البنك المركزي الأوروبي يواصل دفع مشروع "اليورو الرقمي" إلى الأمام
استمع إلى الملخص
- تسارع الاتحاد الأوروبي في تطوير المشروع بعد تنظيم الكونغرس الأميركي لسوق العملات المشفرة، بهدف تقليل الاعتماد على مزودي خدمات الدفع الأميركيين، رغم التحديات المتعلقة بالرقابة المالية.
- يتميز "اليورو الرقمي" بارتباطه بسعر صرف اليورو 1:1، مما يعزز الحماية من التقلبات الجيوسياسية والضغوط الاقتصادية، ويعزز السيادة المالية الأوروبية.
يواصل البنك المركزي الأوروبي العمل على مشروع "اليورو الرقمي"، بعد 5 سنوات على إطلاقه، والذي يُعد من أكثر المبادرات النقدية طموحاً في تاريخ الاتحاد الأوروبي الحديث. ورغم أن وسائل الدفع الرقمية مثل بطاقات الائتمان وApple Pay متاحة في العديد من دول أوروبا، إلا أن المشروع لا يزال في طور التطوير، ويهدف إلى إنتاج نسخة رقمية من اليورو تحظى بثقة كاملة من المواطنين، تماماً كما هو الحال مع النقد الورقي. وقد جدد البنك المركزي الأوروبي دعوته لإطلاق عملة رقمية مدعومة من المصرف، على شكل محفظة إلكترونية مضمونة، وذلك خلال جلسة أمام المشرعين في البرلمان الأوروبي اليوم الخميس.
وعرض عضو مجلس إدارة البنك، بييرو سيبولوني، الفكرة باعتبارها وسيلة دفع احتياطية يمكن اللجوء إليها في حال تعرض بنوك منطقة اليورو لهجمات إلكترونية، وفق وكالة "رويترز". وقال سيبولوني، إنه يمكن استخدام العملة الرقمية في حال استغلت إدارة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" هيمنتها على أنظمة بطاقات الائتمان والعملات المستقرة كأداة ضغط مالي. وأوضح عضو المصرف المركزي، أن اليورو الرقمي سيضمن تمكين جميع الأوروبيين من الدفع في أي وقت عبر وسيلة رقمية مجانية ومقبولة على نطاق واسع، حتى في حالات الاضطرابات الكبرى. وشدد سيبولوني على أن النقد التقليدي سيظل متاحًا، وأن معايير اليورو الرقمي المفتوحة ستتيح للقطاع الخاص تطوير خدمات مالية أكثر تقدمًا.
ما هو اليورو الرقمي؟
اليورو الرقمي هو عملة رقمية رسمية يصدرها البنك المركزي الأوروبي، بخلاف العملات المشفرة مثل "بيتكوين" أو "إيثريوم" التي تُدار من قبل كيانات خاصة من دون أي جهة ضامنة مركزية. يهدف المشروع إلى توفير وسيلة دفع رقمية آمنة ومدعومة من الدولة، تتيح للمستخدمين إجراء المعاملات بسهولة سواء عبر الإنترنت أو في المتاجر، من دون الحاجة إلى الاعتماد على البنوك التجارية أو شركات التكنولوجيا الأميركية العملاقة.
دوافع التسريع الأوروبي
أدى إقرار الكونغرس الأميركي مؤخراً قانوناً جديداً ينظم سوق العملات المشفرة إلى تسريع التحرك الأوروبي بشأن "اليورو الرقمي"، في ظل مخاوف أوروبية من تزايد الهيمنة الأميركية على قطاع المدفوعات الرقمية داخل القارة. وفي هذا السياق، يأمل وزراء مالية الاتحاد الأوروبي أن يُعتمد الإطار القانوني للمشروع خلال الرئاسة الدنماركية المقبلة للاتحاد، في خطوة تهدف إلى تعزيز الاستقلال الرقمي الأوروبي. وقال لويس دي غيندوس، نائب رئيس البنك المركزي الأوروبي، لوسائل الإعلام الأوروبية، إنه من الضروري اعتماد التشريع في الوقت المناسب لتقليل اعتماد أوروبا على مزوّدي خدمات الدفع الأميركيين.
