولة.

ويشدد الخبراء على ضرورة إعادة هيكلة السياسة النقدية، وتقليل الاعتماد المفرط على سعر الفائدة كأداة رئيسية لمعالجة التضخم، مع تعزيز مرونة الفائدة لجذب المدخرات نحو الاستثمار الإنتاجي بدلًا من الذهب والعقارات.

المساهمون