الانتخابات الرئاسية الأميركية: جردة حساب اقتصادية لولاية ترامب

الانتخابات الرئاسية الأميركية: جردة حساب اقتصادية لولاية ترامب

01 نوفمبر 2020
اختبرت الفترة الرئاسية الأولى شعارات ترامب المرفوعة في برنامجه الانتخابي (Getty)
+ الخط -

طرح الرئيس الأميركي دونالد ترامب عدداً من الوعود الانتخابية التي تتعلق بالشأن الاقتصادي خلال حملته عام 2016، والآن وبعد 4 سنوات يطرح ترامب نفسه مرشحا لفترة رئاسية ثانية في الانتخابات المقررة يوم الثلاثاء المقبل.
ولد ترامب في 14 يونيو/حزيران 1946 وهو الرئيس الخامس والأربعون في الولايات المتحدة الأميركية، وركز ترامب في حملته الانتخابية الأولى على الإنعاش الاقتصادي للعديد من الولايات التي حسمت المعركة لصالحه، ورفع  شعار " أميركا أولاً" وإعادة بناء مجد" أميركا العظيمة".

وفي هذا التقرير نرصد أهم وعود ترامب الاقتصادية وما تحقق منها
وعد ترامب في خطة العمل الاقتصادية والمالية في نهاية أكتوبر/ تشرين الأول بحماية العمال الحاليين وتوفير فرص عمل مستقبلية ورفع شعار" اشترِ الأميركي ووظِّف الأميركي"، ولتحقيق ذلك وضع استراتيجية تقوم على سياسة الحمائية بفرض الرسوم، وخفض الضرائب على الشركات الموجودة داخل أميركا من أكثر من 35% إلى 15% وإلى 10% للشركات العائدة من الخارج للداخل.

ولتنفيذ هذه الاستراتيجية وعد ترامب بالعمل على عدد من السياسات سواء مع الكونغرس أو عبر قراراته المنفردة، منها استبدال اتفاقية التجارة الحرة مع كل من كندا والمكسيك التي تعرف اختصاراً باتفاقية "نافتا" بأخرى جديدة، وتشديد إجراءات الهجرة وبناء حائط بين أميركا والمكسيك، والانسحاب من اتفاقية الشراكة عبر الباسيفيكي المعروفة اختصاراً باسم "تي بي بي".
كما وعد بإنفاق نصف تريليون دولار على البنية التحتية، مع الطلب من الكونغرس إصدار قانون يمنح المستثمرين في هذا القطاع إعفاءات ضريبية تقدر قيمتها بحوالى 137 مليار دولار.
ويرى ترامب أن ارتفاع العجز في الميزانية الأميركية المترتب على خفض الضرائب وزيادة النفقات سيتم تغطيته عبر زيادة الرسوم الجمركية على البضائع المستوردة، حيث وعد ترامب بفرض ضريبة بنسبة 35% على البضائع المكسيكية وضرائب بنسبة 45% -55% على البضائع الصينية وهدد بمعاقبتها وإعلانها دولة "متلاعبة بالعملة".

كما وعد ترامب بتحقيق نمو اقتصادي نسبته 3 بالمئة في العام الأول لرئاسته، وخفض معدلات الفائدة لتقليل حجم الدين الأميركي خاصة من السندات، ووعد بالضغط على الدائنين للتخلي عن جزء من الدين (السندات)، وإلغاء بعض البرامج الاجتماعية والصحية أو تقليل نفقاتها مثل إلغاء "أوباماكير"، حيث غرد على تويتر قائلاً إن "نظام الرعاية الصحية الباهظ سيصبح من التاريخ".
ولخص ترامب في نوفمبر/تشرين الثاني 2016 بعد إعلان فوزه مباشرة بالانتخابات الرئاسية برنامجه للفترة الرئاسية الأولى بقوله إن "لدينا الكثير من العمل للقيام به. علينا أن نعمل بكدّ على ملفات الهجرة والصحة، ونحن نفكر بالتوظيف، خصوصا التوظيف"، مضيفا أننا "سنقوم بأشياء مذهلة بالنسبة للأميركيين، أنا أتطلع للعمل بسرعة".

