بعد 5 سنوات من المطالب ... الاتحاد الأوروبي يقبل مراجعة اتفاق الشراكة مع الجزائر

17 فبراير 2025
الاتحاد الأوروبي استفاد كثيراً من اتفاقه مع الجزائر (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- وافق الاتحاد الأوروبي على إعادة النظر في اتفاق الشراكة التجارية مع الجزائر، الذي تسبب في خسائر مالية كبيرة للجزائر بسبب عدم قدرة الشركات الجزائرية على منافسة نظيرتها الأوروبية.
- أكد السفير الأوروبي على أهمية تحديث الاتفاقية لتعزيز العلاقات الاستراتيجية بين الجزائر والاتحاد الأوروبي، مع التركيز على تنويع الاقتصاد الجزائري وتعزيز قاعدته الصناعية.
- دعا الخبير الاقتصادي جلول سلامة إلى إشراك مفاوضين أكفاء لضمان علاقة متوازنة، مشددًا على تجنب الأخطاء السابقة لتحقيق علاقة "رابح-رابح".

بعد أن كررت الجزائر مطالبها طيلة العهدة الأولى للرئيس تبون بضرورة مراجعة اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، أرسلت بروكسل أخيرًا، وللمرة الأولى، إشارات واضحة تفيد بقبول طلب البلد العربي إعادة النظر في هذه الاتفاقية التجارية التي تسببت له، وفق متابعين، في خسائر فادحة. وجاء موقف الاتحاد الأوروبي على لسان سفيره لدى الجزائر دييغو مايادور، خلال كلمة ألقاها في افتتاح يوم دراسي نُظِّم بالعاصمة الجزائرية من طرف البعثة الأوروبية بالتعاون مع سفارة بولندا ووكالة ترقية الاستثمار الحكومية الجزائرية. 

وفي كلمته، جدد السفير مايادور، ممثل الاتحاد الأوروبي بالجزائر، التأكيد على الطابع "الأساسي والاستراتيجي" للعلاقات بين الطرفين الأوروبي والجزائري، مؤكدًا أن سنة 2025 ستكون مفصلية، كما أنها فرصة جيدة لتعميق هذه العلاقات وتعزيزها على أساس شراكة "مربحة للطرفين". وقال: "بعد 20 سنة من تطبيق اتفاق الشراكة ومواجهة الحقائق الجيوستراتيجية الجديدة، حان الوقت لإعادة النظر في شراكتنا والنظر في علاقاتنا بمجملها، لا سيما في سياق الميثاق الجديد من أجل المتوسط".

ولفت المسؤول الأوروبي إلى أن الاتحاد الأوروبي ملتزم بمراجعة هذه الاتفاقية مع الجزائر، نظرًا إلى وجود ما وصفه بالحاجة إلى تحديث هذا الاتفاق بما يتماشى مع التغيرات الحاصلة في المناخ التجاري والمعطيات الاقتصادية التي تميز المرحلة الحالية. كما أكد السفير مايادور أن الجزائر "بإمكانها استقطاب المزيد من الاستثمارات الأوروبية وتطوير وتسهيل مبادلاتنا التجارية وتكامل اقتصادينا"، معتبرًا أن من حق الجزائر أيضًا السعي لتنويع اقتصادها وتعزيز قاعدتها الصناعية، وهو أمر "مشروع".

وترتبط الجزائر والاتحاد الأوروبي باتفاق الشراكة، وهو معاهدة تجارية وُقِّعت عام 2002، ودخلت حيز التنفيذ في 1 سبتمبر/أيلول 2005، خلال عهد الرئيس السابق الراحل عبد العزيز بوتفليقة. وينص الاتفاق على تفكيك تدريجي للتعريفات الجمركية للسلع والبضائع في الاتجاهين، لكن الشركات الجزائرية، سواء الحكومية أو الخاصة، لم تستطع منافسة نظيرتها الأوروبية كون اقتصادها يعتمد أساسًا على تصدير المشتقات النفطية.

ومنذ سنوات، تطالب الجزائر بمراجعة اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي الذي وصفته بأنه "مجحف" وغير "متوازن"، إذ تسبب في خسائر مالية كبيرة لها. وخلال ولايته الأولى، وجّه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، أكثر من مرة، بضرورة إعادة النظر في الاتفاقيات التجارية، لا سيما مع الاتحاد الأوروبي.

ومطلع العام الجاري، وجّه تبون لجنة خاصة كان قد كلفها بتحضير مقترحات الجزائر في إطار مراجعة اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي. وحسب أرقام غير رسمية، فإن الجزائر تكبدت خسائر تُقدَّر بنحو 30 مليار دولار منذ عام 2005، خصوصًا جراء عمليات التفكيك الجمركي، واستمرار تدفق السلع والبضائع في اتجاه واحد من أوروبا نحو الجزائر.

وصدرت عن التكتل الأوروبي عدة انتقادات تجاه الجزائر، خصوصًا منذ أن بدأت الدولة العربية في تطبيق إجراءات حمائية تهدف إلى تحجيم الواردات وكبح نزيف النقد الأجنبي. وفي تصريحات صحافية لوزير الخارجية أحمد عطاف قبل أسابيع قليلة، أكد مسؤول الدبلوماسية الجزائري أن المبادلات التجارية بين الطرفين منذ عام 2005 بلغت 1000 مليار دولار، لكن الجزائر لم تستفد سوى من استثمارات أوروبية بقيمة 13 مليار دولار، رغم أن الاتفاق ينص على عكس ذلك، حيث عاد منها 12 مليار دولار في شكل أرباح محولة.

ولفت عطاف إلى أن الاتحاد الأوروبي بات يغلق الأبواب أمام المنتجات الجزائرية، خصوصًا بعد تطور النسيج الصناعي للبلاد مقارنة بالفترات السابقة، لكن بروكسل، حسب قوله، تتحجج في كل مرة بأن دخول السلع والبضائع الجزائرية محدد مسبقًا وفق "حصص" بموجب المعاهدة. في هذا السياق، يرى الخبير الاقتصادي جلول سلامة أن إعلان الاتحاد الأوروبي، على لسان سفيره بالجزائر، عن استعداده لإعادة النظر في اتفاق الشراكة مع الجزائر، يشكل فرصة ثمينة لتفادي الأخطاء السابقة التي كبّدت البلاد خسائر بعشرات مليارات الدولارات.

وأوضح سلامة، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن الجزائر أمام فرصة لإشراك فريق من المفاوضين الأكفاء، بعيدًا عن البيروقراطيين الذين لم يحسنوا التفاوض قبل توقيع الاتفاق السابق. وبما أن الاتحاد الأوروبي قبل المراجعة، شدد المتحدث على أن الفريق المفاوض الجزائري يجب أن يتحلى بالصرامة، بحيث تفضي إعادة النظر في هذه الاتفاقية إلى علاقة متكافئة ومتوازنة، لتجنب خسائر بعشرات مليارات الدولارات، كما كان الحال منذ عام 2005، لإعادة الاتفاق إلى مسار "رابح-رابح".

المساهمون