استهداف أرزاق اليمنيين: حرب على الباعة الجائلين

استهداف أرزاق اليمنيين: حرب على الباعة الجائلين

04 نوفمبر 2021
القطاع غير المنظم استأثر بنحو 85% من إجمالي العاملين (محمد حمود/Getty)
+ الخط -

كثفت السلطات المحلية في اليمن، وخصوصاً في صنعاء ومحافظات شمال البلاد الخاضعة لسيطرة الحوثيين، حملاتها على البسطات والباعة الجائلين، لمنعهم من العمل والبيع على أرصفة الشوارع المكتظة بهم، وإلزامهم بدفع مجموعة من الرسوم والجبايات تحت مسميات عديدة.
ويشكو باعة جائلون في صنعاء وتعز وذمار وإب وحجة، وفي عدن ولحج جنوبيّ اليمن من ملاحقات وفرض المزيد من الإتاوات التي يُجبَرون على دفعها أو العبث ببضائعهم وسلعهم، والتي قد يصل في كثير من الأحيان إلى مصادرتها دون أي وجه حق.
ويقول سفيان محمد (30 عاماً)، بائع ملابس شتوية في شارع هائل جنوب غربيّ صنعاء لـ"العربي الجديد"، إن السلطات المحلية لا شغل لها إلا أصحاب البسطات والباعة الجائلين لتضييق الخناق عليهم ومطاردتهم وفرض شروط قاسية ومجحفة بحقهم، كما حدث أخيراً في صنعاء بعد منع الجهات المعنية في أمانة العاصمة البسطات، ورفعها من مختلف الشوارع الرئيسية التي تعتبر أماكن تسوق تجارية مهمة، بحجة تنظيمهم في أسواق ومناطق خاصة بأصحاب البسطات والباعة الجائلين.
من جهته يشير بدر علي، مالك بسطة في منطقة التحرير وسط العاصمة اليمنية، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن السلطات في صنعاء اتخذت ضدهم إجراءات صارمة خلال الفترة الماضية وصلت إلى حد مصادرة البسطات وسجن الباعة بحجة عدم التزامهم قرارات منع العمل في البيع على أرصفة بعض الشوارع، الذي يأتي وفق حديثه بهدف تنظيمهم في أماكن محددة وفرض مبالغ مالية شهرية مقابل عملهم على أرصفة الشوارع.

ويدفع ملاك البسطات والباعة الجائلون في مختلف المدن اليمنية سلسلة من الإتاوات، منها متوافق عليها، مثل رسوم التحسين التي تدفع للبلدية، وجبايات أخرى يقول باعة إنها غير قانونية ويقوم بتحصيلها مشرفون ونافذون في الأسواق.
وتزدحم أرصفة الشوارع الرئيسية في عدد من المدن اليمنية مثل صنعاء وعدن وتعز وإب بالباعة الجائلين لمختلف أنواع السلع والبضائع من خضروات وفاكهة ومواد غذائية وملبوسات وأدوات كهربائية ومنزلية تباع بأسعار مناسبة نظراً لنوعيتها وجودتها المختلفة عن جودة الأصناف التي تباع في الأسواق الرسمية.
ويعمل باعة جائلون في بيع البضائع والأدوات والملابس المستعملة المعروضة أمام المارة بصورة عشوائية لاختيار أي سلعة ودفع ثمنها الذي يكون عادةً موحداً لجميع الأنواع والأصناف.
يؤكد نبيل غالب (37 عاماً)، بائع خضار في مدينة إب وسط اليمن، لـ"العربي الجديد"، أن هذه العربات والبسطات يعمل عليها مواطنون فقدوا رواتبهم ووظائفهم بسبب الحرب وما كان متاحاً من العمل وسبل العيش، ولم يجدوا أي مصادر أخرى يقتاتون وأسرهم منها.
بدوره، يعتبر عمار (28 عاماً)، مالك بسطة في محافظة تعز بمنطقة تابعة لسيطرة الحوثيين، أنهم كباعة جائلين يدفعون ما يفرض عليهم من رسوم معتادة بصورة منتظمة رغم العمل على مضاعفتها من فترة لأخرى، لكن في المقابل هناك نافذون في الأسواق يعملون على تحصيل جبايات أخرى يعجز كثير من الباعة عن دفعها أو تمثل عبئاً ثقيلاً على باعة جائلين هامش ربحهم بسيط ومحدود، ورغم ذلك يأتي من يستولي عليه.
ووسط تفاقم البطالة، اضطر كثير من اليمنيين ممن فقدوا مصادر رزقهم المتاحة بسبب الحرب الدائرة في البلاد إلى البحث عن أي بدائل للعيش وكسب الرزق لإعالة أسرهم للاستمرار في الحياة التي أصبحت قاسية بصورة تفوق الكثير ممن ضعفت قدراتهم على مقاومتها وتحمّلها.
وتجد نسبة كبيرة من المستهلكين في اليمن في البسطات ولدى الباعة الجائلين ملاذاً وخياراً إجبارياً لتوفير ما أمكن من احتياجاتهم المعيشية بالنظر إلى محدودية إنفاقهم وما توفره هذه البسطات من ميزات وخيارات سعرية مناسبة.
يأتي ذلك، بالرغم من توسع الحركة والاستثمارات التجارية طوال سنوات الحرب في اليمن، وتشكل دائرة واسعة من رؤوس الأموال تكونت بطرق مريبة وغير مشروعة بما مثلته من منافذ للتكسب مع انتشار المراكز والمولات الضخمة في مختلف المدن الرئيسية. هذه الحركة المتضخمة من الاستثمارات لم يكن لها تأثير ملموس في خيارات اليمنيين بالذات محدودي الدخل الذين يرتبطون بعلاقة وطيدة مع باعة وبسطات الأرصفة.

ويتذمر تجار وملاك محال تجارية من انتشار الباعة الجائلين، خصوصاً في المناطق الرئيسية المزدحمة ومنافستهم على اجتذاب المتسوقين والعمل دون أي التزامات مقارنة بهذه المحال التجارية التي تدفع بحسب تأكيدات عدد من التجار مبالغ باهظة قد تصل إلى مليون ريال شهرياً ما بين إيجارات وفواتير الكهرباء التجارية وجبايات وضرائب وجمارك وغيرها.
ويرى المحلل الاقتصادي، جلال القدسي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن أطراف الحرب تحاول بكل الطرق تنويع مصادر دخلها ومواجهة تكاليف ما تخوضه من صراعات على مختلف الاتجاهات، بعدما عطلت الحرب كثيراً من الموارد العامة، إلى جانب سعيها إلى إخضاع المجتمع لسياستها وسلطتها، لذا يلاحظ كل هذه الإجراءات القاسية لتحصيل الأموال بالجبايات والنقاط الجمركية والضرائب، ما يؤدي إلى محاصرة أرزاق الفقراء.
وتشير بيانات رسمية، إلى أن العمالة في القطاع غير المنظم في اليمن استأثرت بما نسبته 73.7% من إجمالي السكان العاملين، وفقاً لنتائج مسح القوى العاملة 2013/ 2014.
لكن منذ اندلاع الحرب في 2015، بسبب فقدان الكثير من العاملين في القطاع المنظم، وخاصة وحدات القطاع الخاص، لوظائفهم، اتجه الكثير منهم إلى ممارسة أعمال حرة تندرج ضمن القطاع غير المنظم. لذا، فإن نسبتهم قد تتجاوز 85% من إجمالي السكان خلال الفترة 2018 – 2021.

المساهمون