استمع إلى الملخص
- دافع الرئيس الإيراني عن همتي، مشيراً إلى أن الأزمات الاقتصادية لا يمكن تحميلها لشخص واحد، وأن الحكومة لديها خطط للخروج من الأزمة باستخدام الأصول المجمدة.
- أشار الخبراء إلى أن استجواب همتي كان مدروساً بسبب سياساته، لكنهم أكدوا أن الإقالة لن تحل الأزمة، مشددين على أهمية الانضمام إلى مجموعة العمل المالي (FATF).
وافق البرلمان الإيراني اليوم الأحد، بأغلبية الأصوات على سحب الثقة من وزير الاقتصاد الإيراني عبد الناصر همتي وإقالته وذلك بعد قرابة ستة أشهر من توليه المنصب. وصوّت 182 برلمانياً إيرانياً لصالح سحب الثقة من همتي فيما رفض ذلك فقط 89 نائباً، وامتنع نائب عن التصويت وذلك من عدد المشاركين في جلسة اليوم لبحث استجواب وزير الاقتصاد الإيراني.
جاء ذلك بعد جلسة استجواب طويلة من البرلمان الإيراني للوزير همتي، بسبب تفاقم الأزمة الاقتصادية وارتفاع أسعار الصرف والسلع. وتأتي الخطوة وسط خلافات حول توقيتها بين المؤيدين والمعارضين، خصوصاً بعد مرور ستة أشهر فقط على توليه المنصب، وكذلك في ظروف اشتداد الأزمات الاقتصادية في البلد.
وخلال الشهر الأخير، رافق الاستجواب جدل وسجال بين الإصلاحيين والقوى الداعمة الحكومةَ والمحافظين، وخصوصاً المتشددين من "جبهة الصمود" الأصولية، وسط اتهامات بين الطرفين، إذ يتهم الإصلاحيون المحافظين الداعمين الاستجوابَ بوجود دوافع سياسية لديهم، فيما يتهم التيار المحافظ خصومه الإصلاحيين بالسعي لتعطيل الدور الرقابي والقانوني للبرلمان.
وقدّم النائب المحافظ حسين علي حاجي دليجاني مشروع الاستجواب في 11 يناير/كانون الثاني، وحصل لاحقاً على توقيع 75 نائباً في البرلمان الإيراني، ثمّ ارتفع العدد إلى 117 نائباً، وفقاً لوكالة فارس الإيرانية.
بزشكيان يدافع عن همتي
من جانبه، قال الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، في كلمة للدفاع عن وزير الاقتصاد وأدائه إن المشكلات الاقتصادية في البلد لا ترتبط بشخص واحد و"لا يمكن تحميله كل الذنب"، مؤكداً في رده على المستجوبين في البرلمان الإيراني اليوم الأحد قبل أن يصوت البرلمان على إقالة همتي، "أننا في حرب اقتصادية هي الأسوأ والأصعب" من الحرب الإيرانية العراقية، ومشيراً إلى أن "العدو بصدد بث الخلاف والفرقة بيننا، ولا ينبغي أن نسمح، بالخلافات والتشتت، تحقيق أهداف العدو".
وتابع بزشكيان الذي حضر جلسة الاستجواب، أنه كان على اعتقاد بالتفاوض مع الولايات المتحدة الأميركية "لكن عندما قال سماحة القائد (علي خامنئي) لا تتفاوضوا مع أميركا فلن نتفاوض معها". وأضاف بزشكيان أن "بث حالة اليأس والإحباط يضر بالشعب والمجتمع"، موضحاً: "لا أرغب في البوح بكثير من القضايا لأنها تتسبب باليأس في المجتمع، فعندما تسلمت السلطة التنفيذية كنا نواجه العجز في قطاعات الكهرباء والماء والوقود من جهة، وديون في قطاعات مختلفة أخرى مثل مستحقات المزارعين بشأن القمح وغيرهم".
وقدم بزشكيان اعتذاره إلى الشعب الإيراني بسبب الأزمات والمشكلات الاقتصادية التي يواجهها، مؤكداً أن حكومته لديها برنامجها وخطتها للخروج من هذا الوضع، ومضيفاً أن هناك 6 مليارات دولار من الأصول الإيرانية التي كانت مجمدة في كوريا الجنوبية ما زالت موجودة في قطر، حُوِّلَت للبنوك القطرية بحسب اتفاق مع الإدارة الأميركية السابقة في أغسطس/آب 2023، كذلك إن عوائد الصادرات الإيرانية موجودة أيضاً في تركيا والعراق. ولم يكشف بزشكيان عن قيمة وأرقام الأرصدة الإيرانية في البلدين.
