الاقتصاد غير الشرعي في لبنان: خسائر بالمليارات وحلول مؤجلة

02 مارس 2025   |  آخر تحديث: 01:03 (توقيت القدس)
مقهى يقدم خدمات الإنترنت في بيروت، 12 فبراير 2025 (أسامة أيوب/ فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يُعتبر الاقتصاد غير الشرعي في لبنان، خاصة في قطاع الإنترنت، من أبرز التحديات، حيث يسيطر مزوّدو الإنترنت غير الشرعي على 60% من السوق، مما يسبب خسائر سنوية تُقدر بـ100 مليون دولار للدولة.
- يتطلب الوضع استراتيجيات واضحة لمكافحة الاقتصاد الموازي، الذي يؤثر سلبًا على القطاعات الإنتاجية والخدماتية ويحرم الخزينة من مداخيل هائلة.
- لمواجهة هذه الظاهرة، يجب وضع إطار قانوني صارم، إصلاحات هيكلية، وتعاون بين الوزارات والقطاع الخاص لتعزيز الرقابة وإعادة السيطرة على القطاعات الحيوية.

مع دخول لبنان مرحلة سياسية جديدة، يُتوقع أن يكون ملف الاقتصاد غير الشرعي على رأس أولويات العهد القادم، نظرًا إلى تأثيره العميق على الاقتصاد الوطني والاستقرار المالي. إذ أصبح من الضروري وضع استراتيجيات واضحة لمكافحة هذه الظاهرة التي تفاقمت على مدار السنوات الماضية بسبب ضعف الرقابة وغياب سياسات فاعلة لضبط الأسواق.

هذا الاقتصاد الموازي، الذي يعمل خارج الأطر القانونية، يؤثر بشكل مباشر على القطاعات الإنتاجية والخدماتية، إذ يحرم الخزينة من مداخيل هائلة كان يمكن أن تُستخدم في تحسين الخدمات العامة، وتقليص العجز المالي، وتعزيز الاستقرار الاقتصادي. وفي ظل غياب آليات رقابية فاعلة، تنمو هذه الظاهرة على حساب الاقتصاد الرسمي، ما يعرقل جهود التنمية المستدامة ويضعف قدرة الدولة على ضبط الأسواق وتأمين بيئة اقتصادية شفافة وعادلة.

ومن بين أبرز مظاهر الاقتصاد غير الشرعي في لبنان، يبرز قطاع الإنترنت، حيث يستحوذ مزوّدو الإنترنت غير الشرعي على نسبة كبيرة من السوق، ما يؤدي إلى خسائر مالية ضخمة تتكبّدها الدولة اللبنانية، خاصة وزارة الاتصالات. فبحسب الخبراء، تصل خسائر الدولة من هذا القطاع إلى ما يقارب 100 مليون دولار سنويًا، في ظل سيطرة الإنترنت غير الشرعي على نحو 60% من الاشتراكات.

هذا الواقع لا يقتصر فقط على الخسائر المالية، بل يمتد إلى التأثيرات السلبية على جودة الخدمة المقدمة للمواطنين، حيث تعتمد الشبكات غير الشرعية على بنى تحتية غير خاضعة للصيانة الدورية، ما يؤدي إلى تراجع سرعة الإنترنت وزيادة الأعطال، إضافة إلى غياب معايير الحماية الرقمية والأمان السيبراني.

ومن الحلول المطروحة لمكافحة الاقتصاد غير الشرعي، وضع إطار قانوني وتنظيمي صارم يحدّ من التهرب الضريبي، ويشجّع الشركات والمؤسسات غير المرخّصة على الانضمام إلى الاقتصاد الرسمي. وهذا يتطلب إصلاحات هيكلية تشمل تسهيل الإجراءات الإدارية للشركات القانونية، وتخفيف البيروقراطية التي تدفع بعض المؤسسات إلى العمل خارج النظام الرسمي، إضافة إلى تطوير آليات رقابية متطورة تعتمد على التكنولوجيا لضبط الأسواق بشكل أكثر فاعلية.

كما يجب أن تترافق هذه الإجراءات مع تعزيز التعاون بين الوزارات المعنية، لا سيما وزارة الاقتصاد ووزارة المالية ووزارة الاتصالات، لضمان تنفيذ خطة شاملة تُعيد للدولة سيطرتها على القطاعات الحيوية.

إلى جانب ذلك، تحتاج الدولة إلى تعزيز شراكاتها مع القطاع الخاص والمجتمع الدولي للحصول على الدعم اللازم لتنفيذ هذه الإصلاحات، سواء عبر الاستثمارات أو عبر الاستفادة من الخبرات العالمية في مكافحة الاقتصاد الموازي. كما أن تحسين بيئة الأعمال وضمان العدالة في التنافس بين الشركات القانونية وغير القانونية سيكون لهما أثر إيجابي في استقطاب الاستثمارات وزيادة الإيرادات العامة. لذلك، فإن نجاح المرحلة القادمة يتوقف على مدى قدرة العهد الجديد على اتخاذ قرارات جريئة وحاسمة لمواجهة هذه الظاهرة، وتحقيق قفزة نوعية نحو اقتصاد أكثر استدامة وشفافية.

