استمع إلى الملخص
- تأثرت الأسواق المالية بشكل كبير، حيث تراجع مؤشر جاكرتا للأسهم وانخفضت الروبية، مما زاد من كلفة الاستيراد وارتفاع أسعار السلع الأساسية، وارتفعت عوائد السندات الحكومية.
- تأثرت قطاعات التجزئة والنقل والسياحة، خاصة في بالي، مع احتمال إلغاء الحجوزات، مما يهدد الإيرادات ويزيد الضغط على ميزان المدفوعات.
سبّبت الاحتجاجات الواسعة التي اجتاحت العاصمة جاكرتا ومدناً إندونيسية عدة في الأيام الأخيرة الماضية خسائر اقتصادية مليارية، بعدما تكبدت الأسواق المالية ضربات قوية وانخفضت الروبية إلى أدنى مستوياتها منذ أشهر، ما استدعى تدخل بنك إندونيسيا المركزي بعمليات بيع للنقد الأجنبي وشراء سندات للحد من نزيف الأسواق. وترافقت الخسائر في إندونيسيا مع تقارير عن تعطل واسع في أنشطة التجزئة والنقل الحضري، فضلا عن تهديد قطاع السياحة في جزيرة بالي مع موسم الذروة.
وقال محللون، إن استمرار الاضطرابات قد يحول الخسائر المؤقتة إلى أزمة هيكلية تمس ثقة المستثمرين الأجانب وتزيد من مخاطر تراجع النمو. والاثنين الماضي، بدأت احتجاجات محدودة اعتراضاً على ما وصفه المتظاهرون بالامتيازات المفرطة لأعضاء البرلمان، قبل أن تتحول إلى موجة واسعة من الغضب الشعبي عقب مقتل سائق دراجة نارية في اشتباك مع قوات الشرطة أثناء تفريق مظاهرة بالقرب من مبنى البرلمان يوم الخميس. ومع اتساع نطاق التوتر، أُحرقت منازل عدد من الشخصيات السياسية، وتعرضت مقار حكومية محلية للنهب، فيما امتدت المظاهرات إلى مدن كبرى مثل ماكاسار وبالي، حيث تزايدت المخاوف من أن يؤثر الاضطراب على قطاعات حيوية مثل السياحة والتجارة.
إلغاء امتيازات النواب
وأمس الأحد، أعلن الرئيس الإندونيسي برابوو سوبيانتو، في مؤتمر صحافي بالقصر الرئاسي محاطاً بقادة الأحزاب السياسة، أن الأحزاب وافقت على إلغاء عدد من الامتيازات الممنوحة لأعضاء البرلمان، ووصفت رويترز هذا الإعلان بالتنازل الكبير. وشملت حزمة التنازلات خفض بدلات السكن والرواتب المقررة للنواب وتعليق رحلات العمل إلى الخارج. وقال سوبيانتو: "أمرت الشرطة والجيش باتخاذ إجراءات صارمة بقدر الإمكان ضد أعمال تدمير المرافق العامة ونهب منازل الأفراد والمراكز الاقتصادية، وفقا للقوانين". وتمثل الاحتجاجات أكبر اختبار حتى الآن للحكومة التي مضى على تشكيلها قرابة عام، والتي لم تواجه معارضة سياسية تذكر منذ توليها السلطة في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وانعكست الاحتجاجات بسرعة على الأسواق المالية. فقد تراجع مؤشر جاكرتا المركب للأسهم بأكثر من 2% خلال جلسات الأسبوع الأخير من أغسطس/آب، وهو ما يعادل خسارة سوقية تقدر بنحو 200 إلى 250 تريليون روبية، أي ما يتراوح بين 13 و16 مليار دولار، بحسب بيانات بورصة جاكرتا. وتركزت الخسائر على أسهم البنوك والطاقة وشركات التجزئة، في إشارة إلى حساسية هذه القطاعات لتقلبات الطلب المحلي والاستقرار السياسي. ووفقاً لمتعاملين تحدثوا إلى بلومبيرغ، فإن مبيعات الأجانب للأسهم بلغت أعلى مستوياتها منذ بداية العام، ما يشير إلى مخاوف من أن استمرار الاضطرابات سيؤدي إلى نزوح رؤوس أموال أكبر في المدى القريب.
وفي سوق الصرف، هبطت الروبية إلى مستوى 16450 مقابل الدولار، وهو الأضعف منذ مايو/أيار الماضي. وقال مسؤولون في البنك، بحسب رويترز، إن الأساسيات الكلية ما تزال قوية، مشيرين إلى نمو الاقتصاد بمعدل 5.12% في الربع الثاني من العام وتراجع التضخم إلى 2.3% في يوليو الماضي. غير أن المحللين يرون أن استمرار هبوط الروبية فوق 16.4 ألف للدولار سيؤدي إلى زيادة كلفة الاستيراد وارتفاع أسعار السلع الأساسية، ما قد يضغط على القدرة الشرائية ويضعف أثر السياسة النقدية التيسيرية التي اتبعها البنك بخفض الفائدة إلى 5% الأسبوع الماضي.
وفي سوق الدين، ارتفعت عوائد السندات الحكومية لأجل عشر سنوات بنحو 15 نقطة أساس خلال أسبوع، لتسجل 6.9%، وهو أعلى مستوى منذ الربيع الماضي. وتقول وزارة المالية إنها تراقب عن كثب تأثير الاحتجاجات على ثقة المستثمرين، مؤكدة أن العجز المستهدف عند 2.78% من الناتج المحلي الإجمالي للعام 2025 ما زال تحت السيطرة. لكن محللين اقتصاديين أشاروا إلى أن أي استمرار للاضطراب قد يرفع كلفة الاقتراض السيادي والشركاتي، ما يعرض خطط الحكومة الاستثمارية في البنية التحتية والطاقة للتأجيل أو المراجعة.
فاتورة إضافية
وفي سياق الخسائر، أغلقت عشرات المتاجر أبوابها في وسط جاكرتا نتيجة الاضطرابات الأمنية، وتوقفت بعض خدمات النقل الحضري لساعات، ما كبّد قطاع التجزئة خسائر تشغيلية يومية قدرت بنحو 50 إلى 70 مليار روبية، وفق تقارير نشرتها وسائل إعلام محلية. كما تعرضت مقار حكومية في أقاليم عدة إلى التخريب، ما يعني فاتورة إضافية لإعادة التأهيل ستتحملها موازنات السلطات المحلية والحكومة المركزية. ويشير مراقبون إلى أن إعادة توجيه الإنفاق لإصلاح الأضرار قد يأتي على حساب مشاريع تنموية واستثمارية أخرى.
وتواجه السياحة، أحد أكبر مصادر العملة الأجنبية لإندونيسيا، تهديداً مباشراً. فامتداد المظاهرات إلى جزيرة بالي خلال موسم الذروة السياحية يثير قلقاً من إلغاء الحجوزات. وتشير تقديرات أولية إلى أن أي انخفاض بنسبة 15% في الحجوزات خلال الأسابيع المقبلة قد يحرم البلاد من مئات ملايين الدولارات من الإيرادات، ما يزيد الضغط على ميزان المدفوعات. وكانت إندونيسيا قد استقبلت أكثر من 11 مليون سائح في 2024، مع توقعات رسمية بزيادة الرقم هذا العام. لكن صور المواجهات في وسائل الإعلام العالمية قد تؤدي إلى تراجع ثقة السياح، وهو ما يعمّق الخسائر الاقتصادية.