استعادة أموال العراقيين: مهمة متعثرة بعد 8 أشهر من الوعود

استعادة أموال العراقيين: مهمة متعثرة بعد 8 أشهر من الوعود

08 مايو 2021
يطالب العراقيون منذ سنوات باجتثاث الفساد (مرتضى السوداني/ الأناضول)
+ الخط -

مرت ثمانية أشهر على تشكيل حكومة مصطفى الكاظمي لجنة عليا للتحقيق بقضايا الفساد في العراق. اللجنة حصلت على صلاحيات تنفيذية واسعة برئاسة الجنرال في وزارة الداخلية أحمد أبو رغيف، إلا أن عملها بقي دون التوقعات. حتى اليوم، لم يُسجل للجنة تحقيق النتائج المتوخاة في ما يتعلق باستعادة أموال الدولة التي نهبت جراء عمليات فساد واسعة شهدتها البلاد، وبلغت ذروتها في فترة رئاسة حكومة نوري المالكي بين عامي 2006 و2014.

فقد شكل رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي اللجنة نهاية أغسطس/آب الماضي، لكشف ما وصفها آنذاك بـ"مافيات الفساد" التي ينسب إليها التسبب بضياع مئات المليارات من الدولارات منذ عام 2003 ولغاية الآن. لكن الكثير من الاتهامات أحاطت عمل اللجنة بشأن انتقائية عملها وعجزها عن فتح القضايا المتعلقة بكبار السياسيين والمسؤولين والبقاء ضمن سقف الوزراء والمدراء العامين وأمثالهم.

وتم اعتقال 33 مسؤولاً لغاية اليوم، بينهم محافظون ووكلاء وزراء ومدراء عامون ورؤساء هيئات، كان أبرزهم رئيس دائرة التقاعد العامة أحمد الساعدي، ورئيس هيئة استثمار بغداد شاكر الزاملي، ورئيس شركة (كي كارد) بهاء المعموري، ومدير بلدية المنصور ببغداد علي جار الله، ومحافظ بابل حسن منديل السرياوي، ومن قبله محافظ نينوى نوفل العاكوب، إضافة إلى مسؤولين في بنوك محلية أهلية وأخرى حكومية وشركات تحويل مالي خاصة.

انتقائية ومخاوف

وتحدث مسؤول رفيع في بغداد لـ"العربي الجديد"، شريطة عدم ذكر اسمه، قائلاً إن اللجنة "تواجه مشاكل وضغوطات كبيرة تمنعها من فتح ملفات الفساد الكبيرة في البلاد"، مضيفاً أن هناك نحو 40 ملف فساد ضخماً مرتبطاً بحكومتي رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي.

وشرح المصدر أن قيمة المبالغ المهدورة في هذه الملفات تتعدى 80 مليار دولار، وترتبط بقطاع الكهرباء، ووزارة الدفاع والداخلية والصناعة، إضافة إلى فقدان أموال لم يتم تبويبها أو وضعها في خانة صرف معلومة، وكلها ضمن ممارسات إساءة استغلال السلطة آنذاك والصرف خارج الضوابط.

وأكد المصدر أن اللجنة غير قادرة على فتح أي ملف يتعلق بالمالكي أو القيادات الرئيسة الأخرى بالبلاد، مثل ملف وزارة النقل خلال تولي هادي العامري لها، أو ملف وزارت التربية والصحة والدفاع وهي المرافق التي تعد من الأكثر فساداً وهدراً للأموال في تلك الفترة، وفق تعبير المصدر.

واعتبر أن مجلس القضاء الأعلى في البلاد مسؤول عن إصدار مذكرات القبض أو الاستدعاء بحق المسؤولين بتهم الفساد، ولكنه يتجنب تلك القيادات. ولفت إلى أن المبالغ التي منع هدرها أو التي من المؤمل استعادتها لم تتجاوز 10 ملايين دولار خلال الأشهر الثمانية الماضية، من أصل نحو 350 مليار دولار تعتبر أموال مستنزفة من العراق بفعل فساد الحكومات المتعاقبة.

وعلّق القيادي في تحالف الفتح غضنفر البطيخ، لـ"العربي الجديد"، على عمل اللجنة، لافتاً إلى أن ملفات الفساد ومحاربتها في العراق باتت من "الإجراءات غير السهلة والكبيرة"، مبينا أن "هيئة النزاهة بكامل قدراتها وإمكانياتها وكذلك مجلس القضاء، لم يستطيعا مواجهة مشكلة الفساد خلال السنوات السابقة، ولهذا عمل لجنة مكافحة الفساد لا يمكن اعتباره كافيا للحسم في هذه الملفات، لأن اتخاذ الإجراءات يتطلب أولاً إرادة سياسية حقيقية".