واقع الاعتماد الأوروبي على الخارج
على الرغم من أن 20 دولة، من أصل 27 دولة أعضاء في الاتحاد الأوروبي، تستخدم اليورو عملةً رسميةً، فإن 13 دولة من هذه الدول لا تمتلك أنظمة دفع وطنية مستقلة، وتعتمد بدلاً من ذلك على شركات أميركية مثل Visa وMasterCard في معظم المعاملات الرقمية. هذا الواقع دفع البنك المركزي الأوروبي إلى التشديد على أهمية "اليورو الرقمي" وسيلةً لتحقيق الاكتفاء الرقمي والسيادة النقدية، وتقليل الاعتماد على أنظمة خارجية قد تتأثر بعوامل سياسية أو اقتصادية خارجة عن السيطرة الأوروبية.
المخاوف من المراقبة والقيود
لم يخلُ المشروع من الجدل، إذ أبدت عدة دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي مخاوف من أن يتحول اليورو الرقمي إلى أداة رقابة مالية على المواطنين. ومن أبرز التساؤلات المطروحة: هل يمكن للاتحاد الأوروبي أن يفرض قيوداً على إنفاق اليورو الرقمي خارج القارة؟ هل يمكن استخدامه لمنع مشتريات معينة في الدول التي تخوض أوروبا معها نزاعات تجارية أو سياسية؟ هل ستكون هناك حدود للسحب أو التحويل؟
ورغم هذه الهواجس، شدد البنك المركزي الأوروبي على أن الهدف هو تعزيز الشفافية والأمان من دون المساس بالحريات الشخصية أو الخصوصية المالية للمستخدمين.
خصائص اليورو الرقمي
وفقاً للبنك المركزي الأوروبي، فإن اليورو الرقمي سيكون عملة مستقرة قيمته مرتبطة مباشرة بسعر صرف اليورو 1:1، بخلاف العملات المشفرة المتقلبة، كما أنه سيكون وسيلة دفع جديدة ومستقلة لا تمر عبر البنوك التجارية أو الشركات الأجنبية. وأخيراً، سيكون "اليورو الرقمي" آمناً ومجاني الاستخدام حيث يمكن استخدامه حتى من دون اتصال دائم بالإنترنت، ما يتيح توسيع نطاق الشمول المالي.
أبعاد سياسية واقتصادية
بحسب تحليل صادر عن البنك الوطني الدنماركي، فإن إدخال "اليورو الرقمي" لن يؤثر سلباً على استقرار سعر الصرف الثابت أو على النظام المالي في الدنمارك، رغم أنها لا تعتمد اليورو عملةً رسميةً، بل تبقي على عملتها الوطنية "الكرونة/الكرونر". بل يُنظر إليه باعتباره خطوة ضرورية لتعزيز الحماية من التقلبات الجيوسياسية والضغوط الاقتصادية الناتجة عن التبعية الرقمية للخارج.
وتزداد أهمية اليورو الرقمي مع استعداد بلغاريا للانضمام إلى منطقة اليورو في 1 يناير/كانون الثاني 2026، ما يجعل الحاجة ملحّة لتقديم بديل رقمي رسمي متكامل لجميع الدول الأعضاء. يمثل مشروع "اليورو الرقمي" محاولة جادة لحماية السيادة المالية الأوروبية في عصر تتزايد فيه التحديات الرقمية والاختراقات الاقتصادية العابرة للحدود. وبين تطورات العملات المشفرة وتضخم الهيمنة التكنولوجية الأميركية، يسعى الاتحاد الأوروبي إلى امتلاك أدواته السيادية للمدفوعات الرقمية.
لكن نجاح المشروع لن يعتمد فقط على التكنولوجيا، بل أيضاً على بناء ثقة المواطن الأوروبي وضمان أن "اليورو الرقمي" لن يكون مجرد وسيلة دفع، بل أداة للحرية الاقتصادية والاستقلال الأوروبي. ويبقى السؤال الأساسي: هل سيصبح اليورو الرقمي واقعاً في السنوات القليلة المقبلة، أم سيظل حلماً مؤجّلاً بفعل الانقسامات الأوروبية والمخاوف من الإفراط في الرقابة؟