في هذا السياق، صرّح الخبير والباحث الاقتصادي محمود جباعي، في حديث خاص لـ"العربي الجديد"، بأن المشكلة الأساسية في البلد تكمن في سيطرة الاقتصاد غير الشرعي على عدة مجالات، ما يخلّف آثارًا سلبية كبيرة على إيرادات الخزينة، إذ لا تحصل الدولة على الإيرادات والرسوم كما ينبغي، لأن هذا الاقتصاد لا يدفع أي ضرائب أو رسوم، خلافًا للشركات المرخّصة التي تساهم في رفد الخزينة والموازنة بمبالغ كبيرة، ما ينعكس إيجابًا على الوضع المالي العام ويؤثر على باقي القطاعات من خلال تعزيز قدرة الدولة على تقديم الخدمات وزيادة الجباية والإيرادات.

ومن بين أهم القضايا المطروحة، قال جباعي إن قضية الإنترنت الشرعي وغير الشرعي هو ملفّ تمكن معالجته بسرعة، رغم حاجة الدولة إلى هيئات ناظمة وحلول استراتيجية لمكافحة الاقتصاد غير الشرعي في قطاعات الاتصالات والكهرباء وغيرها. ومع ذلك، هناك خطوات عاجلة يمكن للحكومة اتخاذها للحدّ من حجم هذا الاقتصاد، بالتوازي مع خطة شاملة لحل الأزمة ككل.

وفي الحديث عن سيطرة الإنترنت غير الشرعي، قال إن الإنترنت غير الشرعي يسيطر بشكل واسع، ما يحرم وزارة الاتصالات من إيرادات تقدَّر بحوالي 100 مليون دولار سنويًا، فضلًا عن التأثيرات السلبية على تطوير الإنترنت الشرعي. حاليًا، هناك نحو 700 ألف مشترك في الإنترنت غير الشرعي، ما يشكّل حوالي 60% من إجمالي المشتركين، في حين لا يتجاوز عدد المشتركين في الإنترنت الشرعي 450 ألفًا، وهذا يُعدّ خطرًا كبيرًا، إذ يحرم الدولة من مداخيل مهمة.

وقال إنه في حال جرى تعزيز دور الشركات الشرعية ومنحها مساحة أكبر للعمل، يمكن لهذه الشركات أن تساهم في زيادة الإيرادات، فهي تُدخل حاليًا حوالي 50 مليون دولار سنويًا للدولة. وإذا استُعيد إيرادات الـ100 مليون دولار المفقودة بسبب الإنترنت غير الشرعي، فستتمكّن وزارة الاتصالات من تحسين إيراداتها وتطوير بنيتها التحتية. ويُذكر أن الدولة تحصل على حوالي 60% من إيرادات الشركات الشرعية، في حين أن مزوّدي الإنترنت غير الشرعي يعملون عبر شبكات خاصة من دون أي صيانة أو دفع مستحقات.

وأعتبر أنه ينبغي على وزارة الاتصالات تخفيف البيروقراطية والعراقيل القانونية غير المبررة التي تواجه الشركات الشرعية، ما يسهم في تسهيل توسيع خدماتها ومدّ خطوط الإنترنت بشكل منظم. كما أن مواجهة الإنترنت غير الشرعي وإعطاء الشركات المرخّصة الفرصة لتحديد معايير الجودة سيؤدي إلى تحسين الخدمة وزيادة الإنتاجية، وبالتالي رفع الإيرادات مجددًا.

والأهم من ذلك أن هذه الشركات تحتاج إلى دعم، لأنها تدعم بدورها الدولة اللبنانية، التي يمكنها وضع معايير واضحة ورقابة صارمة لمنع الهدر وضمان أن تذهب الأموال إلى المسار الصحيح. وهذا يضمن للمواطنين الحصول على خدمة أفضل بتكاليف أقل، مع تحديد تسعيرة موحّدة، إضافة إلى التوسع في المناطق الحدودية المتضررة والمناطق النائية.

وأضاف أن كل ذلك يعزز الاقتصاد، ويبعث برسالة واضحة بأن الدولة بدأت بمكافحة الاقتصاد غير الشرعي، ما يسهم أيضًا في تحسين صورتها أمام المجتمع الدولي، خاصة في ما يتعلق بالقوائم الرمادية التي تفرض عقوبات على بعض القطاعات غير الشرعية التي تستغل المواطنين بفرض تكاليف عشوائية.

وفقاً لما تقدم، يمثّل الاقتصاد غير الشرعي في لبنان تحديًا معقدًا يتطلب حلولًا جذرية وسريعة لاستعادة التوازن المالي وتعزيز التنمية المستدامة، فالخسائر الناجمة عن هذا الاقتصاد، لا سيما في قطاع الإنترنت، تعكس مدى الضرر الذي يلحق بالخزينة العامة ويؤثر على جودة الخدمات المقدمة للمواطنين. ومع تضافر الجهود بين الجهات الحكومية والقطاع الخاص، يمكن تحويل هذا التحدي إلى فرصة لإعادة هيكلة الاقتصاد على أسس أكثر شفافية واستدامة، ما يعزز ثقة المستثمرين ويحسّن صورة لبنان على الصعيدين المحلي والدولي.

المساهمون