استحواذ الصين على شركة طيران إيطالية يفجر أزمة بوجه حكومة دراغي

استحواذ الصين على شركة طيران إيطالية يفجر أزمة بوجه حكومة دراغي

28 سبتمبر 2021
الصفقة ترجع لسنة 2018 بشراء حصة مسيطرة نسبتها 75% من شركة "ألبي أفييشن" (Getty)
+ الخط -

تتسبب صفقة اشترت الصين بموجبها شركة إيطالية للطائرات المسيرة سنة 2018، بأزمة بين البلدين، حيث يُحاكم 6 أشخاص، بينهم 3 صينيين، بتهم مخالفة قانون تصاريح تصدير الأسلحة والمعدات الحربية وقاعدة السلطة الذهبية التي تحمي الشركات الإيطالية العاملة في القطاعات الاستراتيجية.

في التفاصيل، تشهد الحكومة الإيطالية حالياً أزمة تعد الأولى من نوعها في البلاد، حيث أمرت نيابة مدينة بوردينوني (شمال إيطاليا)، بناء على التحريات التي قادتها قوات حرس المالية بالمدينة، بفتح تحقيق مع 6 أشخاص (3 إيطاليين و3 صينيين)، جميعهم أعضاء مجالس إدارات شركات إيطالية وصينية ووجهت إليهم تهمة ارتكاب جرائم مرتبطة بالقانون رقم 185 لسنة 1990 المنظم لتصاريح تصدير الأسلحة والمعدات الحربية وبقاعدة السلطة الذهبية التي تحمي الشركات الإيطالية العاملة في القطاعات الاستراتيجية.

وكشفت تحريات قيادة قوات حرس المالية، كما ورد في بيان على موقعها الرسمي بتاريخ 2 سبتمبر/أيلول الجاري، عن صفقة ترجع لسنة 2018 لشراء حصة مسيطرة نسبتها 75% من شركة "ألبي أفييشن" الإيطالية العاملة في مجال تصنيع الطائرات وبصفة خاصة الطائرات الحربية المسيرة ذات التقنية العالية، والتي كانت توردها إلى القوات المسلحة الإيطالية علاوة على الشراكة التي تجمعها مع مجموعة "ليوناردو"، عملاق صناعات الدفاع الإيطالية في مجال البحوث والتطوير التكنولوجي.

وقد بلغت قيمة الصفقة، التي نفذتها شركة أُسست لهذا الغرض تحديداً وتتخذ من المنطقة الإدارية الخاصة بهونغ كونغ مقراً لها، أكثر من 5 ملايين يورو أيضاً بالنظر إلى ما ارتبط بها من زيادة رأسمال الشركة الإيطالية.

وفي مرحلة لاحقة من التحريات، تم الكشف عن هوية اللاعبين الذين كانوا يتخذون من شركة هونغ كونغ ستاراً لهم، تلك الشركة التي تبين أنها تتبع لشركتين مهمتين مملوكتين للحكومة الصينية، كما تبين أيضاً أن صفقة الاستحواذ على 75% من الشركة الإيطالية، والتي لم تُبلغ بها الحكومة الإيطالية في حينها، لم يكن الغرض منها المضاربة أو الاستثمار، وإنما الاستحواذ حصرياً على تقنياتها الإنتاجية والعسكرية العالية ومن ثم نقلها إلى مجمع ووكسي التكنولوجي للذكاء الاصطناعي الواقع على مسافة أقل من 150 كيلومترا من مدينة شنغهاي.

وعلاوة على ذلك، فقد توفرت لدى قوات حرس المالية قرائن على مخالفة للقانون رقم 185/1990 تتعلق بالتصدير المؤقت، الذي امتد لأكثر من عام، لطائرة مسيرة إيطالية لجمهورية الصين الشعبية بمناسبة المعرض الدولي للاستيراد الذي استضافته مدينة شنغهاي الصين في شهر نوفمبر/كانون الثاني عام 2019.

وكانت هذه الطائرة قد عُرضت على سلطات الجمارك الإيطالية، عن طريق التزوير ومخالفة اللوائح، على أنها نموذج لطائرة موجهة لاسلكياً وليست طائرة مسيرة.

الشركة تنفي 

من جانبها، نفت "ألبي أفييشن" قطعياً، في بيان، أن تكون قد ارتكبت أي مخالفة لقاعدة السلطة الذهبية أو القانون الذي ينظم نقل المعلومات الاستراتيجية أو التكنولوجيا إلى خارج الأراضي الوطنية، واحتفظت بحقها في اتخاذ كافة الإجراءات الكفيلة بحماية سمعتها.