وأكد أنه "سواء تعلق الأمر بالصحة أو الهجرة أو أمور عديدة اخرى. سنخفض الضرائب وسنجعل الرعاية الصحية أقل كلفة. سوف نقوم بعمل ممتاز فعلا في ما يخص الصحة".
كما وعد بالعمل على تحسين الأوضاع الاقتصادية للأميركيين، وإنه سيسعى إلى حل جميع المشكلات المعيشية.
وفي أول موازنة قدمها ترامب لعام 2018 والتي بدأ العمل بها في مطلع أكتوبر/تشرين الأول 2017 اقتطع نحو 1700 مليار دولار على مدى عشر سنوات في البرامج الاجتماعية المخصصة للأكثر فقراً، مقابل زيادة في الميزانية العسكرية نسبتها 10 بالمئة أي 54 مليار دولار في موازنة الدفاع بالمقارنة مع عام 2017.
سراب اقتصادي
كانت وعود ترامب الاقتصادية عاملا مهما في حسم نتيجة الانتخابات الرئاسية عام 2016 لصالحه، خاصة في الولايات ذات الوزن العمالي التي اتجهت للتصويت لصالحه أملا في تحسن وضعها من خلال سياسات الحمائية وتشجيع عودة الشركات الأميركية لداخل البلاد.
ولكن المحقق أن هذه السياسات ذاتها أثرت بالسلب على وضع هذه الطبقة العمالية، فالحمائية أثرت على أكثر من 2.6 مليون وظيفة في شركات أو مجالات ترتبط بالعلاقات التجارية مع الصين، كما أن العقوبات على الشركات الأميركية العاملة في الخارج لم ترجع معظمها إلى الداخل الأميركي بل اتجهت إلى دول بديلة كفيتنام والهند وكوريا الجنوبية وغيرها.

أيضا تعتمد العديد من الشركات الأميركية على المكونات والآلات من الصين، وبالتالي فإن الرسوم الجمركية كانت عبئًا عليها.

يقول ديفيد دولار زميل وكبير الخبراء في معهد العلاقات الاقتصادية الأميركية الصينية في تصريحات سابقة لتلفزيون دويتشه فيلله الألماني إن " قطاع التصنيع يوفر 8.1 في المائة من العمالة المدنية عندما انتخب ترامب، واليوم النسبة كما هي لم تتغير".
كما أن سياسة الحمائية بفرض رسوم جمركية عالية على البضائع المستوردة خاصة من الصين، لم تؤثر كثيرا في أرقام الميزان التجاري الأميركي، بل استمر الميزان لمصلحة الصين، ولم يطرأ تغيير إلا توقيع الاتفاق المرحلي التجاري بين البلدين في يناير/كانون الثاني 2020.

كما أن انسحاب الولايات المتحدة من عدد من الشراكات الاقتصادية كـ"النافتا "و"أبيك" وغيرها أفقدها ميزات الدخول لأسواق ضخمة مثل دول أبيك الـ21، التي تمثل 60% من التجارة العالمية و40% من سكان العالم.
وقدر البعض أن الخزانة الأميركية ستفقد نحو 2 إلى 2.6 تريليون دولار خلال 10 سنوات بسبب خفض الضرائب على الشركات الكبرى وهو ما استفاد منه الأثرياء وليس الطبقة العاملة.
فيما كان لإلغاء برنامج الرعاية الصحية (أوباما كير) وخفض النفقات على برامج رعاية الفقراء والرعاية الصحية، تداعياته الاقتصادية والصحية بعد تفشي فيروس كورونا في البلاد خلال العام الجاري، حيث قدر وزير الخزانة الأميركي الأسبق لورانس سمارز خسائرها المتوقعة بنحو 16 تريليون دولار تمثل نحو 90% من الناتج المحلي الإجمالي فضلا عن اقتراب عدد الوفيات من ربع مليون.
ولفت إلى أن الخسارة الاقتصادية ستكون أربعة أضعاف تكلفة الكساد الكبير، وهي أكثر من ضعف إجمالي الإنفاق في جميع الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة منذ 11 سبتمبر/أيلول 2001، بما في ذلك تلك التي دارت في أفغانستان والعراق وسورية.
كما ازداد التفاوت الطبقي في الولايات المتحدة وفي تقرير "الدخل والفقر في الولايات المتحدة"، الصادر عن مكتب الإحصاءات التابع لوزارة التجارة الأميركية قبيل نهاية السنة المالية الماضية، جاء أن الأميركيين السود يحققون بالكاد 60% من الدخل الذي يحققه الأميركيون البيض.

وفي تقرير لبنك الاحتياط الفيدرالي عن "الرفاهة الاقتصادية للأسر الأميركية"، صدر منتصف عام 2018، أوضح البنك أن ثروات السود كانت في المتوسط 17.6 ألف دولار، أي ما يقرب من عُشر متوسطها عند البيض، البالغ 171 ألف دولاراً.
وخلال أزمة وباء كوفيد 19، أظهر تقرير عن مقاطعة لوس أنجليس في ولاية كاليفورنيا في يونيو/حزيران الماضي، أنّه من بين كل مائة ألف من السكان البيض، كانت هناك 14 حالة وفاة بالوباء، بينما وصل العدد بين كل مائة ألف ساكن أسود إلى 26 حالة وفاة.

