الأمم المتحدة: اقتصاد سورية يحتاج نصف قرن لاستعادة مستواه قبل 2011

21 فبراير 2025
البنك المركزي السوري، 24 ديسمبر 2024 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تحتاج سورية إلى 36 مليار دولار من الاستثمارات في القطاعات الاقتصادية على مدى عشر سنوات لتحقيق سيناريو اللحاق بالناتج المحلي الإجمالي لعام 2010، مع التركيز على تطوير الإطار الاقتصادي الكلي وتحسين الحوكمة.

- يعاني الاقتصاد السوري من تأثير 14 عاماً من الصراع، حيث يعيش 90% من الشعب في فقر، مع خسائر في الناتج المحلي الإجمالي تقدر بـ 800 مليار دولار، مما يتطلب نمواً اقتصادياً قوياً لاستعادة المستوى قبل الصراع.

- لتحقيق التعافي الاقتصادي، يجب أن يحقق الاقتصاد السوري نمواً سنوياً بنسبة 5%، مع التركيز على الطاقة المتجددة لتلبية الاحتياجات الاقتصادية بحلول عام 2035.

قال مساعد مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومدير المكتب الإقليمي لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي للدول العربية عبد الله الدرديري، لـ"العربي الجديد"، في نيويورك، إن سورية تحتاج إلى 36 مليار دولار من الاستثمارات في القطاعات الاقتصادية (خلال عشر سنوات)، بالإضافة إلى كل ما هو مطلوب لإعادة بناء المنازل المدمرة من أجل تحقيق سيناريو اللحاق بالناتج المحلي الإجمالي. ويشير الدرديري إلى الناتج الذي كانت عليه سورية عام 2010، و"ليس مسار النمو السابق الذي كان من المفترض أن يحدث لو لم يكن هناك صراعٌ".

وجاءت تصريحات المسؤول الأممي خلال مؤتمر صحافي عقد عن بعد مع الصحافيين المعتمدين لدى مقر الأمم المتحدة الرئيسي في نيويورك، بمناسبة إصدار برنامج الأمم المتحدة الإنمائي تقريراً تحت عنوان "تأثير الصراع في سورية: اقتصاد مدمَر وفقر مستشر وطريق صعب إلى الأمام نحو التعافي الاجتماعي والاقتصادي". وسلط التقرير الضوء على 14 عاماً من الصراع في سورية وتبعاتها على الاقتصاد السوري، وكيف أدت تلك السنوات إلى تخريب التقدّم الاقتصادي والاجتماعي ورأس المال البشري الذي حققته سورية حتى عام 2010 وعلى مدى أربعة عقود. كما أعطى التقرير عدداً من السيناريوهات الممكنة للنهوض بسورية اقتصادياً وعلى مستويات مختلفة.

وأضاف الدرديري حول الأولويات في الاستثمارات للحصول على نتائج أفضل: "إن أول ما يجب القيام به في تحديد أولويات الاستثمار هو تطوير الإطار الاقتصادي الكلي مع سيناريوهات وخيارات مختلفة، ثم العمل مع السلطات الفاعلة، وبدعمنا الفني، لتحديد التركيبة المثلى لسيناريوهات النمو القطاعي وأنواع الاستثمارات التي ينبغي أن تغذي هذه السيناريوهات". وشرح المسؤول الأممي ذلك بالقول: "إننا بحاجة إلى إعطاء الأولوية للخدمات العامة، والكهرباء، والمياه، والصرف الصحي، والصحة، والتعليم، ولكن أيضا للإنتاج الاقتصادي، والصناعة، والزراعة، والتصدير، وغيرها من الصناعات."

وتحدث في مداخلته أيضاً عن أهمية الطاقة ودورها الرئيسي للنهوض في الاقتصاد السوري. ورداً على سؤال حول ما هو الدور الذي يجب أن تلعبه الطاقة البديلة والمتجددة، قال إن "أفضل الحلول التي تقدم خليطاً من المصادر وأكثرها استدامة وخضراء... ستحتاج سورية إلى 15 ألف ميغاواط بحلول عام 2035، من أجل تلبية احتياجاتها الاقتصادية والمنزلية. أعني احتياجات الإسكان وما إلى ذلك". وأضاف: "لكن هل يجب أن يأتي كل ذلك من الوقود الأحفوري؟ أم يمكننا الحصول على شبكات خارج الشبكة، وشبكات الطاقة الشمسية؟ هل نستخدم طاقة الرياح؟ كل هذه الأشياء موجودة بالفعل في تقييم الطاقة الذي قمنا به، ونعتقد أن مزيجاً فعالاً ومثالياً لأكثر الطرق اخضراراً للمضي قدمًا هو ما سيتم تقديمه للسلطات".

ولفت الانتباه في الوقت نفسه إلى أنه "من الضروري الأخذ بعين الاعتبار أنه في الوقت الذي يمكن الاعتماد على شبكة صغيرة للطاقة الشمسية للإنتاج (المنزلي وغيرها من المشاريع الصغيرة)، إلا أن ذلك لا يكفي للصناعات الكبرى التي تحتاج إلى قدرة توليد قوية جدًا. لذا فهذه جوانب فنية نعمل على تحسينها ضمن الاحتياجات الاقتصادية والبيئية والفعلية على الأرض". وأكد أن الأمم المتحدة ستقدم التقرير رسمياً للسلطات السورية اليوم الجمعة. وأضاف: "الآن لدينا هذا التقرير، ولدينا النموذج والأدوات التي تسمح لنا بمناقشة أفضل سيناريوهات الاستثمار مع السلطات الفاعلة. ولكن دعوني أقول وأؤكد أن رسالتنا للسلطات الفاعلة أنه، ومن دون أن يطرأ تحسين جذري في الحوكمة، لن تنجح الاستثمارات وحدها (بالنهوض بالاقتصاد السوري) حتى لو زادت الاستثمارات بمعدل سنوي قدره 10% كل عام من الآن وحتى عام 2035".

