استمع إلى الملخص
- تركيا سارعت لملء الفراغ في السوق السورية، مركزة على القطاع الإسعافي وتوفير السلع الضرورية، مع تعزيز التعاون الجمركي والتجاري، مما يسهم في إعادة الإعمار.
- دخول تركيا للسوق السورية قد يؤثر على الصناعة المحلية، لكن تركيا تؤكد دعمها لإعادة تشغيل المنشآت السورية وتحسين البنية التحتية لتحقيق توازن اقتصادي مستدام.
تبدّلت خريطة التجارة والشركاء في سورية، منذ سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد في 8 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، فغابت سلع ومنتجات دول، وفي مقدمتها إيران وروسيا، وتراجع معروض السلع الصينية، لتحل بدائل جديدة تشير إلى تحالفات الحكم الجديد، في مقدمتها المنتجات التركية وحضور متزايد للسلع العربية التي بدأت تتدفق، من دول الخليج، عبر معبر "نصيب" مع الأردن، كما تُفيد مصادر من محافظة درعا الحدودية لـ"العربي الجديد".
لكن الآمال، وربما الحصة الكبرى، ستكون للمنتج التركي وحتى الحضور الإنتاجي والاستثماري، كما يقول رجل الأعمال السوري محمد طيب العلو، مضيفاً، خلال اتصال مع "العربي الجديد"، أن لقرب المسافة والحدود المشتركة دوراً مهماً في زيادة دخول السلع التركية، أو حتى الأوروبية عبر تركيا، كما أن وقوف تركيا إلى جانب الإدارة الجديدة قد يعزّز من الحضور التركي، كاشفاً عن تبدل خريطة التجارة في الأسواق وسط هبوط الأسعار، وكل ذلك يصبّ في صالح المستهلك "المنهك" الذي بدأ يرى الفارق بكمية الإنتاج ونوعيتها وسعرها، لأن الصين وروسيا و"إيران تحديداً" كانت تصدّر إلى سورية سلعاً بمواصفات متدنّية، مستغلةً الحصار الدولي وحاجة الأسواق، لكن المنتج التركي اليوم منافس بسعره وجودته عالية.
وقد التقطت تركيا اللحظة، كما يرى مراقبون، وسارعت إلى ملء الفراغ ومدّ اليد إلى سورية المدمّرة بالقطاعات كافة، لتركز على القطاع الإسعافي، ورفد الأسواق بالإنتاج وما يحتاج إليه السوريون. ويقول وزير التجارة التركي عمر بولاط إنّ "بين البلدين حالياً ثماني بوابات ومديريات جمركية ضمن حدودنا، منها ثلاث بوّابات عاملة، واحدة منها في ولاية هطاي وجيلفاغو التي كانت أهم بوابة لتركيا إلى سورية والشرق الأوسط، ولكن نريد العمل بشكل وثيق مع الإدارة السورية الجديدة لجعل العبور من تركيا إلى سورية، وهذا الطريق الدولي المهم المؤدي إلى الشرق الأوسط، فعّالاً بشكل أكبر".
وحول التجارة بين البلدين، يشير الوزير إلى أنه من أهم القضايا وأكثرها أولوية "ستكون التجارة مع سورية والنظام الجمركي والنظام التجاري الجديد والاستثمارات وخدمات المقاولات وإعادة الإعمار على رأس جدول أعمالنا"، وأن المعابر التركية "جيلوه غوزو" و"غصن الزيتون" و"يايلاداغي" ستغدو شبكة مواصلات مهمة بين البلدين، لتمتدّ عبر جبل التركمان في ريف اللاذقية إلى مدينتي اللاذقية وطرطوس.
تعزيز التجارة والاقتصاد
ويرى رجل الأعمال السوري المقيم بتركيا محروس شوكت أن تركيا هي "صين الشرق الأوسط"، وقلّما تستطيع دول المنطقة أو حتى الصين منافستها داخل سورية، نظراً لصفرية الرسوم الجمركية وقلّة تكاليف النقل، ما يُبقي المنتج التركي، المنافس بجودته، الأقل سعراً، خاصة المنتج الغذائي والمواد الاستهلاكية.
ويشير رجل الأعمال شوكت لـ"العربي الجديد" إلى أنه أدخل، ولم يزل، احتياجات السوق السورية من عدد صناعية ومحوّلات، سواء من تركيا أو عبرها، من دول أوروبية وشرق آسيوية، لكن الأهم برأيه، دور تركيا خلال فترة إعادة الإعمار، لما تمتلك من خبرات ولديها شركات وتخصصات "آلات طحن مخلفات التهديم"، متوقعاً أن الحديد والأسمنت التركيين سيكونان الأكثر حضوراً خلال الفترة المقبلة، إلى جانب سيارات الإسعاف والإطفاء، مبرراً أن لقرب المسافة وسرعة إيصال الواردات الدور الأهم "تصل البضاعة من تركيا خلال يومين، في حين تستغرق ثلاثة أشهر لتصل من الصين".
يكشف شوكت أن بعض الشركات التركية بدأت بالتحضير لنقل فروع لها أو فتح شركات جديدة بسورية، نظراً للضرائب المنخفضة وتوفر اليد العاملة الماهرة والرخيصة، في حين استُبعدت إيران بالمطلق "برأيه"، لكن روسيا وبيلاروسيا، شركاء الأسد، قد يعودان بقطاعات لا تستطيع تركيا المنافسة فيها، مثل الزيوت المعدنية والصناعات النفطية والمحركات الصناعية.
ولكن، يرى اقتصاديون سوريون أن دخول تركيا إلى السوق السورية قد يؤثّر على بنية الإنتاج والصناعة، ويقول نائب رئيس غرفة صناعة وتجارة اللاذقية السابق فاروق جود إنه لا بد من متغيّرات عديدة ستشهدها الأسواق والاقتصاد السوري، ومن خلال التجارب السابقة ما قبل عام 2011 عندما كانت العلاقات السياسية طيبة وكانت هناك جوانب اقتصادية إيجابية، ولكن في الجانب الصناعي كانت سلبية جداً على الصناعات الناشئة في سورية، والانفتاح المطلق في حرية التبادل كان لصالح الجانب التركي.
ويضيف جود، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، أن السبب بسيط، وذلك لأن بنية الصناعة التركية أقوى بكثير من الصناعة السورية إضافة إلى عوائق الرسوم الجمركية في سورية وغياب قوانين تشجيع الصادرات، ما يُقلّل من فرص المنافسة العادلة. ويعلّق رجل الأعمال والاقتصادي التركي مسلم أويصال أن بلاده "لا يمكن أن تستغل الوضع الناشئ بسورية" بل على العكس تماماً، لأن التوجيهات هي الأخذ بيد سورية وليس إغراقها بالمنتج التركي أو المساهمة في قتل بنيتها الصناعية.
ويضيف أويصال لـ"العربي الجديد" أن هدف بلاده إعادة تدوير عجلة الإنتاج للمنشآت السورية "ودعمها بذلك" وإعادة تشغيل المرافق والمواقع الإنتاجية والخدمية، سواء حقول النفط والغاز، وقطاع الكهرباء، وتأهيل البنى التحتية وغيرها، أو سد أي فراغ أو نقص بالواقع الاقتصادي.