الإغلاق الأطول في تاريخ أميركا: "عض الأصابع" بين ترامب والديمقراطيين
استمع إلى الملخص
- يتوقع أن يسبب الإغلاق خسائر اقتصادية دائمة، حيث قد يخفض نمو الناتج المحلي الإجمالي بنقطتين مئويتين إذا استمر لثمانية أسابيع، مع توقف وكالات فيدرالية عن العمل وخلق حالة من الضبابية الاقتصادية.
- يعاني الفقراء ومحدودو الدخل من توقف برنامج المساعدة الغذائية، ويواجه موظفو المطارات ومراقبو السفر الجوي تأثيرات كبيرة، مما قد يرفع نسبة البطالة ويؤدي إلى اضطرابات في المطارات.
بحلول اليوم الأربعاء، أصبح الإغلاق الحكومي الذي تعيشه الولايات المتحدة، هو الأطول في التاريخ الأميركي. بمرور الوقت تحول الإغلاق إلى ما يشبه "لعبة عضّ الأصابع" بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب وخصومه الديمقراطيين، والرهان الأول هو من سيصرخ أولاً ليعلن استسلامه، لتعود الحكومة الفيدرالية للعمل. لكن حتى حدوث ذلك هناك معاناة تطاول عشرات الملايين، وهناك من يدفعون الثمن، معظمهم من الفقراء أو الموظفين الفيدراليين، بسبب إصرار الرئيس الأميركي على كسر إرادة الديمقراطيين. فما أصل الخلاف، وإلى أين وصل، وما الفئات الأكثر تضرراً من استمرار الإغلاق؟
أصل الخلاف
بدأ الإغلاق الراهن في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي عندما فشل الديمقراطيون والجمهوريون في الكونغرس في التوصل إلى اتفاق على مشروع قانون تمويل جزئي للحكومة. ورغم أن الجمهوريين يتمتعون بالأغلبية في مجلسي الشيوخ والنواب، إلا أن تمرير مشروع الموازنة التي أقرها ترامب يحتاج إلى أغلبية الستين عضواً في مجلس الشيوخ، بعد موافقة مجلس النواب عليه، وهو ما لا يملكه الجمهوريون. يتمركز الخلاف حول بندين رئيسيين: الأول مشروع الرعاية الصحية للأميركيين محدودي الدخل لمساعدتهم على تحمل تكاليف التأمين الصحي، الذي يطالب الديمقراطيون بتمديده. أما الجمهوريون، فيرون أن تمديده مكلف جداً، ويجب مناقشته بشكل منفصل.
في ما يتعلق بالميزانية نفسها، يرغب الجمهوريون في تمديد مؤقت للإنفاق يُبقي الميزانية عند مستوياتها الراهنة دون تغييرات جذرية في سياسات ترامب، بينما يصر الديمقراطيون على أن يشمل أي تمويل ضمان استمرار قانون الرعاية الصحية الميسرة (أوباما كير) وأولويات مثل برنامج كوبونات الطعام الذي تستفيد منه الأسر الفقيرة ومحدودة الدخل.
وعكس ما حدث في الإغلاقات السابقة، امتنع ترامب عن الدخول في المفاوضات، وبدلاً من ذلك تعهد بأن يقدم على إجراءات ستلحق الضرر بالقواعد التقليدية للديمقراطيين، ومنع التمويل عن البرامج التي تدعم شعبيتهم.
خسائر اقتصادية
يتوقع خبراء الاقتصاد أن يخلف الإغلاق خسائر دائمة على الاقتصاد الأميركي، إذ يُقدّر مكتب الميزانية في الكونغرس أن الإغلاق قد يخفض نمو الناتج المحلي الإجمالي في الربع الرابع بما يصل إلى نقطتين مئويتين إذا استمر لثمانية أسابيع، مع توقع انتعاشٍ مؤقت في أوائل العام المقبل. ومع ذلك، سيخسر الاقتصاد مليارات الدولارات من الإنتاج، التي تقدر حتى الآن بـ18 مليار دولار.
في الوقت ذاته، يواجه صناع القرار الاقتصادي حالة من الضبابية، فتوقف وكالات فيدرالية عن العمل، يمنع صدور الإحصاءات والأرقام عن دوائرهم، بعد أن توقفت وزارة العمل عن جمع بياناتٍ أساسية حول التوظيف والأسعار، ما يوحي بأن الصورة الاقتصادية ستكون ناقصة على مدى الأشهر المقبلة.
ويقول تقرير لوكالة بلومبيرغ نشرته اليوم الأربعاء إن الإغلاق استمر لفترةً طويلةً إلى درجة أنه تجاوز تقريباً المدة التي كان سيغطيها مشروع قانون مجلس النواب لتمويل الحكومة حتى 21 نوفمبر، ما يعني أنه حتى لو جرى التوصل إلى اتفاق قريب لإنهائه، وهو أمر لا يبدو مرجحاً، فإن الكونغرس سيواجه قريباً تهديداً جديداً بتوقف التمويل.
أجندة ترامب الخفية
أدى الإغلاق حتى الآن إلى بقاء 600 ألف موظف فيدرالي في منازلهم أو يعملون دون أجر، فيما سُرِّح 650 ألفاً آخرين مؤقتاً، وقد يؤدي ذلك إلى ارتفاع البطالة بنسبة 0.4% إذا احتُسِب هؤلاء الموظفون ضمن فئة العاطلين من العمل. وقد حذر ترامب مع بداية الإغلاق من أنه سيعمل على تسريح الكثير من الموظفين في تلك الفترة، وهو أمر كررته المتحدثة باسم البيت الأبيض يوم الثلاثاء.
