التضخم يأكل زيادة الأجور بتركيا وينذر برفع الأسعار وتراجع الليرة

التضخم يأكل زيادة الأجور بتركيا وينذر برفع الأسعار وتراجع الليرة

05 يوليو 2022
ارتفاع أسعار متواصل في الأسواق (Getty)
+ الخط -

تباينت الآراء حول تأثيرات الزيادة على الحد الأدنى للأجور في تركيا على حياة المواطنين، بعد إعلان الرئيس رجب طيب أردوغان عن زيادة نسبتها 30% ليرتفع الحد الأدنى من 4250 إلى 5500 ليرة تركية، أو ما يوازي 328 دولاراً.

ففي حين رأى محللون أن النسبة مرتفعة جداً كونها ليست سنوية كما جرت العادة، وإنما نصف سنوية، اعتبر المواطنون أنها قليلة بسبب هبوط الليرة. فقد كان الحد الأدنى للأجر عام 2021 نحو 381 دولاراً، في حين لا يزيد اليوم عن 328 دولاراً، وذلك وسط دولرة الاقتصاد التركي وارتفاع الأسعار.

وقالت السيدة عائشة بوستان (64 عاماً) إنها لم تشهد هكذا غلاء طيلة حياتها، فبعض الأسعار زادت بنسبة 200% كاللحوم والخبز، في حين أن متوسط زيادة الأسعار برأيها أكثر من 130% وليست كما تعلنها المؤسسات الرسمية التركية.

وكان معهد الإحصاءات التركي، قد أشار أمس إلى أن معدل التضخم السنوي في تركيا قفز إلى أعلى مستوى في 24 عاما عند 78.62 بالمائة في يونيو/ حزيران، مدفوعا بتأثير الحرب الأوكرانية وارتفاع أسعار السلع وتراجع قيمة الليرة، مشيراً إلى أن أسعار المستهلكين ارتفعت 4.95 بالمائة ومؤشر أسعار المنتجين 6.77 بالمائة على أساس شهري، ليتصدر قطاع النقل أكبر الزيادات السنوية بنسبة 123.37%.

وأضافت بوستان لـ"العربي الجديد" أنه بعد ارتفاع أسعار الخبز وجميع منتجات القمح والسكر، تم رفع أسعار الزيوت والشاي، مع استمرار صعود أسعار المحروقات سيزيد الغلاء أكثر في المرحلة المقبلة. وأشارت إلى تراجع سعر الخضر والفواكه أكثر من 40%.

تزايد الفقر

وأشار مركز أبحاث المعادن المتحدة (BİSAM) في آخر تقرير له إلى أن عتبة الفقر وصلت إلى 14978 ليرة، أي أكثر من 2.5 من الحد الأدنى للأجور المعمول به حالياً. وفي حين توقع خبراء زيادة نسبة الفقر عن 13% بتركيا، كشف البنك الدولي، سابقاً عن ارتفاع معدل الفقر في تركيا للعام الثاني على التوالي، ليصل العام الماضي إلى 12.2 في المائة، بعد أن كان 10.2 في المائة في عام 2020.

ورأى المحلل التركي، هشام جوناي أن نسبة رفع الحد الأدنى للأجور، كانت أقل من المتوقع "ولكن قد تأتي زيادة ثانية نهاية العام تحسن الوضع قليلاً". ولفت إلى أن الحد الأدنى لا يغطي نسبة التضخم منذ زيادة مطلع العام.

وكان أردوغان قد أعلن بنفسه، مطلع عام 2022، رفع الحد الأدنى لأجور العاملين بنسبة أكثر من 50% لعام 2022 موضحاً وقتذاك، حرص تركيا على تحسين مستوى معيشة المواطنين بواقع ارتفاع الأسعار، ملمحاً إلى إلغاء بعض الضرائب.

وبعد الزيادة الأخيرة  بنسبة 30%، أصبح إجمالي ارتفاع الحد الادنى بنسبة 80% فيما نقلت وسائل إعلامية عن مجموعة بحثية مؤلفة من خبراء اقتصاد اتراك مستقلين أن التضخم بلغ في الواقع 175.5% أي اكثر بمرتين من المعدل الرسمي المعلن.