مافيات خطيرة

ووصف غضنفر البطيخ عمل لجنة مكافحة الفساد بأنه "بطيء وفيه غموض"، وشرح أن "مثل هكذا مهام تحتاج إلى نوع من الشفافية، إذ إنه لغاية الآن لا توجد أي نتائج تحقيق عرضت أمام الرأي العام، كما أنه بحسب المعلومات، فإن هذه اللجنة لم تستطع استرداد أي مبلغ من الأموال المنهوبة حتى الآن". واعتبر أن "القضاء على الفساد يتطلب تشكيل لجنة مكافحة فساد خاصة بكل وزارة وخاصة بكل هيئة، لأن هناك مافيات كبيرة وشبكات خطيرة خلف تصاعد حجم الفساد في الدولة العراقية".

واتهم جهات سياسية وشخصيات لم يسمها بـ"الوقوف وراء عمليات الفساد في العراق"، وأكد أنه "لهذا فإن الضغوطات السياسية والتدخلات تعيق عمل لجنة مكافحة الفساد، وتمنع اقترابها من هذه الشخصيات والجهات".

من جانبه، اعتبر عضو ائتلاف "النصر" في البرلمان عقيل الرديني، في حديث مع "العربي الجديد"، أن محاربة الفساد في العراق "تحتاج إلى وقت طويل، وتحتاج إلى تجفيف منابع الفساد وتحصيل الأموال المنهوبة وتلك التي هرّبت إلى خارج البلاد".

وأضاف أن "هذا العمل يحتاج إلى متابعة كافة الموازنات التي تم إطلاقها سواء للمحافظات او الوزارات، كما أن هذا الأمر يتطلب تفعيل دور ديوان الرقابة المالية وهيئة النزاهة وغيرها من الجهات المختصة". وكشف الرديني أن "لجنة مكافحة الفساد أعادت خلال الفترة الماضية بعض الأموال المسروقة، لكن حجم هذا الأموال ليس بالمستوى المطلوب، وليس بحجم عمليات الفساد والسرقات الحاصلة، كما استطاعت اللجنة استعادة بعض العقارات".

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

وبين الرديني أن "الغطاء والحماية السياسية والضغوطات هي التي تمنع لجنة مكافحة الفساد من فتح الملفات الكبيرة والخطيرة، وكذلك الاقتراب من الشخصيات البارزة التي تقود مافيات الفساد في البلد". وأضاف القيادي في ائتلاف النصر أنه "وفق المعلومات، فإن لجنة مكافحة الفساد ستقوم، خلال الفترة المقبلة، باعتقال شخصيات بارزة سياسية وحكومية متورطة بقضايا الفساد، خصوصاً مع الدعم السياسي والشعبي للخطوات التي تقوم بها اللجنة بإدارة أبو رغيف".

ضغوط واسعة

في المقابل، قال الخبير بالشأن العراقي أحمد الشريفي، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، إن "قضية الفساد في العراق لا يمكن أن تنتهي بعام أو عامين وتحتاج إلى حرب طويلة ومفتوحة، خصوصاً أن الفاسد غالباً ما يكون مرتبطاً، ومدعوماً سياسياً، بأطراف محلية وكذا خارجية تكون مستفيدة من الفساد".

وبين الشريفي أن "لجنة مكافحة الفساد برئاسة الجنرال أبو رغيف استطاعت أن تقوم بأعمال لم تستطع كل الجهات الرقابية المختصة القيام بها طيلة السنوات الماضية، من خلال فتح ملفات فساد وتنفيذ أوامر اعتقال بحق شخصيات مسؤولة حكومية أو سياسية، وهذا الأمر بحد ذاته يعتبر إنجازاً للجنة ولا يمكن تجاهله".

وأضاف أن "هناك ضغوطاً كبيرة داخلية، وحتى من أطراف دولية، من أجل إيقاف عمل لجنة مكافحة الفساد، وعدم الاقتراب من الشخصيات البارزة والكبيرة التي تدير عمليات الفساد في الدولة العراقية، ولهذا تجد عمل لجنة مكافحة الفساد يختصر على الشخصيات التي تعتبر أداة للفاسدين الكبار".

المساهمون