الأسد هرب بالذهب والمليارات... وترك سورية مدمّرة

12 ديسمبر 2024
مقاتل سوري يطلق النار على صورة بشار في حماة، 5 ديسمبر 2024 (بكر القاسم/ فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- هروب بشار الأسد وثرواته المنهوبة: فرّ بشار الأسد إلى موسكو بعد نهب ثروات سوريا، محولًا نصف سكانها إلى لاجئين، واصطحب معه مليارات الدولارات والذهب من إتاوات وعائدات المخدرات، تاركًا وراءه مسؤولين متورطين في سرقة الأموال.

- محاولات استرداد الأموال المنهوبة: تواجه المعارضة السورية صعوبات في استرداد الأموال المهربة بسبب عدم الاعتراف بها، رغم تجميد بعض الأصول. تقدر الأموال المهربة بنحو 100 مليار دولار، ويؤكد المحامي طارق الكردي على أهمية اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد.

- التحركات القانونية والتحديات: يشير القانوني صخر بعّث إلى أن استعادة الأموال تتطلب توثيق السرقات والتنسيق مع مؤسسات حقوقية، مع التركيز على الدول العربية كبداية، بينما يؤكد غزوان قرنفل على أن العملية طويلة لكنها ضرورية.

 

هرب رئيس النظام السوري المخلوع بشار الأسد من مطار حميميم بريف مدينة اللاذقية الساحلية، غربي سورية، إلى موسكو، لينال اللجوء الإنساني في أبلغ قصاص أولي، بعدما نهب ودمّر ثروات الوطن وحوّل نحو نصف سكانه إلى لاجئين.
واصطحب الأسد معه، حسب تقارير وتسريبات غير رسمية، مليارات الدولارات وكميات كبيرة من الذهب، بعد مسيرة إتاوات ونهب لثروات البلاد استمرت لعقد من الزمن عبر ممثلين له، أبرزهم زوجته أسماء عبر المكتب السري بالقصر الرئاسي.
وحسب مصادر، لم يسعفه الوقت ربما لسرقة ما تبقى من احتياطي بالمصرف المركزي، أو ربما تركه مكافآت للذين تم ضبطهم صبيحة هروبه متلبسين بسرقة الأموال بعدما أفرغ الخزائن من الذهب والعملات الأجنبية خلال تخطيطه للهروب إلى روسيا والذي أخفاه حتى عن أخيه ماهر، قائد الفرقة الرابعة، وتركه يتدبر أمره كما بقية المسؤولين ومن ناصروه بحربه على السوريين وثورتهم منذ 14 عاماً. لم يكتف بشار الأسد بكل ما سرقه الأب، وأكمل مسيرة النهب لتبلغ ثروته، حسب تقديرات وزارة الخارجية الأميركية قبل عامين، نحو ملياري دولار.
 

ذهب ومليارات

يقول أمين سر غرفة تجارة إدلب السابق محمد نبيه السيد علي: "سمعنا من أكثر من مصدر عن سرقة الأسد أطناناً الذهب وعشرة مليارات دولار، وطبيعي لأي شخص أن يرفض تصديق الأرقام الكبيرة للوهلة الأولى، ولكن حين يفكر بالأمر لا يرفضه، بل وبقليل من المنطق سيصدقه"، حسب تعبيره.
ويشير علي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنه من الخطأ الظن أن المسروقات التي غادر بها الأسد هي من احتياطي المصرف المركزي فقط، بل جلها من إتاوات كانت تتم جبايتها من رجال الأعمال والمستثمرين السوريين على مدى سنوات، مضافة إليها عائدات المخدرات (الكبتاغون)، التي كانت تصدر للمنطقة العربية والعالم، ومصادر أخرى عديدة.

بالمقابل، يكشف رجل أعمال من مدينة اللاذقية، طلب عدم ذكر اسمه، أنه اعتُقل أربع مرات "بمكان أمني" قرب غرفة تجارة دمشق (حي الحريقة)، وكان شرط الإفراج عنه دفع 200 ألف دولار للمصرف المركزي، ويأخذ خلالها ورقة موقعة (وصل تسليم) يأتي به إلى فرع الخطيب الأمني بدمشق ليتم الإفراج عنه والسماح له بالعودة لأعماله باللاذقية.
وهذه الرواية نقلها رجال أعمال عدة لـ"العربي الجديد"، إضافة إلى طرائق "جباية متعددة"، مثل الدخول إلى المنشآت وأخذ السجلات والبيانات المالية واعتقال مديرين، ومن ثم الاتهام بالتجاوزات والتهرب الضريبي، وفرض عقوبات وإتاوات للإفراج عن المعتقلين مقابل مبالغ كبيرة.
صحيفة "ديلي ميل" البريطانية كشفت، أول من أمس، وبعد استقرار الرئيس الهارب في موسكو، قائلة: "تقديرات وزارة الخارجية الأميركية تفيد بأن الأسد وزوجته يمتلكان ثروة صافية تبلغ حوالي ملياري دولار موزعة على عدة حسابات مصرفية وشركات وهمية ومشاريع عقارية في جميع أنحاء العالم".
كما أن عائلة الأسد، حسب الصحيفة نفسها، تمتلك ما لا يقل عن 20 شقة في موسكو، تصل قيمتها إلى ما يقرب من 40 مليون دولار، مضيفة أن خال الأسد محمد مخلوف اشترى 18 شقة فاخرة في مجمع حصري في العاصمة الروسية في العقد الماضي.

