الاقتصاد الأفغاني المأزوم وكلفة عودة المهاجرين

18 يوليو 2025   |  آخر تحديث: 17:50 (توقيت القدس)
أفغان عائدون من إيران، 4 يوليو 2025 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تواجه الحكومة الأفغانية تحديات مالية كبيرة بسبب عودة أكثر من ثلاثة ملايين مهاجر، مما يتطلب توفير خدمات لوجستية وسكنية وصحية وتعليمية وفرص عمل في ظل أزمات اقتصادية وعقوبات أمريكية.
- شهدت أفغانستان عودة 1.4 مليون مهاجر منذ 2025، مما زاد من تعقيد الوضع الإنساني والاقتصادي، وتواجه الحكومة صعوبة في التعامل مع تدفق العائدين بسبب العقوبات وقيود المعاملات المالية.
- يتطلب الوضع تحركاً دولياً لرفع العقوبات وتقديم مساعدات إنسانية عاجلة، وتحسين إدارة الأزمة بتوزيع العائدين على محافظاتهم الأصلية وتشجيع الدعم الدولي.

فجأة وجدت الحكومة الأفغانية نفسها في مأزق كبير بسبب التكاليف المالية الضخمة الناتجة من احتمالية عودة أكثر من ثلاثة ملايين من المهاجرين إلى أفغانستان من الخارج هذا العام. فهؤلاء بحاجة إلى خدمات لوجستية وسكن وخدمات صحية وتعليمية وفرص عمل هائلة وغيرها، وهي خدمات بحاجة إلى استثمارات ومخصصات مالية ضخمة لا تتوافر لدى الحكومة الحالية في كابول والتي تعاني من أزمات مالية قاسية. الأزمة الجديدة تضاف إلى الأزمات التي يعاني منها الاقتصاد الأفغاني المأزوم أيضاً، فمع خروج الاحتلال الأميركي من أفغانستان في أغسطس/ آب 2021، وتولي حكومة طالبان السلطة، واجهت الحكومة الأفغانية، ولا تزال، العديد من التحديات الاقتصادية والأزمات المالية والمعيشية، وبخاصة في ظل استمرار فرض العقوبات الأميركية عليها.

ورغم تلك التحديات اجتهدت الحكومة الأفغانية على مدار السنوات الأربع الماضية، في تحسين مستوى معيشة مواطنيها في ظل موارد شديدة المحدودية، وتحاول الالتفاف على العقوبات الأميركية عبر تجسير العلاقات الاقتصادية، مع دول بارزة مثل الصين وروسيا، وكذلك مع دول عربية وإسلامية، منها قطر والإمارات وتركيا. وطوال السنوات الماضية عملت الحكومة الأفغانية على تنفيذ الاستعدادات لاستقبال مواطنيها الذين أجبرتهم ظروف الحرب على الهجرة، على مدار أكثر من أربعة عقود، وبخاصة في دول الجوار، مثل باكستان وإيران، إلا أن الوضع في إيران بعد الحرب مع الكيان الصهيوني، ازداد تعقيداً، فيما يتعلق بوجود المهاجرين الأفغان هناك.

وحسب الأرقام المنشورة على موقع مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، فإنه خلال الفترة من يناير/ كانون الثاني إلى 4 يوليو/ تموز 2025، شهدت الدولة عودة 1.4 مليون مهاجر أفغاني إلى بلادهم، منهم مليون شخص عادوا من إيران وحدها. ووفق أرقام رئيس المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، عرفات جمال، فإن ثلاثة ملايين مهاجر قد يعودون إلى أفغانستان من الخارج خلال العام الجاري، وسط تحذيرات من أن تدفق العائدين يؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية الخطيرة بالفعل.

وللدلالة على حجم الضغوط المالية التي تتعرض لها الحكومة الأفغانية يجب النظر إلى أحدث أرقام لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، والتي تقول إن أكثر من مليون لاجئ أفغاني وصلوا من إيران إلى أفغانستان منذ بداية العام الحالي، بينما ذكرت مصادر أفغانية ومؤسسات دولية أن الأول من يوليو الجاري شهد عودة أكبر عدد من اللاجئين إلى أفغانستان، إذ وصل إلى 43 ألف لاجئ. وإذا كانت حكومة أفغانستان لديها خطة للتعامل مع التداعيات الناتجة من عودة مهاجريها من دول الجوار كما أعلنت عدة مرات، إلا أن ما حدث في إيران أربك هذه الخطة، فإيران حددت مدة بسيطة لعودة المهاجرين غير الرسميين، من أراضيها إلى أفغانستان، مما اضطر إلى عودة 43 ألف شخص في يوم واحد.