من جهته، دافع وزير الاقتصاد الإيراني عبد الناصر همتي عن سجله وأدائه خلال كلمته في البرلمان الإيراني قبل جلسة التصويت على سحب الثقة منه أو منحها إياه مرة أخرى، قائلاً: "لا تطلبوا مني الكشف عن معلومات تسعد الأعداء"، مضيفاً في السياق أنه خلال السنوات السبع الماضية زاد عدد الفقراء الإيرانيين 10 ملايين.
وتابع همتي أنه خلال الشهور التي مرت على توليه الوزارة، تراجع التضخم من 42% إلى 32%، موضحاً أن سعر صرف الدولار (920 ألف ريال) في السوق الحر "غير واقعي"، ومؤكداً أن هذا السعر "سينخفض حتماً"، ومؤكداً أن الضغط على الموازنة والسيولة سيستمر وسعر الدولار سيزداد ما بقيت القضايا الدولية قائمة، في إشارة إلى العقوبات الأميركية. وخاطب منتقديه، قائلاً إن وزارته خلال الأشهر الخمسة الماضية قامت بالتعويض عن نحو 9 مليارات دولارات، هي عجز الموازنة.
محاور الاستجواب في البرلمان الإيراني
تركّزت المحاور الرئيسية للاستجواب على إخفاقات وزارة الاقتصاد في إدارة سوق العملات الأجنبية والذهب، وانخفاض قيمة الريال، وتوجيه السيولة نحو الإنتاج، وارتباط أسعار السلع الأساسية بسعر الصرف، وإصلاح النظام المصرفي. وقال الخبير الاقتصادي الإيراني إيرج يوسفي في حديث مع "العربي الجديد" إن "ثمة خلافات بين الرئيس الإيراني ووزير اقتصاده من جهة، وجبهة الصمود والمحافظين المتشددين من جهة أخرى".
وأشار إلى أن "الدوافع السياسية لها دور في الاستجواب"، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن "المساءلة البرلمانية لهمتي خطوة مدروسة وصحيحة بسبب سياساته في ما يتعلق بالعملات الأجنبية ورفع أسعارها". وأضاف يوسفي أن "وزير الاقتصاد سعى لتوحيد أسعار صرف الريال الإيراني أمام الدولار، حيث سبق أن طرح ذلك قبل توليه الوزارة وبعدها". وأشار إلى أن "هناك عدة أسعار للصرف، منها 285 ألف ريال مقابل الدولار، وهو مخصص لشراء السلع الأساسية والدواء، وهذا السعر مستمر ويشهد بين حين وآخر ارتفاعاً، والسعر الثاني هو (السعر النيمايي) أي السعر الذي يتحدد في سوق النيما الحكومي للعملات الأجنبية، والسعر الثالث هو السعر الحر الموازي".
وانتقد يوسفي "تجاهل المجموعة الاقتصادية في الحكومة السوقَ الحرة"، واصفاً ذلك بـ"السياسة الخاطئة، إذ تشير التقديرات إلى أن المواطنين الإيرانيين لديهم نحو 80 مليار دولار"، داعياً إلى "عدم تجاهل ذلك المبلغ الذي يحوزه المواطنون، إذ إنه يمكن أن يُنشّط سوق العملات".
وقال يوسفي إن "الحكومة رفعت سعر الصرف في سوق النيما الخريف الماضي من 400 ألف ريال إلى أكثر من 700 ألف ريال حالياً، في وقت بلغ فيه عجز الموازنة نحو 800 ألف مليار تومان (نحو تسعة مليارات دولارات بالسعر الحر).
ومضى الخبير الإيراني يوسفي، قائلاً إن "هناك طريقتين للتعويض عن هذا العجز، إما من خلال رفع القاعدة النقدية عبر طباعة النقود، وإما برفع أسعار العملة الأجنبية"، لافتاً إلى أنهم "اختاروا الطريق الثاني، أي رفع سعر الصرف في سوق النيما، الذي أدى بطبيعة الحال إلى ارتفاع السعر في السوق الموازية الذي يصل حالياً إلى أكثر من 930 ألف ريال لكل دولار".
