Skip to main content
الاقتصاد وقود الحملات الانتخابية في الجزائر
حمزة كحال ــ الجزائر
البرامج الحزبية افتقدت حلولاً جذرية للمشاكل المعيشية (بلال بنسالم/ Getty)

يتخذ المرشحون للانتخابات البرلمانية في الجزائر الأوضاع الاقتصادية وقوداً لحملاتهم، مقدمين وعوداً بتحسين الوضع المعيشي للمواطن وتحريك سوق العمل، مستغلين حالة الإنهاك التي وصل إليها جزء كبير من المواطنين، ممن تردت مستوياتهم الحياتية بسبب زيادة الأسعار وانحسار سوق العمل، بالموازاة مع انكماش الاقتصاد منذ سنوات.

ويبني المتقدمون للانتخابات البرلمانية المنتظرة في 12 يونيو/ حزيران المقبل حملاتهم على النقد الموجه لمن سبقهم في الحكم ومن تداولوا على مختلف المسؤوليات في الدولة، ولا سيما الأحزاب التي دعمت الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.

حركة مجتمع السلم اقترحت للخروج من الأزمة الاقتصادية القيام بإصلاح جذري، والعمل على الخروج من التبعية لعائدات النفط، بخلق مليوني مؤسسة اقتصادية، وتحسين مناخ الأعمال في البلاد

ويقدم حزب حركة مجتمع السلم من التيار الإسلامي، تصوّره للخروج من الأزمة الاقتصادية، ضمن برنامجه الذي يحمل اسم "الحلم الجزائري"، بإحداث إقلاع اقتصادي في نهاية ولايته الأولى (5 سنوات) إذا ما فاز بالأغلبية البرلمانية، من خلال القيام بإصلاح اقتصادي جذري، والعمل على الخروج من التبعية لعائدات النفط، وذلك بخلق مليوني مؤسسة اقتصادية، وتحسين مناخ الأعمال في البلاد.

وتعهد رئيس الحركة عبد الرزاق مقري، خلال الحملة الانتخابية، بأن يجعل الجزائر بمرور 5 أعوام له في الحكم الوجهة الأولى عربياً لقطاع الخدمات، وبعد 10 أعوام (الولاية الثانية) تضمن الجزائر أمنها الغذائي واستقرارها الاقتصادي، بحسب مقري.

من جانبه، يقترح حزب "جيل جديد" الذي يعدّ من أشرس معارضي نظام بوتفليقة، والذي يدخل الانتخابات البرلمانية لأول مرة منذ تأسيسه سنة 2012، إعادة بناء الاقتصاد الجزائري من خلال محاربة الفساد والرشوة، وترشيد الإنفاق العام، مع تسريع وتيرة استرجاع الأموال المنهوبة، وتوسيع الشراكة بين القطاعين العام والخاص دون شروط، مع ضرورة مراجعة نظام الدعم الذي يعتبره جيل جديد منبع الفساد والتبذير كونه يكلف خزينة البلاد أكثر من 15 مليار دولار سنوياً.
أما حزب جبهة المستقبل (الداعم للرئيس عبد المجيد تبون) فقد وضع برنامجاً يحمل شعار "الشعب يقرر"، يرى فيه رئيسه عبد العزيز بلعيد أنه يجب إعطاء المحيط الاقتصادي عناية نوعية لرفع النمو نحو مستويات عليا وخلق الثروات خارج قطاع المحروقات بمساهمة مشتركة للقطاعين العام والخاص على أن يتمتعا بالفرص وعوامل النجاح نفسها.

حزب جبهة المستقبل الداعم للرئيس تبون يقترح إلغاء قاعدة 49/51 الاستثمارية، وهي القاعدة التي ظلت الحكومات المتعاقبة ترفض مراجعتها أو إلغاءها بحجة حماية السيادة على الشركات الكبرى

