استمع إلى الملخص
- أكد الخبير ممدوح حمزة إمكانية إعادة إعمار غزة خلال ثلاث إلى خمس سنوات، مشدداً على دعم الأنظمة العربية لإرادة الشعب الفلسطيني وتحذيره من مخطط استعماري جديد.
- دعا أحمد شعبان إلى إسناد إعادة إعمار غزة لمصر، مشيراً إلى تكلفة تصل لـ85 مليار دولار، ومقترحاً مساهمة دولية في التمويل، مع الإشارة إلى عوائق الاحتلال الإسرائيلي.
فجّرت تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، حول صعوبة إعادة تعمير قطاع غزة، دون تهجير نحو مليوني نسمة، واحتلال أميركا للقطاع، لتتولي نزع المتفجرات والأسلحة والأنقاض والمباني المتبقية من العمليات العسكرية، موجة من الغضب على المستويين الشعبي والرسمي في مصر.
وصف استشاريون واقتصاديون ما طرحه ترامب بأنه يعكس رؤية استعمارية محبطة، غير قائمة على أسس فنية، وإنما تكرس لمشروع صهيوني قديم، يستهدف تفريغ الأراضي المحتلة من شعبها، وحرمان الشعوب العربية من المشاركة في عمليات إعمار شاملة، لن تستغرق أكثر من خمس سنوات.
"ريفييرا الشرق الأوسط"
اقترح ترامب في لقائه برئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو بالبيت الأبيض، أول من أمس، أن تحتل الولايات المتحدة قطاع غزة، وتتولى تفكيك جميع القنابل غير المنفجرة الخطيرة والأسلحة الموجودة، والتخلص من المباني المدمرة وتسويتها بالأرض، وتحمّل مسؤولية إعادة إعمار المنطقة، زاعماً قدرته على تنمية المنطقة اقتصادياً، وإقامة منتجعات سياحية "ريفييرا الشرق الأوسط"، تضمّ مشروعات عقارية عالية المستوى، على غرار شواطئ "الريفييرا" الفرنسية، بما يوفر أعداداً غير محدودة من الوظائف والإسكان لسكان المنطقة، التي ستعيش في ظلال قوات أميركية لتأمينها.
في انقلاب جديد على المبادئ الأميركية وقرارات الأمم المتحدة الداعية لحل الدولتين تتضمن عودة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، يرى ترامب أن غزة منطقة متنازع عليها، مبيناً رغبته في أن تصبح غزة مملوكة ملكية تامة للأميركيين لفترة زمنية طويلة لم يحددها، مكرراً دعوته لدول المنطقة، خاصة مصر والأردن، لاستقبال الفلسطينيين المهجرين قسراً من القطاع، متجاهلاً الرفض العربي والشعبي الواسع لسياسة تهجير الفلسطينيين وإبعادهم عن وطنهم.
يعتبر ترامب بقاء الفلسطينيين في وطنهم بمثابة الموافقة على العيش في حياة بائسة، تتكرر فيها عمليات الاحتلال والهدم وإعادة البناء، معتبراً أن الدفع بنحو 1.8 مليون فلسطيني نحو دول أخرى واستقبالهم "بقلوب إنسانية سيضع حداً للموت والدمار وسوء الحظ" الذي يواجه الفلسطينيين. قال ترامب إن الدول الغنية ستوفر الأرض، ويمكن بناء العديد من المناطق لإيواء الفلسطينيين بشكل دائم، حيث يمكنهم من أن يعيشوا حياة جميلة، ولطيفة بما يكفي، بحيث لا يرغب اللاجئون في العودة إلى وطنهم.
دجل تاجر عقارات
يعتبر الاستشاري الهندسي ممدوح حمزة حديث ترامب عن إعادة تعمير غزة نوعاً من الدجل السياسي لتاجر عقارات، يريد الترويج لنفسه أمام الجمهور، مؤكداً أن تصريحاته تخلو من أية بيانات حقيقية عن عمليات إعادة الإعمار التي يحتاجها القطاع المدمر عن آخره. أوضح الخبير الدولي بمشروعات البنية التحتية أن غزة تحتاج ثلاث أو خمس سنوات على أقصى تقدير، لتعود إلى حالة ما قبل العدوان الوحشي عليها في أكتوبر/ تشرين الأول قبل الماضي.