في الوضع الطبيعي فإن هذه الأعداد من عودة المهاجرين مرهقة في الترتيبات المتعلقة باستقبالهم، بسبب مشقة تقديم الخدمات المختلفة اللازمة، سواء على الحدود أو توفير فرص عمل، فما بالنا بالحال في ظل حكومة لديها مشكلات متعددة، على رأسها الأزمات الاقتصادية، ومصادرة رصيد احتياطي النقد الأجنبي لبنكها المركزي من قبل واشنطن، وفرض عقوبات غربية على جهازها المصرفي، وقيود على جميع المعاملات الاقتصادية بخلاف بعض المعاملات الخاصة بالمساعدات التي تقوم بها المنظمات الدولية. ولذا تشكو مفوضية اللاجئين من قلة ما لديها من أموال للتعامل مع مشكلة عودة المهاجرين بشكل كبير ومفاجئ في أفغانستان، فما وصل إليها خلال عام 2025 لا يتجاوز نسبة 28% من إجمالي خطة الاستجابة لعودة المهاجرين والبالغة قيمتها 2016 مليون دولار.

موارد فقيرة وإمكانات محدودة

حققت أفغانستان في عام 2023 ناتجاً محلياً بلغ 17.1 مليار دولار، حسب الأرقام الواردة بقاعدة بيانات البنك الدولي، ويتوقع أن يتراجع معدل نمو الاقتصاد الأفغاني، في عام 2025 إلى 2.2%، بسبب تراجع المساعدات الدولية، التي تمثل مكوناً مهماً لتسيير الأوضاع الاقتصادية بهذا البلد الفقير. ووفق تقرير للبنك الدولي عن التنمية في أفغانستان، فإنه في مطلع 2024، فإن عدد السكان الفقراء في الدولة الآسيوية يصل إلى نصف عدد السكان البالغ 42.6 مليون نسمة، كما أن هناك 15 مليون إنسان يعانون من انعدام الأمن الغذائي. وعلى مستوى العلاقات الخارجية اقتصادياً، فإن البلاد ما زالت تعاني من عجز في ميزانها للتجارة السلعية يقدر بنحو ستة مليارات دولار، كما أن علاقاتها في التجارة الخارجية شديدة المحدودية بسبب العقوبات الاقتصادية، وتكاد تكون العلاقات التجارية لأفغانستان محصورة في إيران وباكستان والهند والصين.

وإذا كانت البلاد في هذه الحالة من الفقر وقلة الموارد المالية، فإن قضية عودة المهاجرين بهذه الصورة المفاجئة والأعداد الكبيرة، تزيد الوضع سوءاً، وتربك الحكومة الأفغانية بشكل كبير، مما يستلزم وقفة من المجتمع الدولي تجاه العقوبات الاقتصادية المفروضة على البلاد، بحيث يتم رفع هذه العقوبات لأسباب إنسانية، وإلا سترتفع معدلات الفقر، وانعدام الأمن الغذائي بشكل كبير داخل أفغانستان.

مدخل أفضل لعلاج أزمة اللاجئين

الدول المتقدمة والمتوسطة عادة ما تحتاج إلى مساعدات في حالة الأزمات الطارئة، ولا شك أن ما تواجهه أفغانستان الآن، أمام عودة مهاجريها بشكل مفاجئ، وبأعداد كبيرة، هو مما يصنف في إطار الأزمات الطارئة. ولعل ما تقوم به مفوضية اللاجئين من إعداد معسكرات استقبال، شيء جيد، ولكنه غير كاف، فهو مجرد استراحة من عناء رحلة العودة، وبخاصة أن معظم العائدين، حرصوا على أن يجلبوا معهم ما يستطيعون من متاع، مخافة ما سيواجهونه من شظف العيش، بسبب تردي البنية الأساسية للبلاد، وكذلك عجز الحكومة التي تواجه عقوبات اقتصادية.