مبادرات استرداد الأموال

حاولت المعارضة السورية، منذ نحو عقد من الزمن، استرجاع الأموال المهربة، لكنها واجهت عقبات حالت دون الاستمرار، فالدول الكبرى في "مجموعة الثماني" أو مكتب الأمم المتحدة المعني بمكافحة الجريمة، لم يتخذوا أي إجراءات ضد النظام السوري ورموزه، سوى تجميد أصول بعضهم، من دون البدء بمحاولة استردادها، كما جرى في ملاحقة الأصول في دول الربيع العربي في مصر وتونس وليبيا.
كما لم يتم الاعتراف بالمعارضة السورية ممثلا قانونيا للشعب السوري، وهو ما زاد تعقيد استرجاع الأموال السورية المنهوبة حينذاك.
ويعبر عضو هيئة التفاوض السورية، المحامي طارق الكردي، عن صعوبة استرداد الأموال المنهوية، مبيناً أن اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد والتي دخلت حيز التنفيذ عام 2005، هي الإطار الأنسب للمضي بهذا الملف، لكن عدم الاعتراف بالمعارضة ممثلة للشعب وأسباباً أخرى صعّبت الأمر.
وحول آلية استرداد الأموال المنهوبة، يبين الكردي في حديث سابق لـ"العربي الجديد"، أنها تتوزع على أربع مراحل، أولاً تعقب هذه الأموال، وثانيا التأكد من الاستحواذ على هذه الأموال عبر ضبط التدابير الضرورية لهذه الأموال، وثالثا ما يسمى بالفصل في النزاع والحكم القضائي والنهائي، ورابعاً إرجاعها الى البلد المعني.
ويقول إن التدابير الرسمية للمساعدة القانونية المتبادلة وفق ما تذكره الاتفاقات الأممية عبر تبادل المعلومات بين الشرطة والأطراف المعنية، وبعد ذالك يأتي دور السلطات القضائية التي عليها إصدار قرار بتجميد هذه الأصول العائدة للأشخاص المتهمين بنهب المال العام.

من جهته، يقول رئيس الائتلاف السابق نصر الحريري لـ"العربي الجديد"، إن استعادة الأموال المنهوبة هي من أهم الملفات المثيرة للجدل التي يجب متابعتها، نتيجة السرقات التي تمت خلال حقبتي حكم الأسد، الأب حافظ والابن بشار، في ظل وجود معلومات حول اختلاس أموال الدولة وموارد البلد وتهريبها للخارج. وتقدر الأموال المهربة بعد ثورة السوريين بنحو 100 مليار دولار، حسب تقارير عن منظمة الشفافية الدولية وخبراء، تشمل سرقة موارد النفط والغاز فضلاً عن تهريب أموال عامة بعد دخوله قطاعات الاقتصاد وجني الأموال عبر الفساد والمخدرات ومصادرة ممتلكات المعارضين والمهجرين، وتهريب تلك الأموال إلى دول عدة، منها لبنان وروسيا وبيلاروسيا وسويسرا.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

ويضيف الحريري: "اليوم بعد سقوط النظام وما قيل عن سرقته الذهب ومليارات الدولارات أيضاً، لا بد من إعادة إحياء الملف، من خلال التوثيق والتعاون مع منظمات دولية ورفع دعاوى قضائية".
ويلفت رئيس الائتلاف المعارض السابق إلى أن استعادة الأموال المنهوبة هي حق للشعب السوري وشرط من شروط العدالة من أجل بناء دولة قوية بعد سقوط النظام والتصميم على السرقة حتى حين هروبه قبل أيام.

