البنوك الخليجية... صمود استثنائي أمام عاصفة الحرب التجارية

10 مايو 2025
العاصمة القطرية الدوحة، 26 أبريل 2017 (فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- أظهرت البنوك الخليجية قدرة على الصمود أمام التحديات الاقتصادية العالمية بفضل محافظها الاستثمارية المتوازنة، التي تحتوي على سندات وصكوك عالية الجودة، مما يقلل من مخاطر الخسائر الكبيرة.

- تعتمد البنوك على موازنات قوية، نسبة رساميل عالية، ومستويات سيولة كبيرة، وتخضع لأنظمة رقابية صارمة، مما يعزز استقرارها ويقلل من المخاطر المحتملة، مع تنوع في المحافظ الاستثمارية يقلل الاعتماد على النفط.

- رغم تأثير السياسات الاقتصادية العالمية، يظل تأثيرها محدودًا بفضل العلاقات الوثيقة مع الولايات المتحدة والدعم الحكومي، مما يعزز مرونة البنوك وقدرتها على مواجهة التحديات المستقبلية.

يسلط إظهار البنوك الخليجية قدرة ملحوظة على الصمود رغم مناخ الحرب التجارية العالمية التي تشهد تصاعدا، الضوء على العوامل الداعمة لاستقرار وضعها المالي، في ظل تأثير الرسوم الجمركية الأميركية التي فرضها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، على الأسواق العالمية وتقلبات أسعار النفط. ويعزو تقدير نشرته وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني ذلك إلى امتلاك البنوك الخليجية محافظ استثمارية متوازنة تتضمن نسبة كبيرة من السندات عالية الجودة والصكوك، مما يقلل من مخاطر الخسائر الكبيرة حتى في ظل تقلبات السوق العالمية.

ويعزو تقدير نشرته وكالة "ستاندرد آند بورز" الظاهرة ذاتها إلى تمتع البنوك الخليجية برؤوس أموال قوية واحتياطيات كافية، إضافة إلى جودة أصول مستقرة، وهو ما يجعلها قادرة على مواجهة أي زيادة محتملة في القروض المتعثرة التي قد تنجم عن تراجع أسعار النفط أو تباطؤ النمو الاقتصادي.

وفي هذا الإطار، يشير الخبير الاقتصادي والمستشار المالي، علي أحمد درويش، لـ"العربي الجديد"، إلى أن استقرار البنوك الخليجية يعود إلى مجموعة من الأسباب الاقتصادية، منها تمتعها بموازنات قوية تضمن لها مقاومة المخاطر المالية، إذ تعتمد على نسبة رساميل عالية ومستويات سيولة كبيرة، ما يعزز قدرتها على امتصاص الصدمات الناتجة عن التقلبات الاقتصادية.

وإضافة إلى ذلك، تخضع هذه البنوك لأنظمة رقابية صارمة تفرضها الحكومات الخليجية، حيث تعمل لجان متخصصة على متابعة أدائها بشكل دقيق، بحسب درويش، مشيرا إلى أن أهمية هذه الرقابة تتجلى في تقليص حجم المخاطر المحتملة، خاصة مع الدعم المستمر الذي توفره الدول الخليجية لهذه البنوك على عدة مستويات، سواء كان ذلك من خلال زيادة رساميلها أو المساهمة المباشرة في إنشاء بنوك عامة تدار تحت إدارة الدولة.

وفي السياق، يشير الخبير الاقتصادي، حسام عايش، لـ "العربي الجديد"، إلى أن البنوك الخليجية تتأثر، شأنها شأن نظيراتها العالمية، بالسياسات الاقتصادية المرتبطة بالحرب التجارية التي أطلقها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ومع ذلك فإن هذا التأثير لن يكون كبيرا إذا ما قورن بتأثير تلك السياسات على اقتصادات ومناطق أخرى، وهو ما يعزوه إلى أن حجم التبادل التجاري بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي أقل بكثير مما هو عليه مع شركاء تجاريين كبار مثل الصين أو الاتحاد الأوروبي.

بدوره، يؤكد درويش أن التنوع في محافظ البنوك الاستثمارية ساهم بشكل كبير في تعزيز استقرارها، فعلى الرغم من أن دول الخليج تعتمد بشكل أساسي على إيرادات النفط، إلا أن هذه الإيرادات لم تنخفض بشكل كامل حتى مع تراجع أسعار الصرف.

