الإمارات تسعى لإنهاء احتكار الشركات العائلية خوفاً من السعودية

الإمارات تسعى لإنهاء احتكار الشركات العائلية خوفاً من السعودية

26 ديسمبر 2021
مركز تجاري في دبي (Getty)
+ الخط -

قالت صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية، إن دولة الإمارات أبلغت عدداً من كبريات الشركات العائلية بأنها تخطط لإنهاء أشكال احتكارها للوكالات التجارية، ومبيعات البضائع المستوردة، في إطار سعي الدولة لاستقطاب المزيد من الاستثمارات، وذلك بعد الإجراءات الواسعة التي اتخذتها المملكة العربية السعودية، لجذب الشركات متعددة الجنسيات لنقل مقارها الإقليمية إلى الرياض.

وعلى مدار عقود، كان يتعين على الشركات متعددة الجنسيات، تعيين شركاء محليين من أجل توزيع بضائعها داخل الدولة، وتقدمت الحكومة الإماراتية بتشريع مقترح من شأنه أن ينهي التجديد التلقائي لاتفاقيات الوكالات التجارية الحالية، مما يمنح الشركات الأجنبية المرونة لتوزيع بضائعها، أو تغيير وكيلها المحلي عند انتهاء مدة العقد.

ونقلت الصحيفة البريطانية، اليوم الأحد، عن مسؤول إماراتي قوله: "لم يعد مُجدياً أن يتمتع عدد من الشركات العائلية بمثل هذه الصلاحيات، والأفضلية لجني ثروة سهلة، لا بد لنا أن نعمل على تحديث اقتصادنا".

وتوقع مسؤولون أن توافق القيادة الإماراتية على القانون الجديد، علماً أن التوقيت ما يزال غير محدد، إذ لم تقدم الحكومة الإماراتية تعليقاً في هذا الصدد.

فسخ عقد اجتماعي طويل الأمد مع الشركات

ومن شأن الإصلاح المقترح أن يؤدي إلى فسخ العقد الاجتماعي طويل الأمد بين الحكومة والشركات العائلية المؤثرة، بما في ذلك أشهر العلامات التجارية مثل: "الفطيم"، و"الرستماني"، و"جمعة الماجد"، لتنهي عقوداً من الحماية للمصالح المحلية لصالح الشركات الأجنبية.

وقال حبيب الملا، الرئيس التنفيذي لمكتب شركة "بيكر ماكنزي الشرق الأوسط" للمحاماة: "يعد هذا الأمر واحداً من المحظورات التي يصعب الاقتراب منها، نظراً لتأثيرها على الشركات المحلية المملوكة لعائلات، وهي واحد من أكبر قطاعات الاقتصاد الإماراتي".

وتشكل الشركات المملوكة للعائلات، من شركات صغيرة إلى مجموعات كبيرة تم تأسيسها على مدى عقود من قبل مجموعات تجارية رائدة 90% من القطاع الخاص في الإمارات، والذي يمثل بحد ذاته حوالي ثلاثة أرباع العمالة.

وتعد التغييرات جزءاً من مسعى الإمارات لاستقطاب المزيد من الاستثمار من خلال التعديلات القانونية والاجتماعية التنافسية، مثل برامج الإقامة طويلة الأجل.

وتسارعت وتيرة الإجراءات الإماراتية في أعقاب المنافسة الاقتصادية الناشئة مع المملكة العربية السعودية، التي ترمي خططها إلى تنويع اقتصادها بعيداً عن النفط، إذ تسعى إلى جذب الشركات متعددة الجنسيات لنقل مقارها الإقليمية إلى الرياض.

وفي فبراير/ شباط من العام الجاري 2021، اتخذت الحكومة السعودية جملة من القرارات التي تستهدف إلزام الشركات بفتح مقراتها الإقليمية في المملكة، ما اعتبر إرباكا لم تظهر حدته بعد لحليفتها الإمارات، حيث تعني الخطوة السعودية سحب هذه الشركات من أسواق إقليمية منها دبي تحديداً.

44 شركة عالمية تستقر في الرياض

وقررت الرياض عدم منح عقود حكومية لأية شركة أجنبية يقع مقرها الإقليمي في دولة أخرى غير المملكة، اعتباراً من 2024. وفي أكتوبر/ تشرين الأول أعلنت السعودية، أنها منحت بالفعل تراخيص لـ44 شركة عالمية لإنشاء مقرات إقليمية في الرياض.

وذكرت وكالة الأنباء السعودية "واس" حينئذ عن فهد الرشيد، الرئيس التنفيذي للهيئة الملكية لمدينة الرياض، أن عمل هذه الشركات سيضيف 67 مليار ريال (18 مليار دولار) إلى الاقتصاد السعودي، وسيوفر نحو 30 ألف فرصة عمل بحلول عام 2030.

والتراخيص الممنوحة تضم شركات متعددة الجنسيات في قطاعات، منها التكنولوجيا والأغذية والمشروبات والاستشارات والتشييد، ومنها ديلويت ويونيليفر وبيكر هيوز وسيمنس.

