استمع إلى الملخص
- تواجه السعودية تحديات في الانفتاح الاقتصادي، مثل الحاجة إلى سياسات لنقل المعرفة وتوطين الوظائف، حيث تشكل العمالة الأجنبية نسبة كبيرة من القوى العاملة، مما يؤثر على فرص السعوديين.
- لتحقيق الاستفادة القصوى، يجب وضع سياسات تضمن مشاركة السعوديين في الوظائف القيادية، ودعم الشركات المحلية، وتعزيز الإطار التنظيمي لضمان التزام الشركات الأجنبية بالمعايير البيئية والاجتماعية.
يسلط إعلان وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح عن زيادة الوظائف التي وفرتها الشركات الأجنبية في المملكة بنسبة 40% خلال السنوات العشر الماضية الضوء على تقييم الأثر الإيجابي للانفتاح الاقتصادي في المملكة مقارنة بالوجه السلبي لهذا الانفتاح، في ظل اتجاه استراتيجي في المملكة يستهدف استقطاب المقار الإقليمية للشركات العالمية.
فخلال السنوات العشر الماضية، تضاعفت الاستثمارات الأجنبية المباشرة في السعودية أربع مرات، حسب تصريحات للفالح ضمن فعاليات مؤتمر مبادرة القدرات البشرية "HCI 2025" الذي استضافته الرياض في 13 إبريل/نيسان الجاري، مشيراً إلى أن عدد الشركات التي نقلت مقارها الإقليمية إلى المملكة بلغ 600 شركة، ما يعكس ثقة متزايدة بالبيئة الاستثمارية للمملكة.
ويحمل الانفتاح الاقتصادي للمملكة في طياته العديد من الإيجابيات البارزة، فمن جهة، أدى تدفق رؤوس الأموال الأجنبية إلى زيادة مساهمة القطاعات غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي لتتجاوز النصف لأول مرة في تاريخ المملكة، بعد أن كانت 46% فقط قبل إطلاق رؤية 2030، كما ساهمت الشركات الأجنبية في تطوير المهارات البشرية، إذ أصبح الاستثمار في التعليم وتنمية المهارات من أولويات الحكومة، ما يخلق دائرة تنموية ترفع من كفاءة القوى العاملة الوطنية وتلبي احتياجات السوق والمستثمرين على حد سواء، بحسب تقرير نشرته منصة semafor الأميركية.
ووفق تقرير نشره موقع مجموعة أكسفورد بزنس، فإن تجربة الانفتاح الاقتصادي السعودي ما زالت "مختلطة النتائج"، إذ إن جذب الشركات الأجنبية لا يضمن بالضرورة نقل التكنولوجيا أو بناء قاعدة صناعية محلية قوية ما لم تقترن هذه الاستثمارات بسياسات واضحة لنقل المعرفة وتوطين الوظائف في القطاعات الحيوية، كما أن هناك مخاوف من أن يؤدي التوسع في استقطاب العمالة الأجنبية إلى الحد من فرص التوظيف للسعوديين إذا لم تُنفَّذ خطط التوطين بشكل فعال.
تحول كبير في السعودية
في هذا الإطار، يرى عميد كلية إدارة الأعمال في الجامعة الأميركية للتكنولوجيا في لبنان بيار الخوري أن تجربة الانفتاح الاقتصادي في السعودية، التي تأتي ضمن إطار "رؤية 2030"، تمثل تحولاً كبيراً نحو تحقيق اقتصاد متنوع ومستدام، معتبراً أنها حققت نجاحات ملموسة على عدة مستويات، لكنها ليست خالية من التحديات التي تحتاج إلى إدارة دقيقة لتحقيق أقصى استفادة ممكنة، وفقاً لما صرح به لـ"العربي الجديد".
ويوضح الخوري أن زيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة في السعودية أسهمت في تنفيذ مشاريع ضخمة مثل مشروع "نيوم"، الذي تقدر تكلفته بنحو 500 مليار دولار، بالتعاون مع شركات عالمية رائدة في مجالات التكنولوجيا والطاقة المتجددة، إضافة إلى شراكة "أكوا باور" السعودية مع شركات أجنبية لتنفيذ مشاريع طاقة شمسية ورياح بقدرة إنتاجية تصل إلى 20 غيغاواط بحلول عام 2030، لافتاً إلى أن هذه المشاريع تعكس نجاح المملكة في وتنويع الاقتصاد، حيث انخفضت نسبة إسهام النفط في الناتج المحلي الإجمالي من 50% في عام 2015 إلى 30%.