كما أن هناك موارد أخرى غير نفطية مباشرة تسهم في دعم الاقتصاد الخليجي، وبالتالي تدعم البنوك أيضا، وهذا التنوع يخفف من اعتماد البنوك على مصدر وحيد للدخل، ما يجعلها أكثر مرونة في مواجهة التحديات، بحسب درويش.

وإضافة لذلك، يلفت درويش إلى أن البنوك الخليجية لم تتوسع بشكل كبير في الأسواق الخارجية مثل الصين والولايات المتحدة، بل ركزت على العمل داخل منطقة الخليج والشرق الأوسط، وهذا التركيز الإقليمي يحد من تعرضها للمخاطر التنافسية التي تواجهها البنوك الأميركية أو الصينية، ويمنحها ميزة إضافية.

كما أن العلاقات الوثيقة بين دول الخليج والولايات المتحدة تلعب دورا محوريا في ضمان توفير بيئة آمنة لعمل البنوك بعيدا عن التأثيرات السلبية للصراعات الدولية، بحسب درويش، الذي يخلص إلى أن العوامل سالفة الذكر مجتمعة تجعل البنوك الخليجية أكثر قدرة على التعامل مع التحديات الاقتصادية العالمية مقارنة بالبنوك في مناطق أخرى، وهو ما يفسر حالة الاطمئنان التي تشهدها.

وإضافة إلى ذلك، يلفت عايش إلى أن الرسوم الجمركية المفروضة على صادرات دول الخليج، حتى عند مستوياتها القصوى بنسبة 25% على الألومنيوم، لن تؤثر بشكل جذري بسبب ضآلة حجم الصادرات الخليجية إلى الولايات المتحدة مقارنة بغيرها من الدول، لافتا إلى أن البنوك الخليجية استطاعت مراكمة احتياطيات مالية كبيرة وتحسين أدائها المالي عبر تعزيز أرباحها وإجمالي أصولها.

وهذه العوامل تعزز قدرة البنوك الخليجية على مقاومة أي تأثيرات سلبية قد تنجم عن السياسات الاقتصادية الخارجية، حسب تقدير عايش، مشيرا إلى أن البيئة الاقتصادية المحلية في دول الخليج توفر دعما إضافيا لهذه البنوك، حيث تعتمد بشكل كبير على الإنفاق الحكومي الذي يُعتبر المحرك الأساسي للنشاط المصرفي في المنطقة. ومع ذلك، فإن هذا الإنفاق مرتبط بشكل مباشر بعائدات النفط، ما يجعله عرضة للتقلبات الناجمة عن الحرب التجارية وأثرها على الطلب العالمي على النفط، وهنا تتجلى الإشكالية الكبرى، حسب توصيف عايش، وهي تراجع أسعار النفط وانخفاض الطلب عليه نتيجة تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي.

فمع تخفيض صندوق النقد الدولي لتوقعاته بشأن النمو الاقتصادي لدول رئيسية مثل الصين والولايات المتحدة، يتوقع أن تتراجع أسعار النفط إلى نطاق يتراوح بين 60 و65 دولارًا للبرميل، وهو مستوى أقل من أسعار التعادل المطلوبة في موازنات الدول الخليجية، ما سيؤدي إلى عجز في الموازنات الحكومية وقد يدفع هذه الدول إلى اللجوء إلى القروض أو تقليص الإنفاق على المشاريع التنموية.

ورغم هذه التحديات، يرى عايش أن البنوك الخليجية أكدت قدرتها على مواجهة المخاطر بفضل الاحتياطيات المالية الكبيرة التي تمتلكها، وكذلك الدعم الحكومي القوي. فالحكومات الخليجية، التي تدير صناديق سيادية ضخمة، توفر بيئة آمنة ومستقرة لأداء القطاع المصرفي، كما أن البنوك نفسها أصبحت أكثر تحفظا واستعدادا بعد تعلمها دروسا مهمة من أزمات سابقة، مثل انهيار أسعار النفط في عام 2014 أو التداعيات الاقتصادية لجائحة كورونا، حسبما يرى عايش، مشيرا إلى أن هذه العوامل مجتمعة تعزز مرونة البنوك الخليجية وقدرتها على التعامل مع التحديات المستقبلية. ويخلص عايش إلى أن البنوك الخليجية، رغم تأثرها المحتمل بالرسوم الجمركية والحرب التجارية، تتمتع بإمكانات مالية وتنظيمية تجعلها قادرة على استيعاب المخاطر وتقليل تأثيرها، وبالتالي يمكن ترجيح محدودية التداعيات عليها.

المساهمون