استنزاف جيوب الغزيين... سماح الاحتلال بالاستيراد المحدود يسحب السيولة ويشدد الحصار

16 مارس 2025
فلسطيني في سوق دير البلح وسط غزة يُصلِح العملات البالية، 11 أغسطس 2024 (الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تتفاقم أزمة السيولة النقدية في غزة بسبب فتح مجال الاستيراد دون إدخال نقد بديل، مما أدى إلى تشديد الحصار الإسرائيلي وزيادة الفقر والبطالة، وندرة الأوراق النقدية وارتفاع أسعار السلع الأساسية.
- يواجه الفلسطينيون تحديات مالية مركبة، منها رفض التعامل بالأوراق النقدية التالفة وارتفاع نسب "التكييش"، مما دفع العائلات للاعتماد على المساعدات الدولية وتقليص الإنفاق.
- تتزامن الأزمة المالية مع نقص الوقود وغلاء المواصلات وانقطاع الكهرباء، مما يعمق معاناة المواطنين ويؤدي إلى تدهور قدرتهم الشرائية واستنزاف مدخراتهم.

تتفاقم أزمة السيولة النقدية في قطاع غزة، إذ تسبب فتح مجال الاستيراد خلال الفترة الماضية وخروج كميات من النقد في ظل عدم السماح بإدخال نقد بديل إلى اتساع نطاق الأزمة، والتي تسمح للاحتلال الإسرائيلي بتشديد الحصار على الغزيين، لاسيما مع انقطاع الدخل وتزايد نسب الفقر والبطالة.

وتعد الأزمة النقدية من أبرز التحديات التي يعاني منها الفلسطينيون في قطاع غزة، إذ يعاني الأهالي بشكل متزايد من سلسلة من القيود التي تطاول قدرتهم على تلبية أبسط الاحتياجات الأساسية لأسرهم، وسط استمرار الحصار الإسرائيلي والتبعات القاسية التي تسبب فيها العدوان.

وبات المواطنون يعانون من ندرة الأوراق النقدية المتداولة، وسط ارتفاع غير مسبوق ومتزايد في أسعار السلع الأساسية، مثل أسعار المواد الغذائية، كالخبز والزيت والأرز والسكر والخضار واللحوم. ويزيد هذا الوضع النقص من صعوبة الحياة اليومية ويؤدي إلى اضطراب في عمليات البيع والشراء، ما يعرقل التجارة ويعطل النشاط الاقتصادي، في الوقت الذي تعاني فيها مختلف القطاعات الاقتصادية من شلل شبه تام.

ويعتبر رفض التعامل بالأوراق المالية التالفة التي أصبحت جزءا من الأموال المتداولة في القطاع بسبب نقص السيولة وغياب البدائل، من بين أبرز المعضلات الأساسية في سلسلة الحصار المالي الذي يواجهه الغزيون، الأمر الذي يزيد من صعوبة الحصول على السلع الأساسية.

وعلى الرغم من قساوة ظاهرة "التكييش"، والتي ظهرت بفعل إغلاق البنوك خلال الحرب، وعدم تمكن الفلسطينيين من صرف أموالهم، وفرض بعض أصحاب رؤوس الأموال نسبا مرتفعة لصرف مبالغ محددة تزيد عن ربع المبلغ، إلا أنها اختفت بشكل ملحوظ كذلك، ما فاقم من حدة الأزمة، وبات الوصول للصرافين القائمين على هذه الأعمال أكثر صعوبة في ظل مخاوفهم من الملاحقات الأمنية.

وأصبح من النادر أن يتمكن المواطنون من تبادل الأموال أو توفيرها وسط الفوضى الاقتصادية التي تعيشها غزة، الأمر الذي دفع العديد من العائلات إلى البحث عن حلول بديلة، مثل الاعتماد على المساعدات الدولية أو الإغاثية، أو حتى تقليص الإنفاق بشكل كبير، ما أثر سلبا على طبيعة حياتهم.

ويقول الباحث في الشأن الاقتصادي رامي الزايغ، إن الاحتلال الإسرائيلي يشن حصاراً خانقاً على المواطنين في غزة، وهو ما تسبب في مجموعة من الأزمات المعيشية تتمثل في الغلاء الفاحش بالعديد من السلع الأساسية، الأمر الذي أدى لاستنزاف النقد من جيوبهم، في ظل منع إدخال النقد منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.

ويوضح الزايغ لـ"العربي الجديد" أن منع الاحتلال الإسرائيلي استبدال العملة الموجودة والتي تلفت بسبب التعاملات المالية خلال الحرب، فاقم من عمق الأزمة وأخرج فئات منها من الدورة النقدية، خاصة في ظل رفض التجار والباعة التعامل بها.

ويعتبر فتح مجال الاستيراد خلال الفترة الماضية وخروج كميات من النقد في ظل عدم السماح بإدخال نقد بديل، من أبرز أسباب نقص السيولة التي ترهق الفلسطينيين، وفق الزايغ الذي يشدد على تزامن ذلك مع انقطاع الدخل وتزايد نسب الفقر والبطالة إلى أكثر من 80%، إلى جانب معاناة المواطنين من انعدام الأمن الغذائي.

وتتزامن كل معطيات الحصار المالي مع أزمات أخرى متعددة، مثل نقص الوقود وغلاء المواصلات وانقطاع الكهرباء، والظروف الإنسانية القاسية، والحصار الذي يعيق حركة التجارة، الأمر الذي يبقي المواطن في غزة داخل دائرة مغلفة من التضييق المالي والاجتماعي.

