ارتفاع الأسعار يسرق فرحة الأضاحي في 4 دول عربية

ارتفاع الأسعار يسرق فرحة الأضاحي في 4 دول عربية

27 يونيو 2022
كثير من الأسر تتجه نحو مقاطعة شراء الأضاحي بسبب غلاء الأسعار (أشرف شاذلي/فرانس برس)
+ الخط -

اقترب عيد الأضحى، في ظل موجات غلاء متصاعدة لأسعار الأضاحي واللحوم، وسط شكاوى التجّار من ارتفاع تكلفة الأعلاف والنقل، ورغم ذلك، ما زالت الآمال معلقة من أجل زيادة المبيعات، خلال الفترة المقبلة، مع حصول الموظفين على رواتب شهر يوينو/ حزيران الجاري.
وفي هذا السياق، رصدت "العربي الجديد" أوضاع أسواق الماشية وآراء التجّار والمستهلكين والإجراءات الحكومية في كل من تونس ومصر والسودان والجزائر كنماذج لما يحدث في باقي أسواق الدول العربية.

تونس: ضعف الإقبال
رغم اقتراب عيد الأضحى، لا تزال أسواق الماشية في تونس تشهد ضعفا في الإقبال مع توقّعات أن ترتفع وتيرة الشراء بعد صرف رواتب شهر يونيو/ حزيران الحالي وتحسّن العرض، حيث لا يزال العرض محتشما في أغلب المحافظات.
ويمارس مربو الماشية والتجار بدورهم سياسة جسّ النبض مؤجلين تحسين عرض المواشي إلى الأيام الأخيرة التي تسبق العيد، حيث يرتفع الإقبال على الأسواق ويزيد الطلب مهما كانت الأسعار، نتيجة تمسّك التونسيين بإحياء شعيرة الأضحى رغم وضعهم الاقتصادي الصعب.
وتسعى الهياكل المهنية للمربين، بالتشارك مع وزارات الإشراف، إلى السيطرة على الأسعار باعتماد آلية بيع المواشي بالميزان اعتمادا على سعر مرجعي يحدد من قبل الطرفين.

وهذا العام، قررت الأطراف المتدخلة في مجال تربية الماشية اعتماد سعر مرجعي لبيع أضاحي العيد بسعر 14 دينارا (الدولار = نحو 3 دنانير) للكيلوغرام، خروف حيّ، لجميع أصناف الخراف في نقاط البيع بالميزان المنظمة مقابل 13 دينارا للعام الماضي.
وقال مدير وحدة الإنتاج الحيواني بمنظمة المزارعين منوّر الصغيري إن الهياكل المهنية، بالاتفاق مع الدوائر الرسمية لوزارة التجارة، عملت على ضبط سعر مرجعي مجزٍ للمربين الذين يعانون من تزايد الكلفة الناتجة عن قفز أسعار الأعلاف إلى مستويات قياسية.
وأكد الصغيري لـ"العربي الجديد" أن الزيادة بدينار واحد في سعر كلغ لحم الأضحية ستترتب عنه زيادة في السعر الإجمالي ما بين 50 و150 دينارا، وذلك حسب وزن الأضحية.
وأوضح من جانب آخر أن أسعار الأعلاف المركبة الموجهة لتسمين الأغنام شهدت ارتفاعا غير مسبوق بنحو 40 بالمائة، وهو ما يعادل 270 دينارا في الطن الواحد.
وقدّر الصغيري حجم القطيع الجاهز للعرض خلال عيد الأضحى بـ1.5 مليون أضحية، في حين تقدّر حاجيات السوق وفق الأرقام المسجلة في المواسم الماضية نحو 700 ألف أضحية.
والعيد هو موسم المبيعات الأكبر لمربي الماشية، حيث تسجل سوق تونس تراجعا في استهلاك لحم الضأن نتيجة الغلاء وتراجع الدخول.
ويمثل الأضحى المناسبة الوحيدة لاستهلاك اللحوم الحمراء بالنسبة لشريحة واسعة من التونسيين. وفقراء تونس وطبقاتها المتوسطة هم الأكثر تشبثا بأضحية العيد مقابل تراجع الاقبال عليها لدى الأسر ذات الدخل المرتفع، التي يكون شراء اللحوم الحمراء أمرا متاحا بالنسبة إليها على مدار السنة.
وتتدخل الدولة في تعديل سوق الأضاحي سنويا عبر شركة اللحوم الحكومية، التي توفّر عرضا كبيرا من الأضاحي في نقاط بيع منظمة.

