استمع إلى الملخص
- تسعى الحكومة العراقية لمعالجة الأزمة عبر وضع ضوابط لحماية أملاك المسيحيين، لكن الناشطين يرون أن الإجراءات غير كافية ويطالبون بمحاسبة قانونية للجهات المعتدية.
- تراجعت نسبة المسيحيين في العراق من 4% إلى 1% بسبب استمرار السطو على ممتلكاتهم، ولم تحقق اللجان التحقيقية نتائج ملموسة بسبب نفوذ الجماعات المسلحة.
يسجّل العراق شكاوى جديدة من مواطنين مسيحيين، يطالبون بحماية أملاكهم من الاعتداءات التي يتعرضون لها من جهات متنفّذة في الدولة، ما يشير إلى استمرار هذه الأزمة وعدم استطاعة أجهزة الدولة في العراق السيطرةَ على الملف الذي تسبب بالاستيلاء على كثير من أملاكهم في محافظات البلاد طيلة عقدين من الزمن، وبينما كشفت الحكومة عن جملة من الضوابط والإجراءات الجديدة لضبط الملف، دعا مسيحيون لأن تكون تلك الإجراءات حازمة وتوازي حجم الانتهاكات التي يتعرضون لها.
وتعرض المسيحيون لاضطهاد كبير في العراق خلال السنوات الماضية، فبعد أن هجّرهم تنظيم "داعش" من مناطق الشمال، حاربتهم الأحزاب والمليشيات من خلال السطو على ممتلكاتهم وعقاراتهم، ما أجبر الآلاف منهم على النزوح خارج البلاد، في وقت لا يثقون فيه بتعهدات الحكومة والجهات المسؤولة بتوفير الحماية لهم. وتلقت وزارة العدل العراقية وجهات ممثلة عن المسيحيين في الأشهر الأخيرة الكثير من الشكاوى من مواطنين مسيحيين، أكّدوا استمرار تعرض ممتلكاتهم للاعتداءات ومحاولات استيلاء عليها من جهات متنفذة.
وقال مسؤول في إحدى دوائر وزارة العدل العراقية، المعنية بالعقارات، إن "الملف ما زال معقداً، وأن الوزارة تبذل جهدها بإعادة أملاك المسيحيين وتوفير الحماية لها من خلال الإجراءات المشدّدة"، وبيّن لـ"العربي الجديد"، مشترطاً عدم ذكر اسمه، أنه "مازالت هناك شكاوى بعدم إعادة الكثير من العقارات التابعة لمسيحيين والتي استولت عليها جهات متنفذة في فترات مضت، إضافة إلى شكاوى عن اعتداءات جديدة على عقارات أخرى ومحاولة الاستحواذ عليها من جهات متنفذة". وأكد أن "الوزارة تبذل جهدها بالتنسيق مع دوائر الدولة الأخرى، وهي تتحمل مسؤوليتها تجاه الملف وتتابعه باهتمام بالغ"، مشيراً إلى أن "التنسيق يجري مع الجهات الأمنية ودوائر أخرى لحماية أملاك المسيحيين".
والأسبوع الفائت، استقبل وزير العدل العراقي خالد شواني، جاثليق بطريرك الكنيسة الشرقية القديمة في العراق والعالم مار كيوركيس الثالث يونان، بحث معه ملف أملاك المسيحيين وضرورة حمايتها. ووفقاً لبيان للوزارة، فإن "الوزير أكد اتخاذ وزارة العدل جميع التدابير اللازمة لحماية الأملاك الخاصة، من خلال تشكيل لجان مختصة بهذا الشأن، إلى جانب تقديم التسهيلات المطلوبة لإنجاز المعاملات العقارية، لا سيّما للمسيحيين المقيمين خارج العراق"، مضيفاً أن "الوزارة أصدرت مجموعة من التعليمات التي تضمن حماية الحقوق العقارية لأبناء هذا المكوِّن، في إطار جهودها للحفاظ على ممتلكاتهم وتعزيز الضمانات القانونية الخاصة بهم".
