اقتصاد اليمن في طريق مسدود... وتحركات دولية للإنقاذ

اقتصاد اليمن في طريق مسدود: معارك مأرب تعمّق الخسائر وسط تحركات دولية للإنقاذ

22 ديسمبر 2021
تهاوي الريال ساهم في زيادة الأعباء المعيشية على المواطنين (صالح العبيدي/فرانس برس)
+ الخط -

دخل الاقتصاد اليمني مرحلة حرجة للغاية رغم الإجراءات الأخيرة والتغييرات التي طاولت مجلس إدارة البنك المركزي اليمني في عدن وتحسن سعر صرف الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية.

ووصلت الأزمة الاقتصادية إلى طريق مسدود تستعصي فيه على كل الحلول التي طرحت طوال العام 2021، الذي شارف على الانتهاء، بسبب الاستنزاف الكبير الذي تسببت به المعارك الدائرة في مأرب منذ أشهر على مختلف المستويات، والانحدار المتواصل للاقتصاد الذي أرهق الحكومة اليمنية التي تعاني عجزا كبيرا في الموارد المالية والاحتياطيات النقدية.

ودق وزير المالية اليمني، سالم بن بريك، ناقوس الخطر على وضعية بلاده التي تمر في الوقت الراهن بأسوأ أزمة إنسانية في ظل ما يواجه الاقتصاد اليمني من تحديات وصعوبات كبيرة تكاد أن تعصف به ويوشك على الانهيار. وعدّد وزير المالية في ظهوره النادر مجموعة من التحديات التي يواجهها الاقتصاد اليمني، أهمها تراجع قيمة العملة الوطنية أمام العملات الأجنبية، بعد أن تجاوز سعر الدولار حاجز 1600 ريال يمني، مما أدى إلى زيادة معدل التضخم لمستويات قياسية لم يسبق أن وصل لمثلها على مر التاريخ، وكذا ارتفاع معدلات البطالة وزيادة عدد السكان تحت خط الفقر.

وشهدت العملة المحلية تحسنا إلى أقل من 1300 ريال مقابل الدولار عقب إعلان اللجنة الرباعية الدولية حول اليمن والتي تضم بريطانيا والولايات المتحدة والسعودية والإمارات عن دعم الحكومة اليمنية.

تحركات لمساعدة اليمن
في السياق، كشف مصدر حكومي مسؤول في تصريح لـ"العربي الجديد"، عن تحركات واسعة وجدية هذه المرة لمساعدة اليمن الذي يعاني بشكل كبير ويشهد أكبر أزمة إنسانية على مستوى العالم، إذ تتم دراسة عديد المقترحات التنفيذية لمساعدة الحكومة والبنك المركزي اليمني في عملية استيعاب وديعة مالية بإشراف مؤسسات وصناديق مالية دولية.

ويؤكد أن بيان اللجنة الرباعية الأخير شكل منعطفا رئيسيا في حلحلة الجهود الدولية لمساعدة اليمن على تجاوز الأزمة الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد واستنفدت معها كل الحلول الممكنة للتعامل معها. وكانت لجنة الدول الرباعية، قد عبرت في بيان عن قلقها بشأن الوضع الإنساني الخطير الذي يواجهه الشعب اليمني، وأكدوا أن الجهود المبذولة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي تعد أساسية في تقليص الاحتياجات الإنسانية. ورحب سفراء الدول الرباعية بتعيين محافظ جديد للبنك المركزي اليمني، ونائب للمحافظ، وأعضاء إضافيين لمجلس الإدارة، وتكليف جهاز الرقابة والمحاسبة لمراجعة وتقييم أعمال البنك المركزي منذ بدء عمله في العاصمة المؤقتة عدن.
والتغييرات الأخيرة التي طاولت مجلس إدارة البنك المركزي اليمني وتعيين أحمد غالب محافظا جديدا، هي الرابعة منذ نقل إدارة عمليات البنك المركزي اليمني من العاصمة اليمنية صنعاء إلى العاصمة المؤقتة للحكومة المعترف بها دولياً عدن في سبتمبر/ أيلول من العام 2016. ويرى مراقبون أنها تأتي تلبية لضغط دولي بهدف مساعدة اليمن بوديعة مالية توضع في البنك المركزي بعدن.

