الأسواق العالمية تتنفس الصعداء بعد قمة بايدن ـ شي

الأسواق العالمية تتنفس الصعداء بعد قمة بايدن ـ شي

17 نوفمبر 2021
بايدن وشي أثناء القمة الافتراضية مساء الإثنين (Getty)
+ الخط -

كانت قمة الرئيسين، الأميركي جو بايدن والصيني، شي جين بينغ، فرصة كبيرة لتخفيف حدة التوتر بين أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم بعد سياسات الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الذي كان يتبع أسلوب معاداة وقطيعة أضر العلاقات الاقتصادية والتجارية مع بكين، حيث خاض حربا تجارية شرسة ضد الصين صاحبها فرض قيود على وارداتها للأسواق الأميركية، وعقوبات ضد السلع والمنتجات الصينية وحظر التأشيرات، وفرْض قيود على تصدير التكنولوجيا الفائقة من الولايات المتحدة للصين.

كانت هذه هي أبرز التعليقات على نتائج القمة الافتراضية التي عقدت بين بايدن وشي مساء الإثنين. وبينما لجأ الرئيسان، بايدن وجين بينغ، في القمة الافتراضية إلى التهدئة ونزع فتيل التوتر وإدارة قضايا" الحرب الباردة" بينهما عبر التعاون وليس المواجهة، ارتفعت أسواق المال العالمية إلى مستويات قياسية جديدة وسط تفاؤل بين كبار المستثمرين بأن العلاقة المستقبلية بين واشنطن وبكين تميل إلى "الحوار والتهدئة" وليس إلى سياسات الحروب التجارية والرسوم الجمركية والحظر المالي والاقتصادي. وبالتالي وحسب البيانات المالية لقناة "سي أن بي سي"، ارتفع أمس سعر صرف اليوان مقابل الدولار.

السيطرة الصينية على تايوان ستعزز الاقتصاد الصيني بما تملكه الجزيرة من التقنيات المتقدمة

وكان المستثمرون الكبار في البورصات العالمية يتخوفون من تداعيات التوتر المتصاعد بين واشنطن وبكين على حركة التجارة والاستثمار ونمو الاقتصاد، في وقت يتجه الاقتصاد العالمي للخروج من أزمة كورونا.

ويرى خبراء أن القمة الثالثة التي عقدت منذ تسلم بايدن للحكم في أميركا، بعثت التفاؤل وسط المستثمرين، حيث إنها أعادت العلاقات إلى الحوار المشترك بعد فترة من الجمود.

ولاحظ محللون أن القمة ركزت على إزالة التوتر القائم بين واشنطن وبكين حول تايوان، حيث كانت بكين تتخوف من تحول الموقف الأميركي تجاه تايوان وأن يشعل فتيل حرب جديدة بعد التعبئة العسكرية الصينية التي شهدها العالم خلال الشهر الماضي.

وحسب نشرة "ذا هيل" في واشنطن، فإن مثار التوتر بين بكين وواشنطن حول تايوان كان سببه التصريحات التي أدلى بها بايدن الشهر الماضي لقناة "سي أن أن" الأميركية، حينما قال إن "الولايات المتحدة ستدافع عن تايوان في حال تعرضت لهجوم صيني"، وهو ما اعتبرته بكين تراجعاً عن السياسة الأميركية السابقة التي تتبنى الموافقة على سياسة "الصين الواحدة" التي تعني أن تايوان جزء من الصين ولكنها تتمتع بحكم ذاتي وليست دولة مستقلة.

تايوان تتمتع بموقع استراتيجي في بحر الصين، حيث تقع على أهم الممرات التجارية في العالم، كما أنها واحدة من أهم قلاع "أشباه الموصلات" التي يهدد نقصها الصناعة في الدول الغربية

لكن تعليقات بايدن في القمة الافتراضية يوم الإثنين التي أعادت تأكيد موقف إدارته الموافق على سياسة "الصين الواحدة"، بعثت الاطمئنان لدى الرئيس شي.

وأكد بيان البيت الأبيض الصادر يوم الإثنين بعد القمة والذي نقلته "رويترز" هذا الموقف، إذ قال إن بايدن أخبر الرئيس الصيني أن الولايات المتحدة لا تزال ملتزمة بسياسة "الصين الواحدة" المتعلقة بتايوان.