مؤشرات اقتصادية
وبالنظر إلى أهم مؤشرات الاقتصاد الأميركي قبل تسلم ترامب الرئاسة في يناير/كانون الثاني 2017 وأحدث البيانات الاقتصادية المتوافرة قبيل الانتخابات الرئاسية المقبلة في نوفمبر/تشرين الثاني 2020 يتضح ما يلي: 
الدين العام

بلغ الدين العام الأميركي في 2016 نحو 19 تريليون دولار ، وفي سبتمبر/أيلول 2020 رجح مكتب الميزانية بالكونغرس، أن يتجاوز الدين، المقدر حتى مطلع إبريل/نيسان الماضي 24 تريليون دولار.
كما توقع أن يتجاوز الدين حجم اقتصاد البلاد بأكمله العام المقبل ليصل إلى 104% من الناتج المحلي لأول مرة منذ عام 1946.
عجز الموازنة: 

بلغ عجز الموازنة الأميركية في السنة المالية التي انتهت آخر سبتمبر/أيلول 2016 نحو 587.4 مليار دولار لتصل إلى 3.2% من إجمالي الناتج المحلي.
بينما توقع مكتب الميزانية بالكونغرس، منتصف الشهر الماضي، أن تسجل الميزانية الفيدرالية التي انتهت آخر سبتمبر الماضي، عجزاً بقيمة 3.3 إلى 3.7 تريليونات دولار في السنة المالية 2020، مقابل عجز متوقع تريليون دولار و أكثر من ثلاثة أضعاف العجز المسجل في 2019.
وقال المكتب وهو هيئة غير حزبية، إن العجز في موازنة 2020 من المتوقع أن يبلغ 16 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة.
معدل النمو: 
بلغ معدل نمو الاقتصاد الأميركي عام 2016 نحو 1.6% مقارنة بـ2.6% في 2015.
بينما أظهر تقرير صادر عن وزارة التجارة، نهاية أغسطس/ آب الماضي، تراجع الناتج المحلي الإجمالي في الربع الثاني من العام الجاري بنسبة 31.4% على أساس سنوي متأثرا بتداعيات كورونا.
وتوقع صندوق النقد في أكتوبر/تشرين الأول الجاري انكماش اقتصاد الولايات المتحدة بنسبة 4.3 بالمئة في 2020، مقابل نمو 2.3% في 2019 قبل الجائحة.
البطالة: 
بلغ معدل البطالة في نوفمبر/تشرين الثاني 2016 نحو 4.6 بالمئة. وانخفضت بشكل قياسي في فبراير/شباط 2020 لأدنى معدلاتها عند 3.5 % وهو الأقل منذ 50 عاما. ولكن بسبب كورونا، عاودت البطالة الارتفاع إلى معدلات قياسية، حيث بلغت في أكتوبر الجاري 7.9%، بعد أن وصلت في شهور سابقة إلى نحو 13.3 % بسبب تداعيات كورونا وظروف الإغلاق.
مكانة الدولار:
في عام 2016 كان الدولار عملة "الاحتياط الرئيسية" في العالم ويشكل نسبة 64% من إجمالي احتياطات البنوك المركزية حسب بيانات صندوق النقد الدولي. وحسب الصندوق أيضا، فقد تراجعت حصة الدولار  من الاحتياطيات  إلى نسبة 61.26%، خلال الربع الثاني من العام الحالي.
وعلى مستوى القيمة، قال أستاذ الاقتصاد ستيفن روتش، في مقال بصحيفة فايننشال تايمز في وقت سابق من الشهر الجاري، إن الدولار قد يفقد 35% من قيمته بنهاية العام المقبل 2021.
وأضاف روتش، أن سعر صرف الدولار الحقيقي انخفض بنحو 4.3% في الفترة من مايو/أيار حتى نهاية أغسطس/آب 2020.

الناتج المحلي الإجمالي:
وفقا للبنك الدولي فقد بلغ الناتج المحلي الإجمالي الأميركي في 2016 نحو 18.7 تريليون دولار، وفي 2019 وصل إلى نحو 21.3 تريليون دولار، ونحو 20.2 تريليون دولار متوقعة في 2020 بسبب تداعيات كورونا.
العجز التجاري
بلغ العجز التجاري الأميركي (الفرق بين الصادرات والواردات) مع العالم عام 2016 نحو 502.2 مليارات دولار، وكان يعد حينها الأعلى خلال 4 سنوات.
بينما بلغ في عام 2019 نحو 616.8 مليار دولار، ووفقا لآخر أرقام متاحة فقد بلغ العجز في أغسطس/آب 2020 نحو 67 مليار دولار، بينما لم تعلن حتى الآن أرقام العجز التجاري للعام بأكمله وإن كان يتوقع ارتفاعها.
سندات الخزانة
في إبريل/نيسان 2016 بلغت حيازة الصين من السندات الأميركية نحو 1.24 تريليون دولار من إجمالي 6.28 تريليونات دولار يملكها الأجانب وبنسبة 19.74% تقريبا لتتصدر قائمة حيازة السندات.
وفي يوليو/تموز 2020 بلغت قيمة ما تحوزه الصين من السندات الأميركية نحو 1.07 تريليون دولار من إجمالي 7.08 تريليونات دولار وبنسبة 15% تقريبا لتتراجع للمركز الثاني بعد اليابان في قائمة حائزي السندات، لأسباب أرجعها مراقبون لسياسات ترامب تجاه الصين.

المساهمون