استمع إلى الملخص
- وكالات التصنيف الائتماني مثل "موديز" و"ستاندرد آند بورز" و"فيتش" خفضت تصنيف إسرائيل بسبب المخاطر السياسية العالية، مما يؤثر سلباً على قطاع التكنولوجيا المتقدمة.
- ارتفع الإنفاق الحربي في 2024 إلى 168.5 مليار شيكل، مما زاد عجز الموازنة إلى 6.8% من الناتج المحلي الإجمالي، وأثار تساؤلات حول كفاءة إدارة الموارد المالية.
بدأ إسرائيليون يشكون من موجات غلاء متلاحقة، مع استئناف حرب الإبادة على غزة، واختفاء ميزة قدرة الاقتصاد الإسرائيلي على امتصاص الصدمات وتحذير وكالات التصنيف الائتماني مثل موديز من "مخاطر سياسية عالية جداً" في إسرائيل، أدت إلى إضعاف القوة الاقتصادية والمالية.
واشتكت صحف إسرائيلية وتقارير منظمات عمالية من "استمرار موجة غلاء الأسعار وارتفاع كلفة المعيشة في إسرائيل، التي تُصنف من بين أغلى دول العالم". الإذاعة الإسرائيلية (Makan) أكدت يوم أمس الاثنين أن موجة غلاء جديدة تضرب إسرائيل وتدفع الإسرائيليين إلى الشكوى، مع رفع أسعار منتجات أساسية مثل الحليب والمشروبات والأغذية، بعدما أعلنت عدة شركات مثل "شتراوس" و"تنوفا" و"كوكا كولا" و"يونيلفر"، رفع أسعارها بصورة متلاحقة من منتصف مايو/أيار وحتى بداية يونيو/حزيران المقبل بسبب "ارتفاع تكاليف الإنتاج".
وذكرت تقارير اقتصادية إسرائيلية أن رفع الأسعار بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج، راجع لاستمرار حرب غزة وتضامن الحوثيين في اليمن مع الفلسطينيين واستمرارهم في منع مرور السفن لإسرائيل، ما يكلفها كثيراً لاختيار طرق طويلة مُكلفة، إضافة إلى فشل إسرائيل والهند في إقناع السعودية بإحياء "ممر الهند – الشرق الأوسط-أوروبا" (IMEC) التجاري الذي يمر بـ"إسرائيل"، عبر المملكة.
وأشار موقع "المونيتور" الأميركي الأحد الماضي إلى أن زيارة رئيس وزراء الهند "مودي" للسعودية استهدفت إحياء ممر الهند والشرق الأوسط وأوروبا، لكن اندلاع الحرب مع الهند بسبب أزمة كشمير، عرقل هذا الهدف الذي كانت تعول عليه إسرائيل لتخفيف الأعباء التجارية وتقليص نفقات الإنتاج ووقف الغلاء.
غلاء يطاول الأغذية
فقد أعلنت كبرى شركات المواد الغذائية والمشروبات في إسرائيل، الأحد، رفع أسعار مجموعة واسعة من منتجاتها، على أن تدخل هذه الزيادات حيز التنفيذ تدريجياً بين 15 مايو و3 يونيو 2025، وتشمل منتجات الحليب، والمشروبات الغازية، والمياه المعدنية، إلى جانب سلع غذائية أخرى.
ورفعت شركة "يونيلفر" لمنتجاتها الغذائية والنظافة أسعار مجموعة من منتجاتها، بمتوسط 3.5% وبنسبة قصوى لبعض السلع تصل إلى 9% لبعض المنتجات، مع استثناء أسعار الشوكولاتة والآيس كريم وبعض منتجات العناية الشخصية والمنزلية. كذلك رفعت شركة "تنوفا" أسعار منتجات الحليب، مستندة إلى قرار حكومي سابق أتاح تعديل الأسعار الرسمية لمنتجات الحليب بسبب ارتفاع تكلفة عناصر الإنتاج بفعل الحرب.
وأعلنت شركة "شتراوس" أيضاً أسعار منتجات الحليب غير الخاضعة للرقابة التي تمثل نحو نصف منتجاتها، بنسبة 1.5%، وذكرت الشركة أنها ستبدأ بتطبيق قرار رفع الأسعار في 3 يونيو المقبل. كذلك أعلنت شركة "كوكا كولا" للمشروبات رفع أسعار مجموعة من منتجاتها خلال الفترة المقبلة، تشمل "كوكا كولا"، "فانتا"، "سبرايت"، "فيوز تي"، المياه المعدنية، بالإضافة إلى العصائر والبيرة، إضافة إلى المنتجات المجمدة التابعة لـ"بريغات".
وأرجع موقع "إيكوسكوب" ECOSCOPE، وهو منظور اقتصادي لسياسات النمو والرفاهية في إسرائيل، في 2 إبريل الجاري سبب الغلاء وارتفاع الأسعار في إسرائيل عموماً، لعدة عوامل هيكلية، أبرزها التحديات الجغرافية وبُعد إسرائيل عن الشركاء التجاريين الرئيسيين. والعلاقات المتوترة مع بعض الدول المجاورة التي تحدّ من فرص التجارة وتقلل من التكامل في سلاسل التوريد، وكذا الحواجز التجارية، والمقاطعة العربية والتعرفات الجمركية وارتفاع أسعار الواردات.