من جانبه، قال شي لبايدن إن بلاده ستضطر لاتخاذ "تدابير حازمة" إذا تجاوزت القوى المؤيدة لاستقلال تايوان "الخط الأحمر"، بحسب ما ذكرته وسائل الإعلام الصينية الرسمية. لكن ما هي أهمية تايوان للولايات المتحدة؟

وتعد تايوان نقطة ارتكاز رئيسية في استراتيجية واشنطن تجاه آسيا و"الحرب الباردة" ذات الأبعاد المتشعبة والمعقدة مع الصين، من حيث موقع الجزيرة الاستراتيجي في بحر الصين.

وترى البروفسورة بجامعة "براون يونيفرستي" الأميركية، شيلي ريغر، أن تايوان الغنية والمتقدمة تقنياً تمثل "قلعة الديمقراطية الرأسمالية والسوق الحر" في وجه الحزب الشيوعي الصيني. وقد ظلت تايوان طوال عقود الحرب الباردة حليفاً استراتيجياً للولايات المتحدة.

وتقول ريغر في تحليل لمركز "اتحاد الدراسات الآسيوية" الأميركي، إن تخلي الولايات المتحدة عن وضع "الحكم الذاتي" بتايوان سيرسل إشارة إلى حلفاء واشنطن بأن أميركا ربما ستتخلى في المستقبل عن حلفائها من "الديمقراطيات الرأسمالية" في جنوب شرقي آسيا، خاصة دول النمو الآسيوية التي لديها نزاعات حدودية مع الصين في بحر الصين الجنوبي.

وعلى الرغم من أن عدد سكان تايوان لا يتعدى 23 مليون نسمة، كما أن حجم تجارتها مع الولايات المتحدة لا يتعدى 85 مليار دولار، وهي تاسع أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة، إلا أن تايوان تتمتع بموقع استراتيجي في بحر الصين، حيث تقع على أهم الممرات التجارية في العالم، كما أنها واحدة من أهم قلاع تقنية "الشرائح الإلكترونية" أو "أشباه الموصلات" التي يهدد نقصها حالياً الصناعة في الدول الغربية.

وبالتالي يرى خبراء أن ضم الصين لتايوان، وعدم استمرار "الحكم الذاتي" بالجزيرة، يعنيان سيطرة الصين على صناعة أشباه الموصلات العالمية التي باتت من أهم تقنيات التفوق في الصناعة العسكرية وتقنية الذكاء الصناعي في العالم.

في هذا الشأن، يرى الخبير العسكري الأميركي المتخصص في الشؤون الدولية الدكتور جون بولتمان، أن تخلي الولايات المتحدة عن تايوان وتركها للسيطرة الصينية سيعني منح بكين السيطرة على بحر الصين الشرقي، وبالتالي التهديد المباشر لليابان التي تعد من أهم حلفاء الولايات المتحدة في آسيا.

حجم الاقتصاد التايواني البالغ 600 مليار دولار سيضيف كثيراً إلى الناتج المحلي الصيني المقدر بنحو 13.5 تريليون دولار

ويقول بولتمان في تحليل مشترك مع زميله ديريك آر. زيتليمان، بدورية "ذا ديبلومات" الآسيوية، إن حجم الاقتصاد التايواني البالغ 600 مليار دولار سيضيف كثيراً إلى الناتج المحلي الصيني المقدر بنحو 13.5 تريليون دولار، كما أن السيطرة الصينية على تايوان ستعزز الاقتصاد الصيني بما تملكه الجزيرة من التقنيات المتقدمة.

عدا تايوان، لاحظ مراقبون في تعليقات لقناة "سي أن بي سي" أن القمة اتسمت بتلمس وجهات النظر بين الرئيسين والنوايا حول قضايا الاستقرار في أفغانستان وموقف البلدين من التعامل مع إيران وكوريا الشمالية، إضافة إلى قضايا التسخين الحراري والمناخ.

وحسب ما ذكره مسؤول كبير لقناة "سي أن بي سي" الأميركية، فإن القمة ركزت على "إدارة التنافس بين البلدين بمسؤولية"، وهذا كان في صالح الأسواق المالية.

وسعى الرئيس الصيني خلال القمة إلى التأكد من سياسة بايدن مع الصين وفقاً لثلاثة مبادئ رئيسية وهي، الاحترام المتبادل والتعايش السلمي والتعاون القائم على المكاسب والمواجهة.

ولم تأخذ القضايا الاقتصادية حيزاً من اللقاء، على الرغم من أنه تم تناولها بشكل عابر في أثناء الاجتماع الذي استمر لثلاث ساعات.

المساهمون