كبش فداء
يختلف الباحث الاقتصادي، عبد الواحد العوبلي، مع الطرح السابق في حديث لـ"العربي الجديد"، إذ يرى أن التغييرات في البنك المركزي اليمني كانت فقط لامتصاص غضب الشارع، وإزاحة أشخاص كانوا كبش فداء فقط لا غير، إذ ليس هناك أي تغييرات حقيقية حصلت في سياسات البنك المركزي، وليس هناك أي إجراءات نقدية أو مالية ممكن أن تغير في وضع الاقتصاد الوطني.
ويعتقد أن أي توجه من قبل السعودية والمؤسسات المالية الدولية لدعم البنك المركزي بوديعة جديدة، لأسباب سياسية وليس له علاقة بإدارة البنك المركزي الجديدة، لأن المفترض على المحافظ الجديد أن يقوم بعملية تدقيق شاملة لإصدار تقارير مالية وإصلاح وهيكلة للبنك الذي دمره أسلافه.

ويأتي الملف الاقتصادي على رأس الأولويات في مباحثات رئيس الحكومة اليمنية معين عبد الملك مع المسؤولين في السعودية التي وصلها منذ يومين، إلى جانب دعم البنك المركزي اليمني الذي يعاني اختناقات مالية حادة، وجهود الإصلاحات واستكمال تنفيذ اتفاق الرياض المتعثر مع المجلس الانتقالي الجنوبي.
واجتمع رئيس الحكومة اليمنية مع وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان، الذي أكد أن بلاده تراقب الوضع الاقتصادي الصعب للشعب اليمني، وترحب بالقرارات الأخيرة التي اتخذتها الحكومة اليمنية في البنك المركزي، وتكليف جهاز الرقابة ومكافحة الفساد بتقييم ومراجعة أعمال البنك؛ بما يسهم في تحسين الوضع المالي لليمن.

ويشدد العوبلي على ضرورة قيام السعودية والتحالف والمجتمع الدولي، بتمكين اليمن من الحصول على إيراداته من النفط والغاز، وتوفير الغطاء لتمكين مؤسسات الدولة الإيرادية من توريد كل المبالغ والتحصيلات المالية إلى البنك المركزي اليمني، والحد من "السفه" وفق تعبيره، الحاصل في النفقات واستنزاف العملة الصعبة.

كما يتطلب الأمر بالنظر إلى وضعية الاقتصاد اليمني والسوق النقدية، منع التعامل داخل اليمن بغير الريال اليمني وإعادة تفعيل القطاع المصرفي الذي تم تغييبه لسنوات لصالح السوق السوداء الممثلة بالصرافين وجعلت مصير سعر الصرف في أيديهم، حسب العوبلي.

تحفظات المجتمع الدولي
يشير الباحث الاقتصادي، مراد منصور، لـ"العربي الجديد"، إلى عدم قدرة المؤسسات المالية والنقدية اليمنية المجزأة على استيعاب أي دعم خارجي والتعامل معه بشفافية، لذا كان هناك تحفظ من قبل السعودية والمجتمع الدولي في تقديم دعم مالي ملموس لرفد المركزي اليمني في عدن بالاحتياطي المالي من العملة الصعبة منذ نهاية العام الماضي بعد العبث والفساد الذي طاول الوديعة السعودية الأولى البالغة ملياري دولار التي تم وضعها في البنك المركزي نهاية عام 2018.

ويوضح أن كثيرا من المؤسسات والصناديق الداعمة كالبنك الدولي وصندوق النقد، والدول المانحة كالسعودية عن طريق الصندوق السعودي للتنمية، اكتفت طوال الفترة الماضية بتقديم الدعم الفني لإصلاح المؤسسات المالية والإيرادية، أو تنفيذ مشاريع إغاثية عن طريق مؤسسات أخرى خارج إطار الحكومة اليمنية، لذا فإن أي وديعة مالية سيتم الإعلان عنها هذه المرة ستكون متبوعة بمجموعة اشتراطات واسعة لتجنب الأخطاء السابقة.

المساهمون