ولكن إذا أرادت الحكومة الأفغانية تعاملاً أفضل مع الأزمة، فعليها أن تتعامل معها بشكل لامركزي، بحيث يتم توزيع العائدين من المهجر على محافظاتهم التي ينتسبون إليها، وبذلك يتم تخفيف العبء، من حيث توفير السكن أو متطلبات المعيشة في الأيام الأولى. فرجوع العائدين من المهجر إلى محافظاتهم الأصلية، سوف يكسبهم نوعاً من الدفء الاجتماعي، ويعوضهم عن المشاعر السلبية التي عانوا منها أثناء رحلة اللجوء في إيران أو باكستان. وفي نفس الوقت ستكون عائلاتهم على الرغم من قلة ما لديهم، حريصة على تقديم العون لهم.

وبدلاً من أن تفكر الحكومة في إنشاء معسكرات إيواء، أو توفير مؤسسات تعليمية وصحية مؤقتة لهؤلاء العائدين، فإن وجودهم في محافظاتهم الأصلية، لن يكون بهذه الصورة المكلفة، حيث سيتم توزيع الطلاب على المدارس، وكذلك توفير الخدمات الصحية، وغيرها من المرافق العامة، لأعداد محدودة، تضاف إلى ما هو قائم في المحافظات المختلفة.

مشكلة التعويضات

يجد المجتمع الدولي نفسه أمام تحد إنساني، فيما يخص العائدين من المهاجرين الأفغان إلى بلادهم، وذلك من أجل توفير الحد الأدنى من مقومات المعيشة، وعلينا أن نستوعب أن الأمر الآن أفضل حالاً من شهور الشتاء القادم، حيث تكون درجات البرودة عالية، والثلوج تغطي أجزاءً كبيرة من أفغانستان، مما يجمع على العائدين من الهجرة مشكلات إضافية. مع الإشارة هنا إلى أن أفغانستان تصنف ضمن البلدان الأشد فقراً، فنصيب الفرد فيها من الدخل القومي في عام 2023 بلغ 370 دولاراً فقط. وإذا كان المجتمع الدولي جاداً في تخفيف أزمة عودة اللاجئين الأفغان فيجب التحرك فوراً لرفع العقوبات الاقتصادية عن الحكومة الأفغانية، والإفراج عن مستحقاتها من النقد الأجنبي، وهي احتياطيات البنك المركزي، التي جمدتها أميركا، وتبلغ نحو عشرة مليارات دولار، بالإضافة إلى زيادة حصة المساعدات الدولية للشعب الأفغاني.

ومما تشير إليه أرقام قاعدة بيانات البنك الدولي، أن إجمالي المساعدات الإنمائية المقدمة لأفغانستان في عام 2022 بلغ 3.7 مليارات دولار، وأن نصيب الفرد منها في نفس العام بلغ 96 دولاراً سنوياً فقط لا غير. أما الآن فقد تهاوت تلك المساعدات عقب انسحاب الاحتلال الأميركي. وداخلياً على الحكومة الأفغانية أن تطالب المؤسسات الدولية المعنية بالعون والإغاثة، بتكثيف برامجها هناك، ولا مانع من تفعيل نشاط المجتمع الأهلي، بالقيام بهذا الدور التواصلي مع المؤسسات الدولية، إذا ما كانت العقبة هي عدم الاعتراف بالحكومة الأفغانية.

وبغض النظر عن الاختلاف السياسي لدى بعض الدول الإسلامية مع الحكومة الأفغانية، إلا أن واجب الأخوة الإسلامية، يحتم الآن، سرعة تقديم المساعدات الإنسانية والإنمائية، على الأقل فيما يتعلق بغوث هؤلاء العائدين من هجرتهم قسراً، فثمة احتياجات لمنازل متنقلة، جاهزة وسريعة، كما رأينا أداء بعض الدول في حالة زلزال 2023 في تركيا وسورية، ومن الضروري، إطلاق يد المجتمع الأهلي في جميع الدول الإسلامية، للمساعدة في مجال تأمين معيشة العائدين من الهجرة في أفغانستان، وبخاصة أن الجمعيات الخيرية الإسلامية لديها تجارب ناجحة ومشرفة في هذا المضمار في أماكن عدة، وبخاصة في أفغانستان إبان فترة الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين.

المساهمون