وأكد حمزة في اتصال مع "العربي الجديد" أن الخطة تشتمل على ثلاثة محاور، تعتمد بالتوازي مع بعضها على فترات زمنية، تنتهي الأولى منها خلال ستة أشهر، وتشمل بناء بيوت مؤقتة سريعة، من الخشب أو المباني سابقة التجهيز، لإيواء النساء والأطفال والعجائز، بالتوازي مع إعادة تشغيل ميناء غزة ومعبر رفح بشكل كامل لضمان دخول الأغذية واحتياجات المواطنين الأساسية على وجه السرعة، بدلاً من المرور بمسافات طويلة واقعة تحت سيطرة الاحتلال، والتي تشهد كثيراً من التضييق والعراقيل.
تبدأ المرحلة الثانية في التوقيت نفسه بإعادة تأهيل المباني التي تعرّضت للتدمير، على أن تبدأ لجان فنية بمعاينة تلك المباني لتحديد صلاحيتها، واستغلال الهياكل الخرسانية التي لم تتعرض للهدم، بإصلاحها وإعادة المبنى لأصله، على وجه السرعة، وفي حالة عدم صلاحية المبنى يجري استغلال المخلفات الناتجة عنه من طوب محروق وأسياخ حديدية وكتل إسمنتية بإعادة تدويرها، وتوظيفها مع العناصر البيئية الأخرى من كتل حجرية ورمال وطين في إقامة مبان أخرى. يؤكد حمزة امتلاكه نوعية مختلفة من تلك النماذج البنائية التي يمكن أن توفر كميات كبيرة من الوحدات السكنية، متعددة الطوابق، التي لا تحتاج إلى مستلزمات بناء من الخارج، غير معدات التكسير وسحق الكتل الخرسانية المهدمة، وجرافات لشق الطرق وتجهيز أسطح أراضي المباني، التي يمكن إدخالها للقطاع عبر المساعدات الدولية السريعة.
مخطط شامل لقطاع غزة
وتشمل المرحلة الثالثة وضع مخطط شامل لقطاع غزة، لاستغلال جميع طاقاته البيئية والبشرية، لبناء مدن حديثة التخطيط، توظف إمكاناته الزراعية والسياحية، والمدن الصناعية المستقبلية، مؤكداً أن هذه المرحلة تحتاج خمس سنوات لإتمامها، بشرط توافر الأموال اللازمة لإعادة الإعمار فوراً، ووجود رغبة لدى الأنظمة العربية لدعم إرادة الشعب الفلسطيني وتضحياته الهائلة التي قدمها للتمسك بمقدساته وأرضه.
ويشدد حمزة على أهمية عدم اهتزاز الشعوب العربية، بما أطلقه الرئيس الأميركي من قدرته على احتلال غزة مستهدفاً تحويلها إلى "ريفييرا" جديدة، أسوة بشواطئ الريفييرا جنوب فرنسا، منوهاً بفشل الأميركيين في احتلال أفغانستان ومن قبل فيتنام، وأنه ما دخل الاحتلال أرضاً لبنائها وتعميرها على مر التاريخ.
من جانبه، قال عضو مجلس الشيوخ عن حزب التجمع، أحمد شعبان، إذا كان الأميركيون جادين بمشروع إعادة إعمار غزة، فعليهم إسناده إلى مصر، مؤكداً قدرة الشركات المحلية على إعادة بناء غزة من جديد، خلال مدة زمنية ما بين ثلاث إلى خمس سنوات.
ويؤكد الخبير الهندسي أن طرح ترامب تهجير أهالي غزة، ليعيد بناءها يستهدف طرد 2.2 مليون نسمة إلى كل من مصر والأردن، ضمن خطة قديمة تستهدف إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط، وفقاً لأهواء المتطرفين الصهاينة الإسرائيليين والتي وجدت هوى في نفوس الأميركيين الذين يسعون إلى وضع مخطط "سايكس - بيكو" جديد، قائم على أنقاض الاستعمار الفرنسي - البريطاني للمنطقة، مؤكداً أنهم يستغلون ضعف الأنظمة العربية في مواجهة هذا المخطط، ويعتبرون أن الفرصة الآن سانحة أمامهم لتنفيذ مخططهم الاستعماري.