وعلى مدى أسابيع، لعبت إدارة ترامب لعبة "الرابحين والخاسرين" في الإغلاق، محاولةً تخفيف الضرر عن الجيش وأجهزة إنفاذ القانون، بينما زادت الضغط على القواعد الديمقراطية. واستخدم ترامب الأزمة المالية لوقف التمويل عن الولايات والمقاطعات ذات التوجه الديمقراطي، وحاول تسريح آلاف الموظفين الفيدراليين.
أكثر المتضررين
- الدعم الغذائي
في قائمة المتضررين يأتي ملايين الفقراء ومحدودو الدخل الذين يعتمدون على مدفوعات برنامج المساعدة الغذائية التكميلي (SNAP)، وهو برنامج تموله وزارة الزراعة ويستفيد منه 42 مليون أميركي، معظمهم في ولايات مؤيدة للديمقراطيين. وقد أوقفت إدارة ترامب تمويل البرنامج بدعوى نفاد التمويل، لكن قاضياً فيدرالياً أصدر حكماً الأسبوع الماضي يلزم الإدارة بالاستمرار في تمويل البرنامج خلال فترة الإغلاق.
وقالت الإدارة يوم الاثنين إنها ستلتزم الحكم القاضي بإعادة صرف نصف إعانات برنامج المساعدات الغذائية لشهر نوفمبر، مستخدمةً مبلغ 4.65 مليارات دولار متبقية في صندوق الطوارئ، وهو ما يغطي فقط نحو نصف المدفوعات الشهرية المعتادة لـ42 مليون أميركي. لكن تصريحات أخرى صدرت عن البيت الأبيض أمس الثلاثاء حملت في طياتها تهديداً بعدم استئناف التمويل حتى يتراجع الديمقراطيون عن مواقفهم وتستأنف الحكومة عملها.
قواعد الديمقراطيين هي الأكثر تضرراً من وقف البرنامج، وهو ما يعني زيادة الضغوط على الحزب الديمقراطي لتليين مواقفه، لكن زعيم الأقلية الديمقراطية في الكونغرس، حكيم جيفري، قال مساء الثلاثاء: "دونالد ترامب يحتجز بشكل غير قانوني مليارات الدولارات من مزايا SNAP المخصصة لـ42 مليون أميركي و16 مليون طفل. لا يوجد ما يدعو إلى التفاؤل وسط هذه القسوة والمعاناة التي يواصل ترامب والجمهوريون إلحاقها بالشعب الأميركي".
المطارات والسفر الجوي
رغم تأثر قطاعات فيدرالية كثيرة بالإغلاق، فإن القطاع الأكثر تأثراً في كل إغلاق يتمثل بعمل المطارات ومراقبي السفر الجوي. ويتهم الديمقراطيون ترامب بازدواجية المعايير في تعامله مع الموظفين الفيدراليين، فقد أمنت إدارته تبرعات لتمويل رواتب العسكريين وقوى الأمن الداخلي، بينما تركت موظفي الهيئات الفيدرالية الأخرى دون رواتب منذ بداية أكتوبر.
يراهن كثيرون على أن الخوف من توقف حركة المطارات والسفر الجوي بسبب غياب المراقبين الجويين قد يؤدي إلى تراجع الحزبين عن مواقفهما قبل حلول "عيد الشكر" في 27 نوفمبر، وهو أكبر مواسم العطلات والسفر داخل الولايات المتحدة. في الوقت نفسه، يبدو أن مراقبي الحركة الجوية الذين لا يحصلون على رواتبهم بدأوا يأخذون إجازاتٍ غير مقررة، ما أجبر إدارة الطيران الفيدرالية على إبطاء وتيرة الإقلاع والهبوط. وشهد أواخر الأسبوع الماضي اضطراباً كبيراً، إذ واجهت مطارات أميركية رئيسية من بوسطن إلى تكساس مشاكل واسعة. ووفقاً لموقع FlightAware، تأخرت نحو 7300 رحلة وأُلغيت 1200 في يومٍ واحد، وامتد التأثير إلى مطار نيوارك ليبرتي الدولي يوم الأحد. لكن وزير النقل شون ديفي، لم يستبعد يوم الاثنين "إغلاق المجال الجوي بأكمله" إذا أصبح الطيران غير آمن، مضيفاً أن الولايات المتحدة "لم تصل إلى تلك المرحلة بعد".
وكان تأخير الرحلات الجوية عاملاً رئيسياً دفع الكونغرس إلى إنهاء إغلاقٍ استمر 35 يوماً في يناير 2019، وهو الإغلاق الذي تسبب به الخلاف بشأن تمويل جدار ترامب على الحدود مع المكسيك، وهو الآن ثاني أطول إغلاق في التاريخ.
وتقول نيويورك تايمز في تقرير لها، اليوم الأربعاء، إن إدارة ترامب "تمارس على مدى الأسابيع الماضية لعبة "الرابحين والخاسرين" في الإغلاق، محاولةً تخفيف الضرر على الجيش وأجهزة إنفاذ القانون، بينما تزيد الضغط على القواعد الديمقراطية.
واعترف ترامب بأن الإغلاق كان أحد الأسباب التي أدت إلى خسائر الجمهوريين في انتخابات الثلاثاء على منصب عمدة نيويورك وحاكمي فيرجينيا ونيوجيرسي، لكنه لم يشر بالمرة إلى تأثير سياساته التي تعارض مطالب رئيسية مثل المعونة الغذائية وبرامج الرعاية الصحية، وتهديده بعدم دفع رواتب الموظفين الفيدراليين.