وأشار جوناي بحديث لـ"العربي الجديد" إلى أن 40% من العمال في تركيا يتقاضون الحد الأدنى للأجور، في حين أن البقية أجورهم أعلى "بكثير" من الحد الأدنى. ولكن، استدرك المحلل التركي، أنه رغم ذلك لا تصل معظم الأجور إلى مستوى الإنفاق الشهري، الأمر الذي بدل نسب الفقر وغيّر الأنماط الاستهلاكية، وهذه برأيه حالة عامة تلف العالم بأسره، بواقع غلاء النفط والغاز وإعاقة الصادرات بعد الحرب الروسية على أوكرانيا والتي تضرر منها اقتصاد بلاده "بشكل كبير".

تأثيرات دولية

وتعاني تركيا من ارتفاع فاتورة الطاقة بسبب استيرادها أكثر من 95% من استهلاكها للغاز والنفط، بقيمة تزيد عن 50 مليار دولار سنوياً، الأمر الذي يأكل قيمة ارتفاع الصادرات التي تعول تركيا هذا العام على بلوغها 300 مليار دولار.

وقال المحلل التركي، باكير أتاكجان إن اقتصاد بلاده ومعيشة المواطنين "أفضل من دول كبرى"، معتبراً أن الدور الاجتماعي الذي تتكفل به الدولة، له الأثر الأهم بتخفيف الأعباء، سواء عبر تخفيض الضرائب أو تحمل جزء من فاتورة أسعار النفط، مشيراً إلى أن بلاده تستورد 360 مليون برميل سنوياً وسعر البرميل ارتفع إلى أكثر من 103 دولارات.

وحول نسبة رفع الحد الأدنى للأجور، أضاف أتاكجان لـ"العربي الجديد" أنها جاءت "مرتفعة جداً" إن نظرنا إليها على أنها نصف سنوية واستثنائية، متوقعاً رفعاً إضافياً نهاية العام بأكثر من 30%، إن استمر التضخم والأزمات الدولية.

وأضاف المحلل التركي أنه من غير الاقتصادي والمنطقي رفع الحد الأدنى بنسبة كبيرة، لأن لذلك مفاعيل سلبية على أسعار المنتجات التي سيزيدها التجار، وعلى سعر صرف العملة التركية التي ستتأثر بالمعروض النقدي الكبير الذي سيضخ بالأسواق، وبلاده تحاول امتصاص التضخم النقدي بطرائق كثيرة، ولم تلجأ كما دول أخرى، إلى رفع سعر الفائدة.

واعتبر أن الفقر زاد بجميع دول العالم نتيجة التضخم الذي لم تشهده الدول منذ عقود، وهذا طاول تركيا ولا شك، ولكن بنسب أقل حتى من الدول الكبرى وذلك بسبب سياسة الدولة وزيادة المساعدات وتخفيض الضرائب وتشديد الرقابة على المحتكرين وربما بسبب المزيد من التدخل المباشر بالأسواق.

ويأتي تراجع سعر صرف الليرة التركية، إلى أكثر من 17 ليرة مقابل الدولار، بعد تحسنها الأسبوع الماضي، كعامل رئيس بانتشار الدولرة وتراجع مستوى المعيشية، كما يقول مراقبون.

فالليرة التركية كانت العام الماضي بنحو 7.4 ليرات مقابل الدولار وقت كان الحد الأدنى للأجور نحو 2550 ليرة، وأقفلت عند 13.5، مسجلة خسائر بنحو 44% من قيمتها خلال عام 2021. وتابعت الهبوط خلال النصف الأول من العام الجاري، لتتراوح بين 16.5 و17.5 ليرة للدولار ورفع البنك المركزي التركي، توقعاته ببلوغ سعر صرف الدولار 18.89 ليرة نهاية العام الجاري، مستنداً إلى دراسة عن سوق الصرف قدمها للمصرف باحثون ومصرفيون أتراك، بعد رصدهم تقلبات أسعار سوق الصرف خلال شهر يونيو/حزيران الماضي.

المساهمون