ويبدو أن الخطوات السعودية لجذب الشركات الأجنبية دفعت الإمارات نحو محاولة الحفاظ على تواجد الشركات العالمية بها وجذب المزيد منها من خلال تقليص احتكار الشركات العائلية المحلية، وهو ما أثار مخاوف هذه الشركات التي قالت مصادر لـ "فاينانشال تايمز" إن مجموعة من كبريات الشركات العائلية في دبي لجأت إلى الشيخ مكتوم بن محمد بن راشد نائب حاكم دبي، تعبيراً عن قلقها حيال تسارع التغييرات المقترحة.

وتهيمن الشركات العائلية في دبي على قطاع التجزئة، الذي يساهم بتعزيز قطاع السياحة المزدهر في الإمارة، والذي يشهد تعافياً مجدداً بعد جهودها الناجحة للتعامل مع جائحة كورونا، واستقطاب الزائرين والمقيمين الجدد للإمارة.

وعند انتهاء مدة اتفاقيات الوكالة التجارية؛ من المتوقع أن يتلقى الوكلاء المحليون تعويضاً عن استثماراتهم في شبكات البنية التحتية للتجزئة والمبيعات.

مهلة للشركات العائلية في الإمارات

ووفق حبيب الملا، الرئيس التنفيذي لمكتب شركة "بيكر ماكنزي الشرق الأوسط" للمحاماة : "سيستفيد المستهلك إذا انتقل النموذج من الوكيل الحصري إلى أكثر من موزع. ومع ذلك، فقد ضخ الوكلاء المحليون استثمارات كبيرة في هذه الوكالات، وسيكون من وجهة النظر العادلة منحهم على الأقل بضع سنوات لإيجاد نموذج أفضل مع شركاء رئيسيين أجانب، أو للحصول على عائد على استثماراتهم".

وفي السنوات الأخيرة، سُمح لبعض الشركات الوافدة الجديدة، بما في ذلك "أبل" للتكنولوجيا، و"تسلا" لصناعة السيارات الأميركيتين بفتح متاجر لها في الدولة دون وكلاء محليين.

وتطلب الشركات متعددة الجنسيات الأخرى من شركائها المحليين تغيير اتفاقيات الوكالة إلى مشاريع مشتركة، مما يمنحهم مزيداً من التحكم في التسويق، وزيادة عائداتهم المحتملة. وبحسب المصادر فإن الشركات العائلية، التي تدرك النهاية الحتمية لاتفاقيات الوكالات القديمة، توافق على مثل هذه المطالب.

وقال أحد أصحاب الشركات العائلية: "هذا هو الشيء الصحيح الذي يجب إنجازه الآن، ولكن ربما ليست هذه هي الطريقة الصحيحة لتقديمه.. علينا أن نتحرك مع الزمن، لكن التغييرات تحتاج أيضاً إلى مزيد من المشاورات".

ويقول ممثلو المجموعات العائلية، إن الشركات متعددة الجنسيات، بدلاً من الاضطلاع بالعمليات في سوق الإمارات، التي يبلغ عدد سكانها 10 ملايين شخص، ربما تختار تعيين وكلائها في دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، مثل السعودية الأكثر كثافة سكانية.

السعودية تغير قواعد الاستيراد من دول الخليج

قال أحد رجال الأعمال: "تعتقد الحكومة أن العلامات التجارية العالمية سوف تغرق السوق بشكل مفاجئ، ولكن في الواقع ستهيمن وكالات دول مجلس التعاون الخليجي". مع ذلك، تعتقد الحكومة أن فتح السوق المحلية سيؤدي إلى خفض الأسعار للمستهلكين.

وتشكو الشركات العائلية أيضاً من أن التغييرات المتسرعة تأتي في وقت تعول فيه الحكومة على القطاع الخاص لتوظيف المزيد من المواطنين.

وكانت الحكومة قد قالت إنه على مدى السنوات الخمس المقبلة يجب أن يشكل المواطنون 10% من الموظفين في الشركات الخاصة، التي اعتمدت عادة على العمالة الرخيصة المستوردة.

وبجانب الإجراءات السعودية لجذب الشركات العالمية، غيرت المملكة في يوليو/ تموز الماضي، قواعد الاستيراد من بقية بلدان دول مجلس التعاون الخليجي لاستبعاد سلع منتجة في مناطق حرة أو تستخدم مكونات إسرائيلية من الامتيازات الجمركية التفضيلية، في خطوة اعتُبرت تحدياً لمكانة الإمارات كمركز إقليمي للتجارة والأعمال.

وتستبعد القواعد التجارية السعودية الجديدة من الاتفاق الجمركي لمجلس التعاون الخليجي سلع الشركات التي تقل نسبة العاملين المحليين بها عن 25% من قوة العمل، الأمر الذي يعد مشكلة لبلد مثل الإمارات حيث معظم السكان من الأجانب.