الإمارات: تحوّطات من عقوبات دولية على غسل الأموال

الإمارات: تحوّطات من عقوبات دولية على غسل الأموال

28 مارس 2023
تشديد الرقابة لحماية المصارف الإماراتية من غسل الأموال (Getty)
+ الخط -

عاصفة إجراءات رقابية حازمة أعلنتها دولة الإمارات العربية المتحدة، خلال الأيام الماضية، لمحاربة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، بعدما وُضعت البلاد التي تعتبر المركز المالي في منطقة الشرق الأوسط، على قائمة البلدان الخاضعة لتدقيق شديد.

واعترف المكتب التنفيذي لمواجهة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في الإمارات، لأول مرة، في 28 فبراير/شباط، بتلقيه ما يزيد عن 200 طلب دولي للتحقيق بجرائم غسل أموال، وأن الدولة تواصل عمليات التحقيق في جرائم غسل الأموال بحوالي 270 قضية، حسبما أوردت وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية (وام).

ضغوط متصاعدة
جاء الإعلان الإماراتي ممهداً لتأكيد رسمي على التزام الدولة بمواصلة العمل على تطوير منظومتها لمواجهة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، في ظل ما تتعرض له من ضغوط دولية شديدة، بلغت حد وضع هيئة الرقابة الرئيسية لمكافحة غسل الأموال في العالم الإمارات على "القائمة الرمادية" للبلدان التي تحتاج إلى مزيد من المراقبة، في مارس/آذار 2022.

اقتصاد دولي
التحديثات الحية

وتطور التصنيف الإماراتي إلى وضع أكثر سوءاً، بإصدار مركز الديمقراطية للشفافية (DCT) تقريراً، في 4 إبريل/نيسان 2022، وصف فيه الإمارات بأنها "أكبر جنة إجرامية في العالم"، في ظل توفيرها "ملاذاً آمناً للتهرب الضريبي وأموال الفاسدين".
وفي 2 مايو/أيار 2022، أورد تحقيق مطول، نشره الاتحاد الدولي للصحافة الاستقصائية، أن الإمارات أصبحت موطناً مزدهراً للشركات الوهمية التي تخفي هويات أصحابها الحقيقيين، وبالتالي تجتذب تدفقات مالية كبيرة لبعض المجرمين الأكثر شهرة في العالم.

واستند التحقيق إلى وثائق "باندورا"، وهي مجموعة من السجلات السرية، التي حصل عليها الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين، وتبع نشره إدانات قضائية أوروبية تؤكد تهمة الغسيل المالي بحق الإمارات، خاصة إمارة دبي.

وقبل أسابيع، بعث المفوض الأوروبي للاستقرار المالي، مايريد ماكغينيس، برسالة إلى مدير منظمة الشفافية الدولية غير الحكومية (TI) في الاتحاد الأوروبي، مفادها اقتراح من بروكسل على البرلمان الأوروبي والمجلس الأوروبي، بإضافة الإمارات إلى قائمة الدول الثالثة بدرجة عالية من المخاطر، على خلفية مزاعم حول مساعدة الإمارات لروسيا في الالتفاف على العقوبات الغربية.

وفي 23 فبراير/شباط الماضي، أفاد موقع "أفريكا إنتليجنس" الفرنسي بأنّ النائب العام الليبي المستشار الصديق الصور، يجري تحقيقاً بشأن "تحويل مشبوه" بقيمة 4 ملايين دولار من المؤسسة الوطنية للنفط لحساب سويسري تابع لشركة BGN الإماراتية، مشيراً إلى أن النائب العام الليبي "يشتبه في ارتباط العديد من هذه المدفوعات بعملية غسل أموال".

القائمة الرمادية
وسبق أن أضيفت الإمارات إلى قائمة "فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية"، التي تتخذ من باريس مقرّاً لها، وتضمّ 23 عضواً، لتنضم بذلك إلى دول مثل اليمن وسورية وجنوب السودان.

وقالت منظمة المراقبة العالمية في بيان، إن الدول المدرجة على القائمة الرمادية "تعمل بنشاط مع فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية لمعالجة أوجه القصور الاستراتيجية في أنظمتها لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وتمويل انتشار أسلحة دمار شامل". وإزاء ذلك، قرر مصرف الإمارات المركزي، في 27 فبراير/شباط الماضي، إلغاء ترخيص شركة الرشيد للصرافة العاملة في البلاد، وشطب اسمها من السجل، وذلك بعد تفتيش كشف عن تعمد الشركة إخفاء عوائد الحوالات، الأمر الذي أدى إلى إخفاقها في الامتثال لمتطلبات السيولة، وتزويد المصرف المركزي بمعلومات غير صحيحة، وانخراطها في ممارسات خاطئة وعالية الخطورة لمواجهة غسل الأموال.

وفي 3 مارس/آذار الجاري، تعهّدت الحكومة الإماراتية باتخاذ "إجراءات مهمة" لمحاربة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، ونقلت "وام"، عن مسؤولين كبار بالدولة -لم تسمهم- أن الحكومة تتجه نحو تشديد فعالية نظام مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب بما يتماشى مع الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الجريمة.

معايير دولية
وفي السياق، يشير الخبير في الاقتصاد السياسي أحمد ياسين، لـ "العربي الجديد"، إلى أن دولة الإمارات دأبت بجهود حثيثة منذ 3 عقود للاستفادة من موقعها الجغرافي، كدولة تتوسط قارات العالم الرئيسية الثلاث، من أجل التحول إلى أحد أهم المراكز المالية حول العالم، وهو ما تحقق بالفعل، خاصة في إمارة دبي.

ومع التطور المعماري الكبير للإمارات، خاصة دبي، على مدى هذه العقود، يلفت ياسين إلى أن الدولة الخليجية شهدت تطوراً موازياً على مستوى حجم الاستثمارات المالية المتدفقة إليها، لذلك كان من الصعب على كيان ناشئ التعامل مع جميع تلك التدفقات والوجهات المسؤولة عنها بمعايير موحدة ومتفق عليها دولياً، خاصة أن المؤسسات المالية العالمية الكبرى كانت هي الأخرى تفتقر لفرض هذه المعايير على الدول، كي تتقيد بها للحد من انتشار غسل الأموال والجريمة المنظمة، لكن الاجتماعات الأخيرة للكيانات الاقتصادية الكبرى، خاصة مجموعة العشرين، أقرّت فرض إجراءات أكثر صرامة على الرقابة المالية بالدول.

وكانت الإمارات سريعة في التجاوب مع هذا التطور، وبدأت مؤخراً في اعتقال العديد من المتورطين في جرائم مالية، ما يؤشر إلى أن الدولة الخليجية تسعى للخروج من توصيفها مركزاً آمناً لتهريب الأموال، حسبما يرى ياسين.

ويؤكد الخبير في الاقتصاد السياسي أن الإمارات بإمكانها أن تفرض الالتزام بالمعايير المالية المطلوبة منها دولياً بكل فاعلية، مستبعداً أن يؤثر الجدل حول هذا الأمر سلباً في الأداء الاقتصادي للدولة، لا سيما إمارة دبي، لأن "الإمارات تمكّنت من تحقيق مستوى جيد من التنوع الاقتصادي، مقارنة بباقي الدول العربية، ما جعلها الأكثر تطوراً في هذا المضمار".

المساهمون