بدوره، يقول الفلسطيني أحمد كلاب، من سكان مخيم الشاطئ للاجئين غربي مدينة غزة، إن "الواقع مرير" وقد أصبحت الأوضاع المالية في غزة غير محتملة بسبب تدني الأجور وتعاظم الأزمات يوما تلو الآخر، إلى جانب نقص البضائع والاستغلال الواضح، عبر إخفاء أصناف أساسية للتحكم في أسعارها.

ويضيف كلاب لـ"العربي الجديد": "الأشياء التي كنا نشتريها بسهولة أصبحت باهظة جدا، إلى جانب عدم توفر السيولة النقدية الكافية، والأوراق المالية التالفة التي من الصعب التعامل بها، على الرغم من عدم وجود بدائل".

ويشير إلى الأزمة المالية المركبة، من خلال الغلاء الشديد في الأسعار وبنسب غير مسبوقة، ونقص السيولة النقدية، وصعوبة إدارة النفقات اليومية، جراء رفض التعامل مع الأوراق النقدية المتوفرة بسبب تلفها نتيجة كثرة التداول.

بينما يوضح عامل البناء سامي بدوي أن الوضع بات لا يطاق، حيث توقف عن العمل بسبب عدم وجود مشاريع جديدة وعدم توفر السيولة النقدية، وهو أمر تسبب في عجزه عن الإيفاء بمتطلبات أسرته، خاصة في ظل اضطراره لاستئجار شقة بمبلغ مرتفع بعد تدمير بيته.

ويشير بدوي لـ"العربي الجديد" إلى أن الوضع المالي المتأزم بات يفرض على الجميع تقليل الإنفاق، الأمر الذي يحرم الأسر العديد من متطلباتها اليومية، مضيفا "نعيش في دائرة مغلقة من المعاناة، كلما حاولنا الخروج منها، نجد أنفسنا في أزمة أكثر قساوة".

في الشأن ذاته، يبين بائع المواد الغذائية أشرف المدهون أن الأزمات المالية المتتالية ألقت بظلالها على الأسواق والحركة التجارية التي باتت تعاني بشكل غير مسبوق.

ويلفت المدهون إلى تفضيل العديد من الزبائن الشراء عبر التطبيقات البنكية والدفع الإلكتروني هربا من أزمة السيولة ونسب التكييش المرتفعة، إلا أنه لا يتمكن من البيع عبر هذه التقنية بفعل رفض العديد من تجار السلع الأساسية التعامل معها، وهو أمر يحد من قدرته على بيع بضائعه.

ويوضح المدهون أن العديد من المعاملات التجارية لا تتم بفعل النقود المهترئة، حيث يرفض استلامها رغم حاجته للبيع، وذلك بفعل رفض التجار التعامل بها، ويقول "تلك الأزمات تدفعني أحيانا لتأجيل دفع ديون التجار لتوفير القليل من المال لأسرتي".

وكانت التحويلات المالية من الخارج، سواء من العائلات المقيمة في دول أخرى أو من المنظمات الدولية، تمثل مصدرا أساسيا للعديد من الأسر في غزة، إلا أن الحصار على تلك التحويلات في بعض الأحيان يزيد من صعوبة تأمين الأموال، خاصة مع القيود التي تفرضها البنوك والشركات على عمليات التحويل.

وتعاني شريحة واسعة من الفلسطينيين من فقدان مصادر دخلهم بسبب انكماش الاقتصاد المحلي وضعف الفرص المتاحة للعمل في القطاع الخاص، بفعل إغلاق وتدمير العديد من الشركات والمحلات التجارية، في الوقت الذي لا يزال فيه القطاع العام يعاني من أزمة تأخير في دفع الرواتب، مما يساهم في تفاقم الوضع المالي في القطاع.

من ناحيته، يقول الباحث والصحافي الاقتصادي أحمد أبو قمر، إن تأثير الحصار المتواصل والعدوان الإسرائيلي على الحالة الاقتصادية بشكل عام، في ظل تدمير مختلف مكوناته جراء قصف المصانع والشركات والمحال التجارية، إلى جانب الإغلاق المتواصل للمعابر.

ويضيف أبو قمر لـ"العربي الجديد" أن الاحتلال الإسرائيلي يتحكم في الاقتصاد الفلسطيني من خلال عمليات إغراق السوق بالبضائع الثانوية، ومنع دخول الأساسية، وهو أمر يزيد من الأعباء الملقاة على المواطنين، خاصة في ظل حالة الغلاء وفقدان شريحة واسعة مصادر دخلها.

ويوضح أن التحديات الاقتصادية التي يواجهها الفلسطينيون ضمن دائرة التضييق المحكمة تتزامن مع استنزاف الحرب لمدخراتهم وقدراتهم المالية، وهو أمر ألقى بظلاله على الأسواق جراء تدني قدراتهم الشرائية. ويشدد أبو قمر على أن التصريحات المحدودة التي يمنحها الاحتلال الإسرائيلي لعدد معين من التجار، يساهم بشكل كبير في التحكم بالأسعار على قاعدة العرض والطلب، الأمر الذي يزيد من حدة الأزمات المتتالية التي تنهك الفلسطينيين.

المساهمون