تحركات قانونية من سورية

ليست مستحيلة عملية ملاحقة الأسد واستعادة الأموال المنهوبة، ولكنها تحتاج لتحضير الملفات وتوثيق السرقات والتحويل الخارجي والتنسيق مع مؤسسات حقوقية ومكاتب أممية قبل رفع الدعاوى والملاحقة.
وفي هذا السياق، يقول القانوني السوري صخر بعّث إن باب أمل استعادة الأموال المنهوبة للشعب السوري مفتوح اليوم أكثر من السابق، لأسباب عدة، أهمها فقدان الأسد الشرعية ولكون السوريين باتوا ممثلين عن ملكياتهم وحقوقهم، الأمر يختلف عن الفترة السابقة قبل هروب الأسد، حيث كانت الدول تعترف بشرعيته وتحاول تسويقه، بل إن الدول المستضيفة والموظفة لأموال الأسد ومخلوف، وسويسرا بمقدمتها، تنشط منذ أعوام للتخلص من صورة الملاذ الآمن لأموال الطغاة.
ويضيف: لعله بإعادة الأموال المختلسة من قبل الديكتاتور ساني أباشا للشعب النيجيري، أمل كبير أمام السوريين، خاصة بعد تكشف شبكات الاختلاس والفساد وأموال المخدرات وهروبه مع ممتلكات السوريين.
ويلفت القانوني السوري، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنه قبل الحديث عن دعاوى قضائية وطنية أو دولية بهذا الخصوص، لا بد من تحقّق شرطين لإنجاح عملية الاسترداد، الأوّل أن يثبت انتهاك الدستور والقوانين، والثاني أن تكون هذه الأموال قد أودعت في الخارج، سواء في بنوك أو مشاريع، خلافاً لمعايير الشفافية.

وحول البداية الممكنة لاستعادة الأموال المهربة والمنهوبة، يرى بعّث أن الانطلاقة الأسهل والأكثر ضماناً تبدأ من الدول العربية، نظراً لقرار سابق بتحميد الأرصدة المالية لحكومة الأسد، وذلك رغم قلة الإيداعات والأموال المنهوبة فيها، مبيناً أن شرعية حكومة ما بعد الأسد وشكلها مهمان، سواء لجهة النزاهة أو للجدية بملاحقة الأموال، فثمة أمثلة لم تفلح باسترداد أموال الشعوب كالعراق، وأمثلة أخرى أعادت ولو بعض الأموال، وخاصة في أفريقيا.

ولكن، تبقى عملية استعادة السوريين حقوقهم التي نهبها النظام البائد ليست بالأمر اليسير، سواء لناحية إثبات أنها منهوبة أو خضوع الدول المستضيفة لشروط ومعاهدات إعادة تلك الأموال أو بعضها، كما يقول رئيس تجمع المحامين الأحرار غزوان قرنفل.

ولعل الأمور القانونية لاستراد الأموال المنهوبة، برأي قرنفل، "ليست واضحة بشكل كاف"، ولكن يمكن الاسترشاد من خلال اتفاقية مكافحة الفساد (دولية)، لافتاً في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن عملية استعادة الأموال "عملية طويلة" لكنها خطوة ضرورية.
وحول وجود أمثلة على استرداد الأموال المنهوبة، يقول قرنفل: قد تكون الأمثلة قليلة أو الاستعادة جزئية، ولكن ذلك لا يمكن أن يضعنا، كسوريين، بموقع المحبط أو الساكت عن سرقة أموال السوريين ونهب مقدراتهم، بل لا بد من السير بهذا الموضوع.

لا أرقام واضحة

لم نصل، رغم البحث والتقصي، لرقم محدد للأموال التي هربتها عائلة الأسد، منذ الأب الذي حكم سورية عبر الكبت ومصادرة الحريات لنحو 30 سنة، وصولاً لفترة توريث الابن بشار التي دامت 24 سنة، إذ راوحت الأرقام، حسب المصادر، بين ملياري دولار أموالاً خاصة ببشار، ووصلت إلى 40 مليار دولار لعائلة حافظ الأسد، إلا أن هذه الأرقام غير مدققة.
ويقول عضو اللجنة القانونية المكلفة بملاحقة الأموال المنهوبة بالائتلاف هشام مروة: أصحح أولاً كلمة الأموال المهربة بدلاً من المنهوبة، لأن بعضها ليس مأخوذاً بالعنف، لم نصل خلال عملنا بالمكتب القانوني لرقم محدد حول حجم الأموال التي هربها نظام الأسد الأب ومن ثم الابن، إما بشكل مباشر عبر حسابات واستثمارات، أو عبر أسماء وشركات غير صحيحة ووهمية. وبيّن مروة خلال حديث سابق لـ"العربي الجديد"، أن جل الأموال المهربة تتركز في روسيا وبيلاروسيا وبعض البلدان العربية وإيران وسويسرا وفرنسا وبريطانيا.

المساهمون