وأكد أن "عودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، صاحب استراتيجية الضغوط القصوى على إيران، إلى السلطة لها دورها أيضاً بلا شك في تراجع سعر صرف الريال". وأضاف يوسفي أن الحكومة كان ينبغي عليها "العمل بحذر وحيطة من دون رفع أسعار الصرف، الذي أدى إلى تفاقم الوضع المعيشي وتحجيم القوة الشرائية للمواطنين والموظفين"، مشيراً إلى أن "رواتب الموظفين ظلت ثابتة رغم ارتفاع سعر صرف الدولار بنحو 50%".
وأعرب يوسفي عن تأييده لاستجواب وزير الاقتصاد في البرلمان الإيراني في ظل تردي الوضع المعيشي لأصحاب المعاشات والفقراء والموظفين والأداء الاقتصادي الضعيف للحكومة".
أزمة الاقتصاد الإيراني أكبر من الوزير
من جانبها، قالت الخبيرة الاقتصادية الإيرانية كتايون ملكي إن "استجواب وزير الاقتصاد الإيراني وإقالته في الظروف الراهنة بعد ستة أشهر من عمر الحكومة الجديدة لن يشكل حدثاً إيجابياً للاقتصاد الإيراني"، وأضافت أن الاستجواب في البرلمان الإيراني "سيزيد التوترات في أسواق العملات والذهب"، مشيرة إلى أن "الظروف الاقتصادية في البلد تستدعي تغييراً وتحولاً أساسياً، وليس تغيير شخص".
وأكدت ملكي أن "إقالة همتي في هذا التوقيت من شأنه أيضاً أن يحد من الوفاق والتعاون بين الحكومة والبرلمان". وعن آفاق الاقتصاد الإيراني، ترى الخبيرة الإيرانية أننا "إذا أردنا رسم صورة عن الاقتصاد الإيراني، فمن المؤكد أن هذه الصورة ستكون قاتمة وضبابية. فالحرب الاقتصادية التي نمر بها اليوم تتطلب حلولاً مختلفة داخلياً وخارجياً".
وذكرت أن "العقوبات وضعت الاقتصاد الإيراني في مأزق، ولكن في الوقت نفسه، ساهمت بعض القرارات الداخلية في فرض حصار ذاتي من الداخل، ما أدى إلى تسليم الأسواق التي في أيدينا إلى المنافسين"، مشيرة إلى أن أحد الأمثلة على ذلك "فرض الرسوم على الصادرات يحد من دخول العملة الأجنبية إلى البلاد، ويزيد التوترات في السوق".
وطالبت ملكي بـ"الانضمام إلى مجموعة العمل المالي فاتف (FATF) لرفع اسم إيران من قائمتها السوداء، حيث سيسهل التحويلات المالية ويسمح بدخول العملة الأجنبية إلى البلاد". وأدرجت "فاتف"، خلال فبراير/شباط 2020، إيران على قائمتها السوداء بعد عدم إقرارها الاتفاقيات اللازمة للانخراط فيها.
ويعيش المواطن الإيراني ظروفاً اقتصادية صعبة منذ ما يقارب ست سنوات نتيجة أزمات اقتصادية متراكمة فاقمتها العقوبات الأميركية المفروضة على البلد من عام 2018، إثر الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي. وزادت المخاوف في الآونة الأخيرة بسبب مزيد من التدهور الاقتصادي في ظل ارتفاع منسوب التوترات في المنطقة التي تُشكّل إيران طرفاً فيها.
واستهدفت هذه العقوبات مفاصل الاقتصاد الإيراني، خصوصاً موارد تحصيل النقد الأجنبي مثل الصادرات النفطية التي تشكل شريان هذا الاقتصاد. ورغم أن إيران تبيع كميات من النفط تقدر بأكثر من مليون برميل يومياً، لكنها تواجه صعوبات كبيرة في إعادة العوائد بالنقد الأجنبي، بسبب تعرّض القطاع المصرفي لعقوبات شاملة أيضاً، وهو ما يدفعها إلى اللجوء إلى المقايضة في بيع النفط أحياناً.
ولا آفاق لإنهاء هذه العقوبات على المدى القريب بعد عودة ترامب إلى السلطة في الولايات المتحدة واحتمائه مرة أخرى بممارسة سياسة الضغط الأقصى بغية تصفير صادرات إيران النفطية لدفعها نحو تفاوض تحت ضغط التهديدات والعقوبات، وهو ما رفضته طهران، إذ أعلن المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي حظر إجراء أي تفاوض مع الإدارة الأميركية، قائلاً إن التجربة أثبتت أن التفاوض مع الولايات المتحدة "ليس ذكياً ولا مشرفاً ولا حكيماً"، وإن المفاوضات معها "لن تحلّ مشاكل إيران".