استثناءات "قيصر"... فرص معيشية تُفاقم فرقة السوريين

استثناءات "قيصر"... فرص معيشية تُفاقم فرقة السوريين

19 مايو 2022
أميركا تحرم سكان إدلب من الاستفادة من استثناءات العقوبات (عز الدين قاسم/الأناضول)
+ الخط -

سمح القرار الأميركي باستثناء مناطق سورية محددة من عقوبات قانون "قيصر" والسماح بأعمال استثمارية في قطاعات معينة، ليمنح المواطنين في هذه المناطق فرصة جديدة للحياة وتحسين معيشتهم، لكنه يبقى قراراً منقوصاً، بسبب العقبات التي تواجه تنفيذه.
ويعد عدم وجود مصارف في بعض الأماكن بالشمال السوري من أبرز التحديات التي تقلل من فرص استفادة معظم السوريين من القرار الأميركي، بالإضافة إلى استبعاد المناطق المحررة التي تشرف عليها تركيا من قرار الاستثناءات.
ويأتي ذلك وسط مخاوف من ترسيخ القرار الأميركي لتقسيم البلاد التي تعاني من صراعات متواصلة منذ أكثر من 10 سنوات.
ويرى وزير الاقتصاد بالحكومة السورية المعارضة عبد الحكيم المصري أن قرار وزارة الخزانة الأميركية باستثناء مناطق سورية محددة من عقوبات قانون "قيصر" والسماح بأعمال استثمارية في قطاعات معينة، بهدف تعزيز الاستقرار ومنع عودة ظهور تنظيم "داعش"، خطوة مهمة لكنها غير كافية.
وأشار إلى أن الاستثناءات لم تشمل جميع المناطق الخارجة عن سيطرة نظام بشار الأسد، رغم أنها بأمس الحاجة للإعمار والتنمية ومن يقطنها هم سوريون يتطلعون لفرص العمل والاستثمار، بصرف النظر عن الجهات المشرفة أو المسيطرة.

ويعتبر الوزير المعارض خلال حديث خاص لـ"العربي الجديد"، أن إبعاد مناطق "عفرين وتل أبيض وإدلب" عن الاستثناء الأميركي سيخلق أزمات "ربما لا تعيها واشنطن" التي أضافت منطقة الباب بريف مدينة حلب، شمال غرب سورية، للمناطق المستثناة، كي لا تكشف أن هدف قرارها يصب في مصلحة قسد التي تسيطر على معظم مناطق شمال شرق سورية وهي، برأي الوزير، خزان سورية النفطي والمائي والغذائي.
وأضاف: لو جاء قرار الاستثناء لجميع المناطق الخارجة عن سيطرة بشار الأسد لرأينا فيه مصلحة لجميع السوريين.
وحذر من أن يؤدي القرار إلى أزمة كثافة سكانية في بعض الأماكن، إذ ستتم الهجرة إلى المناطق المستثناة من القرار والتي هي عملياً تحت الهيمنة الأميركية، في حين تزيد معاناة المناطق التي أبعدتها وزارة الخزانة.
وأشار إلى أنه في المناطق المستبعدة الكتلة السكانية الأكبر (إدلب فيها نحو 2.5 مليون نسمة، ومنطقتا رأس العين وتل أبيض فيهما نحو 300 ألف، ولا يقل قاطنو عفرين وما حولها عن 500 ألف).
وحول واقعية القرار وإمكانية نجاحه على الأرض، يضيف الوزير بالحكومة المؤقتة المعارضة أن "هناك مشاكل كثيرة، فمثلاً لا توجد مؤسسات مالية ومصرفية شمال غرب سورية، وتلك المؤسسات تأتي في صلب احتياجات المستثمرين ورجال الأعمال المتوقع جذبهم، كما لا يتم الاعتراف دولياً بالوثائق الصادرة عن حكومة المعارضة (شهادة منشأ، إجازات استيراد وتصدير)، وهذا أيضاً سيعيق العمليات التجارية ويؤثر على التطلعات بإقامة مدن أو مناطق صناعية".