الأمم المتحدة ستقدم التقرير رسميا للسلطات السورية اليوم الجمعة

 وأوضح قائلاً: "إن تحقيق هذه الأهداف لن يتحقق من دون تحسن كبير في إجمالي إنتاجية العوامل، أي المؤسسات والحوكمة والفعالية والشفافية، لن نتمكن من تحقيق هذه الأهداف. لذا، يتعين أن تكون رسالتنا واضحة في هذا الصدد للسلطات السورية والمستثمرين".

ورداً على سؤال آخر حول ما تبقى من احتياطي النقد الأجنبي لسورية، كما عن أموال الشعب السوري التي نهبتها عائلة الأسد والمحيطين بها، وما إذا كانت هناك أي جهود لاسترجاعها تعمل الأمم المتحدة على دعمها، قال الدرديري لـ"العربي الجديد" إنه "في عام 2010، كان لدى سورية احتياطي (أجنبي) يقدر بنحو 23.5 مليار دولار. كما تعلمون، فالمساءلة هنا لا تتعلق فقط بالأرقام، بل تتعلق بعدد أشهر الاستيراد التي تسمح بها هذه الاحتياطيات إذا كان دخلك بالعملة الصعبة صفراً. لقد كانت سورية قادرة على استيراد كل احتياجاتها لمدة 18 شهراً، في حال فقدت كل دخلها بالعملة الأجنبية". وأوضح المسؤول الأممي: "أعطى هذا سورية مرونة أو ما يعرف بمنطقة عازلة ضخمة، وهذا ما حافظ على الاقتصاد لسنوات بعد بداية الصراع. ولكن كل هذا تبخر، جراء سوء إدارة سعر الصرف، أو الفساد، أو السرقة المباشرة من البنك المركزي، ونتحدث هنا عن مبالغ ضخمة للغاية. وليس لدينا حتى الآن رقم مفصل عما سرق. أين تلك الأموال المسروقة؟". وحول ما إذا كانت السلطات السورية الحالية معنية بمتابعات قضايا نهب وسرقة أموال الشعب السوري واستعادتها، أكد أن الأمم المتحدة ستدعمها إن قررت الذهاب في ذلك المسار.

التقرير وأبرز ما جاء فيه

يشير التقرير إلى أن قرابة تسعين بالمئة من الشعب السوري يعيش حالياً في فقر نتيجة للصراع، وأن واحداً من كل أربعة سوريين عاطل عن العمل. وشدد التقرير على أنه يمكن للاقتصاد السوري العودة إلى المستوى الذي كان عليه قبل الصراع خلال عشر سنوات، شريطة أن تشهد البلاد نمواً اقتصادياً قوياً. وحذر التقرير من أنه وإن استمرت معدلات النمو الحالية، فإن الاقتصاد السوري لن يستعيد مستواه إلى ما قبل الصراع من الناتج المحلي الإجمالي قبل حلول العام 2080. ولفت التقرير الانتباه في هذا السياق إلى ضرورة أن يصل مستوى ارتفاع النمو الاقتصادي إلى ستة أضعاف من أجل تقصير فترة التعافي إلى عشر سنوات.

التفاصيل حول آثار الصراع

يقدر التقرير الخسارة في الناتج المحلي الإجمالي بنحو 800 مليار دولار أميركي على مدار 14 عاماً، وأن ثلاثة من كل أربعة أشخاص يعتمدون على المساعدات الإنسانية ويحتاجون إلى دعم التنمية في المجالات الأساسية للصحة والتعليم والأمن الغذائي والمياه، والصرف الصحي، والطاقة، والإسكان. وتضاعف معدل الفقر ثلاث مرات تقريباً من 33% قبل الصراع إلى 90% اليوم، في حين تضاعف الفقر المدقع ستة أضعاف، من 11% إلى 66%.

وأسفر الصراع، حسب التقرير، عن مقتل ما يقرب من 618 ألف شخص، واختفاء 113 ألف شخص في سورية. كما أن ما بين 40% و50% من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين ستة أعوام و15 عاماً لا يذهبون إلى المدرسة، مضيفاً: "لقد دُمر ما يقرب من ثلث وحدات الإسكان أو تضرر بشدة خلال سنوات الصراع، ما ترك 5.7 ملايين شخص في سورية بحاجة إلى دعم المأوى اليوم".

خريطة طريق لتجديد الاقتصاد السوري

ويعطي التقرير عدداً من السيناريوهات الممكنة للنهوض بالاقتصاد السوري. ويشير إلى أنه يتعين على التعافي الاقتصادي في سورية أن يحقق نمواً مرتفعاً مستداماً لتوفير سبل العيش والفرص للجميع. وبمعدل النمو السنوي الحالي البالغ 1.3% (2018-2024)، سيستغرق الاقتصاد السوري 55 عاماً لاستعادة مستويات الناتج المحلي الإجمالي قبل الصراع. ومن أجل تحقيق التعافي في غضون 15 عاماً، يتطلب أن يكون هناك نمو سنوي بنسبة 5%.

المساهمون