وأضافت أن صفقة الاستحواذ على حصة مسيطرة منها تمت من خلال إجراءات شفافة بما يتوافق مع القيمة الفعلية للشركة والاحترام للوائح الضريبية.

علاقات مع إيران 

وفي تقرير صدر بتاريخ 2 سبتمبر/أيلول الجاري وحمل عنوان "طائرات مسيرة إيطالية في قبضة الصينيين؟ بعد تحقيقات حرس المالية، السلطة الذهبية إلى مجلس الوزراء"، ذكرت مجلة "فورميكي" الإيطالية أن الشركة الإيطالية كانت قد خضعت من قبل لتحريات حرس المالية انطلاقاً من فرضية انتهاكها للحظر الدولي المفروض على إيران من خلال تزويدها بطائرات مسيرة من طراز ستريكس، التي كانت تستخدمها القوة الإيطالية في أفغانستان.

اقتصاد دولي
التحديثات الحية

تحذير أميركي 

وكشفت المجلة عن برقية كانت قد أرسلتها وزارة الخارجية الأميركية في عام 2009 حذرت فيها إيطاليا من وجود اتصالات بين "ألبي أفييشن" وإيران.

وبناء على تلك المعلومة، راقبت السلطات الإيطالية لمدة 3 أشهر الشركة المذكورة من دون أن يتبين لها وجود أي دلائل على تعاملات تجارية غير مشروعة.

شركات إيطالية أخرى 

وأضافت أن التحريات طاولت أيضاً شركتين إيطاليتين أخريين تعملان في قطاعات استراتيجية أبدى رجال الأعمال الصينيون اهتمامهم بالاستحواذ عليهما أيضاً بمخالفة لقاعدة السلطة الذهبية.

الشركة الأولى هي "غرينثيسيز" ومقرها مدينة سيغراتى وتعمل في مجال معالجة النفايات وتوليد الطاقة منها، والثانية "ألمافيفا" ومقرها روما وتعمل في مجال الخدمات المرتبطة بتكنولوجيا المعلومات.

اتحاد الصناعات الإيطالي 

ونقلت المجلة عن ميكيلانجيلو أغروستي، رئيس اتحاد الصناعات الإيطالي في منطقة شمال الأدرياتيك، قوله إن "تحريات حرس المالية كشفت عن مدى تغلغل أنشطة الصين في المنظومة الاقتصادية لبلادنا، ولا سيما في شركات تحظى بقيمة تكنولوجية عالية مرتبطة بقطاعات دفاعية مهمة مثل حالتنا هذه".

أضاف: "ومع أن القلق ما زال يساورنا حيال مصير (ألبي أفييشن)، فإننا واثقون من أنها سوف تعود لقبضة الإيطاليين، بمساعدة الحكومة".

الكرة في ملعب حكومة إيطاليا

وأوضحت المجلة أنه بما أن إخطار الاستحواذ على الحصة المسيطرة للشركة الإيطالية لم يُرسَل في الأوقات المقررة، فإن الوضع الحالي انتقل إلى الإجراءات العقابية التي تراوح بين وقف الحق في التصويت واعتبار جميع الإجراءات المشار إليها بما فيها بيع الشركة لاغية.

ومن المنتظر أيضاً فرض عقوبة إدارية مالية قد تصل إلى ضعف قيمة الصفقة ولا تقل عن 1% من عوائد الشركة، وفقاً لآخر حساب ختامي لها، علاوة على سلسلة من الإجراءات التكميلية.

وقالت إن القرار الذي سيكون بيد رئاسة مجلس الوزراء، من الممكن أن يوجب إقامة دعوى أمام المحكمة الإدارية. وحتى ذلك الحين، سوف تظل "ألبي أفييشن"، التي تربطها علاقات أيضاً بوزارة الدفاع الإيطالية، في قبضة حكومة جمهورية الصين الشعبية، التي لا تندرج في إطار الدول الحليفة لإيطاليا.

ونقلت عن مصادر في جهات التحقيق قولها إن ملف الشركة وصل إلى رئاسة مجلس الوزراء، وتحديداً إلى إدارة التنسيق الإداري المسؤولة عن الأنشطة المتعلقة بممارسة السلطات الخاصة، والتي سوف تتحقق، بالتعاون مع الإدارات الأخرى المعنية، مما إذا كان ثمة انتهاك قد تم حيال الإلزام بالإبلاغ عن الصفقة، وفي حال التأكد من حدوث الانتهاك فمن الممكن اتخاذ الإجراءات العقابية المذكورة سلفاً.

