الاتفاق التجاري الأميركي مع بريطانيا يكشف أسلوب ترامب في التفاوض
استمع إلى الملخص
- تواجه الولايات المتحدة تحديات في المفاوضات التجارية مع دول آسيوية والاتحاد الأوروبي، حيث تستغرق المحادثات وقتاً طويلاً بسبب الفوائض التجارية والنفوذ الاقتصادي.
- نجحت المملكة المتحدة في خفض الرسوم على الصلب والألمنيوم، لكن الاتفاق لم يتناول الحواجز غير الجمركية أو الصين، مع توقع جولة محادثات جديدة بين الولايات المتحدة والصين.
تقدم الاتفاقية التجارية التي وقّعها الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع المملكة المتحدة لمحة أولية عن نهجه في إبرام الصفقات، وتكشف عن استعداده للاحتفال بالتقدم حتى قبل التوصل إلى اتفاق نهائي، في خطوة تهدف إلى تحقيق مكاسب سياسية داخلية.
وأعلن ترامب عن إطار عمل تجاري بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في المكتب البيضاوي، تضمن وعوداً بتسريع مرور السلع الأميركية عبر الجمارك البريطانية، وتخفيض الحواجز الجمركية على صادرات تقدر بمليارات الدولارات. في المقابل، أعلنت الحكومة البريطانية عن خفض الرسوم الجمركية على السيارات البريطانية إلى 10%، وعلى المعادن إلى صفر، مع استمرار المفاوضات بشأن التفاصيل النهائية خلال الأسابيع المقبلة.
وقالت رئيسة قسم السياسات التجارية في مؤسسة "هينريش" ديبورا إلمز، في سنغافورة إن كنتم تعتقدون أنكم بحاجة لإبرام صفقة حقيقية خلال 90 يوماً، فإنّ ما جرى مع المملكة المتحدة يوضح أن الأمر ليس كذلك بالضرورة... يمكنكم الآن رسم مخطط لخطة عمل، وفقاً لما ذكرته وكالة "بلومبرغ".
لكن على الرغم من ذلك، حذّر المحللون من استخلاص استنتاجات عامة، نظراً للطبيعة الخاصة للعلاقة الأميركية البريطانية، وأشاروا إلى أن ترامب احتفظ ببعض الرسوم المقترحة، ووافق على استثناءات محددة فحسب، دون أن يتطرّق إلى الصين، ما يقلل من إمكانية اعتبار هذه الاتفاقية نموذجاً يُحتذى للدول الأخرى.
وفي السياق، ووفقاً لما ذكرته وكالة "بلومبرغ"، قال كبير الاستراتيجيين في شركة T&D لإدارة الأصول في طوكيو هيروشي ناميوكا، إنّه لا يمكن التفاؤل بمجرد الإعلان الأميركي البريطاني، وليس لدى الولايات المتحدة عجز تجاري مع المملكة المتحدة، لذا كان الوصول إلى الاتفاق أسهل.
وتُعد دول آسيوية مثل اليابان، فيتنام، وكوريا الجنوبية، التي تتمتع بفوائض تجارية كبيرة مع الولايات المتحدة، أكثر حذراً في محادثاتها التجارية مع واشنطن، وسط مؤشرات ضئيلة على تحقيق تقدم. وقال وزير التجارة الأميركية هوارد لوتنيك، إن المفاوضات مع اليابان وكوريا الجنوبية تستغرق وقتاً طويلاً للغاية، والهند قد تكون من بين الدول التالية التي تتوصل إلى اتفاق، إلا أن المفاوضات ما زالت تتطلب جهداً إضافياً.
وفيما يتعلق بالاتحاد الأوروبي، فإن حجم اقتصاده الكبير يمنحه القدرة على الرد عبر فرض رسوم جمركية مضادة، الأمر الذي يمنحه بعض النفوذ، لكنه يُبطئ في الوقت ذاته مسار المفاوضات. وقال الشريك في شركة "فلينت جلوبال" في لندن سام لو إنه بخلاف المملكة المتحدة، لا يُمكن تجاهل قدرة الاتحاد الأوروبي على إلحاق ضرر اقتصادي بالولايات المتحدة.
ومن أبرز النقاط في الاتفاق الأميركي البريطاني تخفيض الرسوم على السيارات البريطانية من 27.5% إلى 10% على ما يصل إلى 100 ألف سيارة سنوياً، إلا أن هذا التنازل قد لا يكون كافياً أو قابلاً للتكرار في مفاوضات مع دول تصدّر كميات أكبر من السيارات إلى أميركا، مثل اليابان وكوريا الجنوبية، وفي الوقت نفسه تطالب طوكيو بإلغاء كامل للرسوم الجمركية الأميركية على سياراتها.
واعتبر كبير المفاوضين التجاريين اليابانيين ريوسي أكازاوا أنهم سيواصلون السعي لإعادة النظر في الإجراءات الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة. وفي السياق ذاته، أشار هيوسونغ كوون من "بلومبرغ إيكونوميكس" إلى أن خفض الرسوم قد يتطلب من كوريا الجنوبية تقديم تنازلات أخرى، مثل زيادة وارداتها من الغاز الطبيعي المُسال الأميركي، وتخفيف القيود غير الجمركية على المنتجات الزراعية الأميركية.
ويرى بعض المحلّلين أن الضريبة الجمركية الأساسية التي تفرضها الولايات المتحدة، والبالغة 10%، تُعد سقفاً يصعب تجاوزه، وأن محاولة التفاوض على تخفيضها إلى ما دون هذا الحد لن تكون ذات جدوى حقيقية في الوقت الحالي، بحسب ديبورا إلمز.
في المقابل، نجحت المملكة المتحدة في خفض الرسوم الأميركية على الصلب والألمنيوم من 25% إلى صفر، فيما أطلقت الولايات المتحدة على هذا التفاهم اسمَ اتحاد تجاري جديد، إلّا أن آثار هذا التفاهم على دول أخرى ما زالت غير واضحة.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن هذا الاتفاق لم يُظهر أي معالم واضحة بشأن الحواجز غير الجمركية مثل اللوائح التنظيمية والدعم الحكومي، التي تعتبر من القضايا الأساسية في النزاعات التجارية، كما أكدت بريطانيا أنها لن تخفف من معايير فحص السلامة على الواردات الغذائية، رغم رفع الرسوم على لحوم البقر وغيرها من المنتجات الزراعية.
واللافت أيضاً هو غياب أي إشارة إلى الصين في الاتفاق، رغم تصريحات مسؤولين أميركيين عن رغبتهم في إشراك حلفائهم في الضغط على بكين، ومن المتوقع أن تُعقد جولة جديدة من المحادثات بين الولايات المتحدة والصين في سويسرا هذا الأسبوع.