ويلفت الخوري، في هذا الصدد، إلى إسهام قطاع السياحة والترفيه في التحول الاقتصادي السعودي، إذ بلغت نسبته من الناتج المحلي الإجمالي حوالي 3.3% في عام 2022، مقارنة بـ2.5% في عام 2019، ما يعكس قدرة اقتصاد المملكة على استقطاب الشركات الأجنبية في قطاعات غير تقليدية، ويعزز التنمية الاقتصادية الشاملة ويخلق فرصاً جديدة للمستثمرين المحليين والأجانب.
توفير الوظائف
ويبين الخوري أن الشركات الأجنبية لعبت دوراً محورياً في توفير فرص عمل جديدة في المملكة، إذ ساهمت بما يقارب 40% من الوظائف الجديدة في القطاع الخاص خلال السنوات الأخيرة، وفقاً للهيئة العامة للإحصاء لعام 2023، كما أن برامج مثل "ندلب" ساعدت في زيادة نسبة السعوديين العاملين في القطاع الخاص إلى 23% في عام 2022، مقارنة بـ18% في عام 2018، ما يعكس الجهود المبذولة لتحقيق التوطين.
ومع ذلك، لا تزال العمالة الأجنبية تشكل نسبة كبيرة من القوى العاملة في السعودية، إذ تمثل حوالي 70% من إجمالي القوى العاملة في القطاع الخاص، وفقاً لتقرير البنك الدولي لعام 2023، وهو ما يرى الخوري أنه يتسبب في تقليل فرص السعوديين في المناصب العليا أو التقنية المتخصصة إذا لم تُعزَّز سياسات التوطين بشكل أكبر.
وإزاء ذلك، فإن الانفتاح الاقتصادي يواجه عدداً من التحديات التي تتطلب معالجة فعالة، حسب ما يرى الخوري، ومنها ما يصاحب الانفتاح من تغييرات ثقافية واجتماعية، خاصة مع دخول أنماط حياة جديدة عبر الشركات الأجنبية.
ولتعزيز التجربة وتقليل التحديات، يرى الخوري ضرورة وضع سياسات واضحة لضمان مشاركة السعوديين في الوظائف التي توفرها الشركات الأجنبية، خاصة في المناصب القيادية والتقنية، ودعم الشركات المحلية والريادية لتطوير منتجاتها وخدماتها بما يمكنها من المنافسة مع الشركات الأجنبية، إضافة إلى تعزيز الإطار التنظيمي لضمان التزام الشركات الأجنبية بالمعايير البيئية والاجتماعية، وأن تسهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
شروط صارمة
في السياق، يصف الباحث في الاقتصاد السياسي ومدير المركز الدولي للدراسات التنموية مصطفى يوسف تجربة الانفتاح الاقتصادي في السعودية بأنها "إيجابية"، مشيراً إلى جذب الشركات الأجنبية، نظراً إلى موقع المملكة بوصفها أكبر سوق في منطقة الشرق الأوسط.
ومع ذلك، يلفت يوسف إلى أهمية وضع شروط صارمة على هذه الشركات لضمان تحقيق استفادة متبادلة، موضحاً أن هذه الشركات تستفيد من وجودها داخل المملكة من خلال توظيف العمالة الوطنية رخيصة التكلفة، بينما تستفيد المملكة بنقل التكنولوجيا المتقدمة.
وبما أن السعودية تتمتع بخصائص ديمغرافية فريدة، حيث يشكل الشباب النسبة الأكبر من السكان، فإن توفير فرص العمل يعد ضرورة قصوى، ولذا يرى يوسف أن المملكة، وأغلب الدول النامية، غالباً ما تعتمد على الصناعات كثيفة العمالة، وهو نهج يمكن تحسينه عبر تبني تقنيات حديثة.
وهنا يأتي دور الشركات الأجنبية التي يجب أن تلتزم بتوظيف الكفاءات المحلية وتطويرها، حسب يوسف، مشيراً إلى أن الوجه السلبي للانفتاح الاقتصادي يظهر عندما تلجأ الشركات إلى استيراد العمالة من الخارج أو عدم نقل المعرفة والخبرات الحديثة، إذ يؤدي ذلك إلى تحويل السوق المحلية إلى مجرد سوق استهلاكية من دون تحقيق أي قيمة مضافة.