الأردن: تشوّهات القطاع العام تفاقم الأزمات المالية

الأردن: تشوّهات القطاع العام تفاقم الأزمات المالية

27 ديسمبر 2021
اختلالات كبيرة يعاني من الاقتصاد الأردني (خليل مزرعاوي/فرانس برس)
+ الخط -

مسارات مختلفة انتهجها الإصلاح الشامل في الأردن منذ سنوات طويلة ركزت في مجملها على الجانبين السياسي والاقتصادي، وبشكل هامشي على القطاع العام الذي يعتبر وبإجماع المراقبين أحد أهم الاختلالات التي فاقمت الأزمات المالية للبلاد، وأضعفت البيئة الاستثمارية.

ويذهب البعض إلى أن القطاع العام الأردني يكتنفه الكثير من التشوهات والفساد المالي والإداري، لدرجة انعكست سلبا على الأداء الاقتصادي، وساهمت في زيادة الضغوط التي تعاني منها الموازنة العامة وحالة الترهل وضعف تقديم الخدمات.

ووفقا لمراقبين فإن إنشاء الكثير من المؤسسات الحكومية المستقلة يعد عنوانا بارزا لاختلالات القطاع العام، كونها استنزفت موارد الدولة المالية، وفاقمت عجز الموازنة، وكانت بمثابة ملاذ للمتنفذين لتعيين ذويهم برواتب مرتفعة جدا تفوق في غالب الأحيان رواتب الوزراء، وامتيازات وحوافر ضخمة لمجالس إدارتها والمفوضين فيها.

وحسب المراقبين أخفقت الحكومة حتى الآن في معالجة ملف تلك المؤسسات التي يبلغ عددها 60 مؤسسة، بموازنة حجمها أكثر من 1.6 مليار دولار سنويا، دون أن تحقق نتائج إيجابية للصالح العام، إضافة إلى بقاء البيروقراطية وتجاهل الكفاءات وانتشار الواسطة والمحسوبية في التعيينات، وخاصة الوظائف القيادية.

وفي محاولة جديدة لإصلاح القطاع العام شكلت الحكومة الحالية برئاسة بشر الخصاونة، الأربعاء الماضي، لجنة لتحديث القطاع العام يرأسها رئيس الوزراء ذاته، معتبرة إصلاح القطاع العام المسار الثالث للإصلاح الشامل في الأردن، بالإضافة إلى مساري الإصلاح السياسي والاقتصادي.

وكان صندوق النقد الدولي قد طالب الحكومة بتخفيض فاتورة الرواتب والأجور، وذلك في إطار التفاوض لاعتماد برامج جديدة للإصلاح الاقتصادي.

وهنا لا يستبعد مراقبون أن تكون خطة الإصلاح الجديدة للقطاع العام استجابة لمطالب الصندوق، سيما وأن الإعلان عن تشكيل اللجنة قد جاء بعد أيام فقط من إعلان الصندوق عن موافقة مجلسه التنفيذي عن منح الأردن 335.2 مليون دولار، بعد استكمال المراجعة الثالثة لبرنامج القروض البالغ 1.5 مليار دولار ومدته 4 سنوات.

ويقدر عدد العاملين في الجهاز الحكومي بأكثر من 215 ألف شخص يعملون في مختلف الوزارات، ويشكلون ما نسبته 36% من إجمالي القوى العاملة في الأردن، إلى جانب آلاف العاملين في الوحدات الحكومية المستقلة. وتبلغ تكلفة رواتب العاملين في الجهاز الحكومي حوالي 5.8 مليارات دولار سنويا، وبما نسبته 43.8% من إجمالي حجم الموازنة العامة.

وقال عضو مجلس النواب الأردني، ينال فريحات، لـ"العربي الجديد": منذ سنوات طويلة ونحن نسمع عن خطط وبرامج حكومية لإصلاح القطاع الحكومي بسبب التشوهات الكثيرة التي يعاني منها، ولكن للأسف الأمور تزداد سوءا، ويتجلى ذلك في تضخم الجهاز الحكومي من خلال التوسع بإنشاء المؤسسات المستقلة بدون مبرر، وللأسف هناك أكثر من مؤسسة لنفس القطاع مثل الطاقة والاتصالات والنقل، وفي ذلك استنزاف لمالية الدولة وتكريس لسياسة التعيينات برواتب خيالية.

وأضاف أن عملية الدمج التي تمت لبعض المؤسسات سابقا لم تكن موفقة، حيث تم إلغاء مسميات بعض الوحدات الحكومية، والإبقاء على الكادر الوظيفي بذات الرواتب والامتيازات العالية، ما أوجد تشوهات وفروقات كبيرة جدا بين الموظفين، وهذا يضعف الأداء الحكومي.

وقال النائب فريحات إن القطاع العام، أكثر ما يحتاجه اليوم هو تقديم الكفاءات، ووضع حد للواسطة والمحسوبية التي قدمت غير الأكفاء بتقلدهم مواقع وظيفية متقدمة، وجاءت المخرجات سلبية على الأداء العام، وخاصة في الجانب الاقتصادي، وبقيت البيروقراطية على حالها، وأدت إلى عزوف المستثمرين وهروب مشاريع قائمة إلى الخارج.

وأكد أهمية ألا يكون تشكيل اللجنة الحكومية الأخيرة على قاعدة الفزعة، وإنما يجب العمل وفق منهجيات علمية والاستئناس برأي مختصين، وكذلك توفير الإرادة الحقيقية للإصلاح ومعالجة الاختلالات وإيجاد معايير واضحة وفاعلة للتقييم.

وقال وزير الدَّولة لشؤون الإعلام النّاطق الرّسمي باسم الحكومة فيصل الشبول، في تصريحات صحافية، إن تشكيل لجنة تحديث القطاع العام هو المسار الثالث من مسارات التحديث الشامل الذي تعمل عليه الحكومة بالتزامن مع مساري التّحديث السياسي والاقتصادي.

وأكد رئيس ديوان الخدمة المدنية سامح الناصر، وجود تشوه في الهرم الوظيفي، إذ يبلغ عدد موظفي الفئة الثالثة 48 ألفا، وهم موظفو الخدمات الإدارية والفنية والمهنية والمساندة، ثم 32 ألف موظف في الفئة الثانية من حملة الدبلوم، وعدد موظفي درجة البكالوريوس 135 ألفا، وهم عماد الجهاز الحكومي.

الخبير الاقتصادي، موسى الساكت، قال لـ"العربي الجديد" إن إصلاح القطاع العام في غاية الأهمية، شريطة أن تكون هناك جدية من قبل الحكومة، وألا يكون منطلق الإصلاح هو تقليص عدد العاملين في الجهاز الحكومي من باب تخفيض النفقات تحت ذريعة الإصلاح، ولكن لا بد من العمل للتركيز على عمليات التدريب والتأهيل، ووضع حد للواسطة والمحسوبية، ومعالجة ملف المؤسسات المستقلة بشكل جذري بدون أي تردد.

وأضاف: "يتوجب أن تركز عملية إصلاح القطاع العام أيضا على معالجة الإجراءات الحكومية، وتجويد الخدمات المقدمة، سواء للأفراد والقطاعات الاقتصادية والمستثمرين وتسريع الإجراءات وتقليصها، بما يسهم في تحفيز بيئة الأعمال وتحسين مؤشراتها عالمياً".

المساهمون