ترامب يسعى لمكاسب اقتصادية
يحذر شعبان من أن تسبب دعوات ترامب، باعتباره تاجر عقارات يتقمص دور الزعيم السياسي، في تسرّب الإحباط إلى قلوب الفلسطينيين والعرب، بما يدفعهم إلى تمرير مخططه، مشيراً إلى أن ما يقوله لا يعدو عن كونه مغالاة سمسار في صفقة يريد تمريرها لجس نبض الشعوب العربية، ليتفاوض من أجل الحصول على مكاسب اقتصادية وسياسية، على أرض الواقع، عبر السماح بدخول المزيد من الجرحى إلى كل من مصر وسورية والأردن، أو الإقامة المؤقتة لبعض الفلسطينيين بالدول العربية.
وأوضح شعبان وجود إجماع عربي على رفض أية مقترحات أميركية وغيرها، لطرد الفلسطينيين من غزة، مشيراً إلى أن مشروع ترامب ليس موجهاً ضد الحكام، ولكنه ضد كل الشعوب العربية والإسلامية وخلق لدى الطبقات المرفهة والفقراء رغبة شديدة للثورة، لوقف صفقة ترامب والعدوان الإسرائيلي، بما سيدخل المنطقة في حالة من الفوضى ستكون الولايات المتحدة أكبر الخاسرين من اندلاعها.
تكلفة إعادة إعمار غزة ومساهمات العرب
يتوقع اقتصاديون مصريون أن تبلغ تكلفة إعادة إعمار البنية التحتية لقطاع غزة، نحو 45 مليار دولار، وتشمل بناء محطات توليد ونقل الطاقة، ومياه الشرب والصرف الصحي والمرافق الصحية، والطرق الرئيسية، والميناء والمنافذ البرية، بينما يقدر الخبراء حاجة القطاع إلى نحو 40 مليار دولار أخرى، لبناء وحدات سكنية تسع نحو مليوني نسمة، في ظل تعرض 90% للهدم، وحاجة جميع المباني المتبقية للترميم وإعادة التأهيل للسكن والأعمال التجارية والصناعية.
ويقترح خبير التمويل والاستثمار رشاد عبده مساهمة الدول العربية والاتحاد الأوروبي والصين واليابان، في مشروعات إعادة الإعمار، ومواجهة توقف المساعدات المالية التي يتحصل عليها الفلسطينيون بالأراضي المحتلة في غزة والضفة الغربية، من وكالة "غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، والصحة العالمية، التي أوقف ترامب تمويل مشروعاتها، بقرار منفرد أول من أمس.
مناقصة بين شركات بناء الكرافانات
في سياق متصل، يمنع الاحتلال الإسرائيلي دخول المنازل المجهزة "الكرافانات" من منفذي كرم أبو سالم ومعبر رفح، منذ تنفيذ وقف إطلاق النار في 19 يناير/ كانون الثاني الماضي. ودفعت السلطات المصرية بنحو 600 "كرافان" محملة على شاحنات، مع الساعات الأولى لتشغيل المعابر، أملاً في إدخال الكرافانات، لتعمل على إيواء المصابين والمرضى والحالات الإنسانية الصعبة، وحمايتهم من البرد القارس، لقابلية تشغيل بعضها بمكيفات خاصة، تعمل ببطاريات الطاقة الشمسية.
كما طرحت شركات محلية متخصصة في توصيل المساعدات الإنسانية إلى القطاع مناقصة بين شركات بناء الكرافانات، مستهدفة الحصول على نحو خمسة آلاف وحدة، على مدار ثلاثة أشهر مقبلة، من السوق المحلية، لتصديرها إلى غزة، ضمن حلول مؤقتة ممولة من تبرعات عامة محلية، يعتبرها متخصصون حلولاً مؤقتة لمساعدة المواطنين واستراحات ميدانية لفرق إعادة الإعمار، في حالة التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار.
وأعرب وكيل لجنة الشؤون العربية بمجلس النواب، أيمن محسب، أن طرح الرئيس ترامب بحل أزمة غزة بترحيل أهلها، لن يؤدي إلا إلى مزيد من الجرائم الإسرائيلية، مؤكداً في بيانه أمام البرلمان، أمس، أن القطاع تعرض إلى انهيار شبه كامل للبنية التحتية، ومن ثم يصبح نقل أو تهجير السكان محاولة لشرعنة جريمة مكتملة الأركان، ودفع الفلسطينيين نحو خيار وحيد وهو الموت تحت القصف أو التهجير القسري إلى المجهول.