وأضافت المجلة، في تقرير حديث بتاريخ 11 سبتمبر/أيلول، أن اللجنة البرلمانية لأمن الجمهورية طلبت إيضاحات من الحكومة حول قضية "ألبي أفييشن"، التي كانت في قلب جلسة الاستماع التي عقدها البرلمان الإيطالي يوم 7 من الشهر الجاري لفرانكو غابرييللي، وكيل الوزارة المفوض بالإشراف على الأجهزة الأمنية.

وما زلنا تحت قبة البرلمان الإيطالي، حيث تقدم لوكا سوت، عضو مجلس النواب عن حركة 5 نجوم وتحديداً عن مدينة بوردينوني، مقر الشركة موضع النزاع، بطلب إحاطة إلى كل من رئيس الحكومة ووزراء الدفاع والاقتصاد والتنمية الاقتصادية، مشدداً على أن وزارة الدفاع تبين أنها أيضاً من بين عملاء "ألبي أفييشن".

وعلى الرغم من نفي محاميها التهم الموجهة إليها، "فإنه من دواعي القلق سيناريو إمكانية تسلل كيانات اقتصادية أجنبية إلى القطاعات الإنتاجية الأكثر استراتيجية لاقتصادنا الوطني عبر تجاوز الحدود التي أقرتها قاعدة (السلطة الذهبية) لحماية أصولنا الأساسية ومن خلال الاستحواذ على تطبيقاتنا التكنولوجية أيضاً في القطاع العسكري".

وعلاوة على طلبه معرفة المبادرات التي تنوي الحكومة اتخاذها حيال قضية "ألبي أفييشن"، طالب سوت السلطة التنفيذية أيضاً بالتحرك من أجل تعزيز منظومة الرقابة والوقاية على الشركات بهدف إنقاذ القطاعات الاستراتيجية للاقتصاد الوطني الإيطالي.

هكذا ينظر النواب إلى الأزمة

وفي سياق متصل، أوردت صحيفة "إل فريولي" الإيطالية، في تقرير بتاريخ 3 سبتمبر/أيلول الجاري، تعليقات عدد من النواب الإيطاليين على قضية شركة "ألبي أفييشن"، حيث نقلت عن ديبورا سيرَاكياني، رئيسة الكتلة البرلمانية للحزب الديمقراطي بمجلس النواب الإيطالي، قولها إن "الجهود العظيمة التي بذلتها قوات حرس المالية في التحريات الخاصة بقضية (ألبي أفييشن) حماية للقدرات التكنولوجية والدفاعية لبلادنا جديرة حقاً بالثناء. وفي ظل ما أظهرته الطائرات المسيرة في الصراعات المحيطة بالمنطقة، فإن الرقابة الفعالة لجميع أجهزتنا الأمنية حيال هذه النظم والقطاعات الاستراتيجية الأخرى أمر بالغ الأهمية".

بدورها، أوضحت ساندرا سافينو، عضو مجلس النواب عن حزب "فورتسا إيطاليا"، في بيان: "إننا بصدد الاستهداف الصيني مرة أخرى لإقليم فريولي فينيتسيا جوليا، حدث هذا مع ميناء ترييستى ويتكرر الآن من خلال الاستحواذ على شركة تعمل في مجال تطوير وإنتاج طائرات مسيرة لأغراض عسكرية. في كلتا الحالتين، نجد أن تركيز التنين الصيني منصرف إلى هدفين استراتيجيين، فشل في تحقيق الأول بينما نجح في اقتناص الثاني على ما يبدو".

وقالت: "تأتي تحركات بكين من خلال استراتيجية وضعتها على الأرض منذ عقود: الدخول إلى إيطاليا بهدف الاستحواذ على قدرات تكنولوجية وإمكانيات صناعية".

وأشارت إلى أنها أعدت "طلب إحاطة لوزارة الدفاع من أجل إلقاء مزيد من الأضواء على هذه المسألة الحساسة، وعلى التحركات التي تنوي الحكومة اتخاذها من أجل عدم انتهاء الأمر بالشركات الإيطالية الممتازة العاملة في القطاعات التكنولوجية إلى السقوط في قبضة الحكومة الصينية".

المساهمون