ويقترح بلعيد إلغاء قاعدة 49/51 الاستثمارية (أن تبقى للدولة حصة 51 في المائة)، وهي القاعدة التي ظلت الحكومات المتعاقبة ترفض مراجعتها أو إلغاءها بحجة أنها تحمي السيادة الجزائرية على الشركات الكبرى.
أما حزب حركة البناء الوطني المحسوب على التيار الإسلامي، فيرى رئيسه عبد القادر بن قرينة أنه يجب الاعتماد على المؤسسات التي تنتج الثروة، مشدداً على التوجه إلى القطاعات التي تساهم في دعم الاقتصاد، منها الزراعة والسياحة والصناعة، مشيراً إلى أنه لا بد من تغيير السياسة الاستثمارية في البلاد، كما يرى بن قرينة أن الصحراء الجزائرية التي يتحدر منها هي بوابة الخروج من الأزمة الاقتصادية.
ويمنح الدستور الجزائري لرئيس البلاد خيارين بعد الانتخابات الرئاسية، إما قبول حكومة يتقدّم بها الحزب الفائز بأغلبية المقاعد في البرلمان، إذا كان معارضاً له، أو التوجه نحو حكومة توافقية يكون على رأسها "وزير أول" (منسق بين الوزراء)، إذا كانت الأحزاب المشكلة للأغلبية البرلمانية داعمة للرئيس.

ويرى مراقبون أن البرامج الحزبية متشابهة، هدفها استمالة مشاعر الجزائريين للحصول على أصواتهم، وسط تزايد المخاوف من أن تظل الوعود حبراً على ورق وشعارات رنانة للفوز بالمقاعد البرلمانية، إذ يكاد أغلب المواطنين الذي يواجهون غلاء المعيشة يفقدون الثقة بوعود السياسيين.

وفي السياق، يقول الخبير الاقتصادي، جمال نور الدين، إنه "في الجانب الاقتصادي نحتاج إلى أمور ملموسة أكثر من مشاريع انتخابية، فالأولوية للحكومة القادمة المنبثقة من تركيبة البرلمان القادم، تتمثل في معالجة العجز المالي وسط تراجع الإيرادات النفطية".

وأضاف نور الدين لـ"العربي الجديد" أن "البرامج جاءت دون تقديم ورقة واضحة لتطبيق البرنامج، واللافت مثلاً أن أحد الأحزاب جاء بنزعة انتقامية ضد رجال الأعمال، وهذا يربك مناخ الأعمال، كما لم يقدم المرشحون وعوداً مباشرة قابلة للتنفيذ لحل الأزمات المعيشية للمواطنين، رغم أن هذه النقطة يمكنها أن تكون ورقة رابحة لأي مرشح لكي يكسب أصوات الناخبين".

ووفق الخبير الاقتصادي والمستشار السابق لدى الحكومة، عبد الرحمان مبتول، فإن "البرامج الانتخابية في شقها الاقتصادي خلال الحملة الانتخابية، غلب عليها الإنشاء والتعبير، فعلى سبيل المثال أسهب أحد مسؤولي الأحزاب، في الحديث عن طموحاته باسترجاع الأموال المنهوبة بتعاون المتهمين بتهريبها في عهد بوتفليقة، وهو كلام يفتقر إلى الدقة في التفاصيل التي تجعل من تلك الخطة قابلة للتطبيق على أرض الواقع".

مستشار سابق لدى الحكومة: "البرامج الانتخابية في شقها الاقتصادي خلال الحملة الانتخابية، غلب عليها الإنشاء والتعبير، وتفتقر إلى الدقة في التفاصيل

من جانبه كرَّر رئيس حزب آخر وعده بتحسين الاقتصاد دون تقديم مزيد من الشروحات والتوضيحات، وكأنّ الأمر سيتم بواسطة عصا سحرية لا تعرف المستحيل أبداً، بحسب مبتول.

وتابع المستشار السابق لدى الحكومة لـ "العربي الجديد" أنه "فيما يتعلَّق بسياسة الدعم ومساندة الفئات المعوزة والفقيرة، كان هناك غياب تام للتفاصيل، في ملف حساس يعني الكثير للشريحة الكبرى من الناخبين، فقد تمسَّكت الأحزاب في الحملة الانتخابية بفكرة الدعم المستهدف للفئات الفقيرة دون التطرق إلى ضعف مؤسسات الإحصاء الوطنية العاجزة لحدّ الساعة عن تقديم أحدث البيانات عن الفقر واللامساواة في توزيع المداخيل إلى مائدة النقاش العام".

وأضاف: "كما لوحظ النقص الكبير في لغة الأرقام لدى أغلب قادة الأحزاب الذين لم يكلِّفوا أنفسهم عناء البحث عن الأرقام المهولة التي وصلت إليها معدلات التضخم والفقر والبطالة في الجزائر، أو إجراء دراسات استقصائية تدعم حملتهم الانتخابية".