الحرب أنهكت الاقتصاد
وكانت وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني قد حذرت في مارس الماضي من "مخاطر سياسية عالية جداً" في إسرائيل، قالت إنها ستؤدي إلى "إضعاف القوة الاقتصادية والمالية للبلاد".
وأوضحت موديز في تقرير لها بشأن التصنيف الائتماني لإسرائيل، أن "عدم اليقين بشأن آفاق الأمن والنمو الاقتصادي على المدى الطويل في البلاد، أعلى بكثير مما هو معتاد"، وهو ما أعادت تأكيده في إبريل الجاري.
ولفت التقرير إلى أن أخطر ما في هذه الأزمة الاقتصادية الحالية بسبب الحرب، وجود مخاطر على قطاع التكنولوجيا المتقدمة، ذي الأهمية الخاصة، نظراً لدوره المهم، باعتباره محركاً للنمو الاقتصادي ومساهماً كبيراً في الإيرادات الضريبية للحكومة.
واعتبرت الوكالة أن "مثل هذه التطورات السلبية قد تكون لها تداعيات شديدة على مالية الحكومة، وقد تشير إلى مزيد من التآكل في جودة المؤسسات"، وفق صحيفة "تايمز أوف إسرائيل".
وخفضت وكالة التصنيف الائتماني العام الماضي، بعد مرور عام على الحرب، تصنيف إسرائيل بدرجتين إلى "Baa1"، في ضوء المخاطر الجيوسياسية والسياسية الداخلية العالية التي تواجهها، وتحدثت عن "نظرة مستقبلية سلبية".
وفي التحديث الأخير، تقول موديز إن النظرة المستقبلية السلبية تعكس وجهة نظر وكالة التصنيف بأن "مخاطر الهبوط" على التصنيف الائتماني لإسرائيل لا تزال قائمة.
وتحدثت صحيفة "معاريف" مارس الماضي، عن "مخاوف بين النخبة الاقتصادية بشأن تأثير الأزمات الحالية (الحرب والصراع بين نتنياهو والقضاء) على التصنيف الائتماني لإسرائيل، ونقلت عن شخصيات اقتصادية بارزة أن "مثل هذه الأزمة لن تكون جيدة للتصنيف، وحتى لو لم تخفضه على الفور، فإنها بالتأكيد ستضعف استقراره".
وطوال فترة الحرب، خفضت ثلاث وكالات التصنيف الائتماني لإسرائيل إلى أدنى مستوى على الإطلاق، حيث خفضت وكالة "ستاندرد آند بورز" التصنيف إلى "A" مع نظرة مستقبلية سلبية، وخفضته وكالة موديز إلى "Baa1" مع نظرة مستقبلية سلبية، وخفضته وكالة "فيتش" إلى "A" مع نظرة مستقبلية سلبية.
وتقول شركات التصنيف الائتماني الثلاث: "موديز" و"فيتش" و"ستاندرد آند بورز"، إنها تراقب التطورات في "إسرائيل" والاستقرار الأمني والجيوسياسي، مشيرة إلى أن وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس، سيقلل من مخاطر التصنيف لاقتصاد إسرائيل، وهو ما لم يستمر.
تكلفة الحرب باهظة
وقبل تمرير الموازنة الإسرائيلية في نهاية مارس الماضي، قالت وزارة المالية الإسرائيلية إن إجمالي الإنفاق على الحرب في عام 2024 بلغ 168.5 مليار شيكل، أي 8.4 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، ارتفاعاً من 98.1 ملياراً في عام 2023، حين بلغت تكاليف الحرب 5.2 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.
وبارتفاع الإنفاق الحربي زاد عجز الموازنة إلى 6.8 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024، في تعديل للتقدير الأولي البالغ 6.9 بالمئة. ونما الاقتصاد الإسرائيلي 0.9 بالمئة في عام 2024.
وقبل الحرب، في أكتوبر 2023، أقر الكنيست الإسرائيلي (البرلمان) في مايو 2023، ميزانية لعام 2024 بلغت 513.7 مليار شيكل، لكن الحرب استلزمت ثلاث ميزانيات إضافية في عام 2024، ما أدى إلى رفع الإنفاق الحكومي 21 بالمئة، ليصل إلى 620.6 مليار شيكل، وذلك مقابل عائدات بلغت 484.9 مليار شيكل، أي بنسبة عجز كبيرة تدخل أميركا لتعويضها بحزم دعم متلاحقة.
وكان تقرير للصفحة الاقتصادية لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية "ذي ماركر"، قد كشف، أواخر مارس الماضي، أن المحاسب العام في دولة الاحتلال "توقف عن نشر تقارير شهرية بشأن تكلفة الحرب على قطاع غزة، وفي لبنان، الأمر الذي يضع علامة استفهام حول أسباب هذه الخطوة التي تثير شكوكاً حول كفاءة الإنفاق الحكومي".
وقالت "هآرتس" إن هذه الخطوة تثير مخاوف بشأن الشفافية في إدارة ميزانية "الدولة"، وإن غياب هذه المعلومات يضعف القدرة على متابعة الإنفاق الحكومي وفهم تكلفة الحرب الحقيقية، ما يثير تساؤلات عن كفاءة إدارة الموارد المالية. ومنذ يناير 2025، توقفت هذه التقارير، ما أدى إلى صعوبة تحليل أداء الميزانية وفهم حجم الإنفاق الحكومي الحقيقي.