وقبله بيوم واحد فقط، أكّد زعيم الكنيسة الكلدانية في العراق الكاردينال لويس روفائيل ساكو، أن الوجود المسيحي في البلاد، مازال مهدداً بسبب ما أسماها بـ"الطائفية والمُحاصصة". وأكد ساكو أن "هناك صعوبات يواجهها العراقيون المسيحيون الذين فقدوا ثلثي عددهم بسبب عمليات الخطف والقتل والتهجير من المتشدّدين الإسلاميين"، مشيراً إلى أنه "على الرغم من تحسّن الجانب الأمني إلا أن الوجود المسيحي ما يزال مهدداً بسبب الطائفية والمُحاصصة، وخصوصاً سيطرة جهات سياسية معيّنة على مقدّراتهم وتمثيلهم وحصر التوظيف بين المنتمين إليهم". وأضاف "ما نتطلع إليه هو دولة مدنية تعامل الجميع بعدالة ومُساواة. ولنا رجاء بأن يتحقق هذا الحلم على أرض الواقع، وليس بالكلام الطيب الذي نسمعه".
وسبق أن أطلقت الحكومات العراقية السابقة وعوداً وإجراءات لحفظ أملاك المسيحيين في البلاد، إلا أن تلك الوعود لم تكن مجدية، أمام سُجّل من اعتداءات وسلب لكثير من أملاكهم في عموم محافظات البلاد، ويؤكد ناشطون مسيحيون، أن عمليات السطو على أملاك المسيحيين مازالت مستمرة في العراق، عن طريق التلاعب بالأوليات والأوراق الثبوتية في الدوائر المعنية بالعقارات، فضلاً عن أنّ استمرار الشعور بالخوف من عدم وجود حماية للمسيحيين، يجعل بقاءهم مهدداً في البلاد.
وفي هذا الصدد، قال الناشط الحقوقي غسان متي لـ"العربي الجديد": "نتلقى نحن مع دوائر الدولة الأخرى شكاوى مستمرة عن انتهاكات واعتداءات جهات متنفذة على أملاك المسيحيين"، مبيناً أن "المكوّن المسيحي ينظر إليه بوصفه أقليةً في العراق من الأحزاب والفصائل المسلحة، ما يدفعها إلى الاعتداء عليه ومحاولة سلب حقوقه وأملاكه بالقوة". وأكد أن "الإجراءات التي تتحدث عنها الحكومة لا ترقى لمستوى الظلم الذي نتعرض له، ونحتاج إلى خطوات عملية من الحكومة تنهي تلك التجاوزات وتضع حداً لها، مع محاسبة قانونية للجهات التي ثبت اعتداؤها على أملاك المسيحيين"، داعياً الحكومة إلى "الاهتمام بالملف وتوفير حماية للمسيحيين الذين يريدون العيش بسلام في البلاد".
من جهته، انتقد المختصّ بالشأن القانوني العراقي، بهاء التميمي، عدم إحالة أي جهات للمحاسبة القانونية بتهمة التهديد أو الاستيلاء على ممتلكات المسيحيين طيلة السنوات السابقة، وقال لـ"العربي الجديد" إن "القانون حازم في التعامل مع عمليات الاستيلاء بالقوة على الأملاك وتزوير الأوراق الثبوتية، لكنّ عدم وجود محكومين بتلك التهم يثبت أن الحكومات السابقة لم تتعامل بمهنية مع الملف ولم تكن جادة بمحاسبة تلك الجهات". ودعا الحكومة الحالية إلى أن "تكون أكثر حزماً وقوة في هذا الملف، وأن تعيد الأملاك لأصحابها وألّا تجامل على حساب القانون وتطبيقه".
وتراجعت نسبة المسيحيين في العراق من 4% إلى نحو 1%، بحسب تصريحات سابقة لمسيحيين، ولا يوجد إحصاء رسمي لقيمة أملاك المواطنين التي سُلبت أو نُقلت ملكيتها، إلا أن مراقبين يقدرون قيمة الممتلكات التابعة للدولة، التي جرى الاستيلاء عليها من قوى سياسية مختلفة بعد عام 2003، بأكثر من عشرين مليار دولار، تشمل مباني ومواقع مختلفة، وكانت وافقت آنذاك سلطة الائتلاف المؤقتة الأميركية على أن تشغلها الأحزاب التي شاركت في العملية السياسية عقب الغزو الأميركي للبلاد. وعلى مدى السنوات السابقة أعلنت الحكومات العراقية المتعاقبة تشكيل لجان تحقيقية للتحقيق في هذا الملف، إلا أن تلك اللجان لم تقدم شيئاً، في ظل نفوذ واسع وخطير للجماعات المسلحة التي استولت على كثير من عقارات المسيحيين.