ووصلت مخاوف بعض المحللين من أن يكون بالاستثناء الأميركي بداية لتقسيم سورية، أو اقتسام نفوذ على الأقل لقوات "الأمر الواقع" على الأرض.
ويصف الباحث السوري أسامة قاضي قرار وزارة الخزانة الأميركية بـ"الترميمي والمنقوص"، لأنه لم يترافق مع تأمين بنية قانونية ويبقي على سيطرة "المليشيات"، ما يحد من آمال نتائجه بجذب الاستثمارات وإقامة الصناعات وتنمية الزراعة.
ورجح أن "السوريين الأميركيين" أكثر المستفيدين من القرار، لأنهم ربما يستثمرون ببعض الأعمال، من دون مخاوف من العقوبات ومن دون موافقة مكتب "الأوفاك" المعني بالأصول الخارجية أو وزارة الخزانة.
ويرى قاضي خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، ضرورة حل "حكومة الإنقاذ" حتى يشمل قرار الاستثناء كامل شمال غرب سورية، وبالتالي جعل الحكومة المؤقتة المعارضة هي المسيطرة وصاحبة القرار والنفوذ.
وفي الوقت الذي عبرت خلاله تركيا إلى جانب حكومة بشار الأسد، عن امتعاضهما من الاستثناء، رحبت قوات سورية الديمقراطية، واعتبرته بداية للازدهار المأمول، بل وسارعت "قسد" عبر ما يسمى "هيئة الاقتصاد في الإدارة الذاتية لشمال شرقي سورية"، للإعلان عن التحضير لإصدار قانون جديد للاستثمار لجذب الأموال، بحسب تصريح الرئيس المشارك للهيئة سلمان بارودو، لوكالة "نورث برس".
وقال بارودو: "ننوي إصدار قانون جديد للاستثمار، بعد استثناء المنطقة من العقوبات الأميركية المفروضة بموجب قانون قيصر، وأصبح من الممكن إنشاء المشاريع في المنطقة"، مؤكدًا أن الاستثناء سيساهم في إنعاش المنطقة اقتصاديًا.
وأشار إلى أن "الإدارة الذاتية" ستركز في الطرح الاستثماري على المشاريع الزراعية ومشاريع الاكتفاء الذاتي لتحسين الوضع المعيشي للسكان وتحقيق الأمن الغذائي في المنطقة".

وصلت مخاوف بعض المحللين من أن يكون بالاستثناء الأميركي بداية لتقسيم سورية، أو اقتسام نفوذ على الأقل لقوات "الأمر الواقع" على الأرض


ويصف مسؤول بـ"الإدارة الذاتية" طلب عدم ذكر اسمه، المناطق المستثناة من عقوبات قانون "قيصر" بالأهم سورياً، فالمناطق التي تسيطر عليها "الإدارة" تنتج اليوم، ورغم معوقات الإنتاج الزراعي، الحصة الأكبر سورياً من القمح والشعير، كما لا يقل إنتاج النفط اليومي عن 110 آلاف برميل نفط، إضافة إلى 13 ألف أسطوانة غاز من معمل رميلان.
وحول توقعاته لوجه المنطقة مستقبلاً، يضيف المسؤول متحدثا لـ"العربي الجديد": أولاً التقسيم غير وارد وليس من مبررات للمخاوف التي نسمعها، وربما إدارة المنطقة والفيدرالية هي قمة الطموح.
وكانت تركيا قد رفضت قرار الخزانة الأميركية لسببين، الأول إبعاد المناطق التي تشرف عليها من الاستثناء، والثاني أن القرار شمل مناطق يسيطر عليها من تسميهم أنقرة بالإرهابيين.
ويرى المحلل التركي يوسف كاتب أوغلو أن استثناء قرار وزارة الخزانة الأميركية، هو "خدمة للمليشيات الكردية التي تسيطر بالقوة على شمال شرق سورية، بل ويؤكد الرغبة الأميركية بترسيخ تقسيم سورية".
ويضيف كاتب أوغلو متحدثاً لـ"العربي الجديد"، أن "تفرّد (قسد) بالثروات والمقدرات السورية، واستثناءها من العقوبات لتجذب الاستثمارات وتستمر بسرقة حقوق السوريين، يعتبر شرعنة أميركية وبداية لتأسيس كيان دولة داخل الدولة".

المساهمون