مصر: قفزة في الأسعار
سجلت أسعار لحوم الأضاحي هذا العام في مصر ارتفاعات بنسب تخطت 30 في المائة مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، حسب مستهلكين وتجّار، إذ ارتفع سعر اللحم البقري من 60 جنيهًا للكيلو القائم إلى 78 جنيهًا، والجاموسي من 54 جنيهًا إلى 68 جنيهًا، والضأن من 60 إلى 85 جنيهًا (الدولار = نحو 18.56 جنيها)، مع تراجع ملحوظ في نسبة المعروض بالمقارنة بالموسم الماضي.

وعزا عضو الشعبة العامة للحوم بالاتحاد العام للغرف التجارية، محمد شهاب، ارتفاع أسعار اللحوم إلى سبب رئيسي مرتبط بارتفاع أسعار الأعلاف، ما أدى إلى خروج شريحة كبيرة من المنتجين من السوق نتيجة الخسائر التي تعرضوا لها، باستثناء أصحاب المزارع الكبيرة، مضيفاً أن انتشار مرض الحمى القلاعية كان له تأثير كذلك على حجم المعروض.
وأفاد شهاب في تصريحات، لـ"العربي الجديد"، بأن القوى الشرائية لمستهلكي اللحوم تراجعت بمعدل 50 في المائة عقب ارتفاع الأسعار.
ويكشف الجزار حبيب إسماعيل عن ارتفاع خسائره إلى أكثر من 100 ألف جنيه منذ موسم عيد الفطر وحتى الآن، بسبب ارتفاع أسعار اللحوم بالأسواق نتيجة ارتفاع أسعار الأعلاف بنسب قد تصل إلى 100 في المائة.
وأوضح في تصريحات خاصة أن بيع كيلو اللحم الجاموسي عند 150 جنيهًا للكيلو في المتوسط يمثل خسائر لأي جزار، فالسعر العادل هو 180 جنيهًا، لكن القوى الشرائية للمستهلك لا تتحمل هذا السعر، فنضطر للبيع بخسارة.
وأشار إلى أن ارتفاع أسعار اللحوم، مع تراجع القوى الشرائية، انعكس على تراجع أعداد المضحين هذا العام، بمعدلات قد تتخطى 50 في المائة.
ويتوقع تاجر المواشي أحمد محمد تراجع أعداد المضحين هذا العام بمعدلات تتخطى 50 في المائة بالمقارنة بالعام الماضي بسبب ارتفاع أسعار اللحوم.

تستهلك مصر من اللحوم الحمراء سنويا نحو 950 ألف طن، تنتج محليا منها نحو 520 ألف طن، وتستورد 430 ألف طن


وقال محمد لـ"العربي الجديد": ارتفاع أسعار الأعلاف بنسب تخطت 100 في المائة اضطر الكثير من المربين، وخاصة أصحاب القروض، "مشروع البتلو"، إلى التخلص من قطعانهم في رمضان الماضي، تفاديًا لخسائرهم المتلاحقة بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج، ما أدى إلى تناقص المعروض من لحوم الأضاحي.
وتستهلك مصر من اللحوم الحمراء سنويا نحو 950 ألف طن، تنتج محليا منها نحو 520 ألف طن، وتستورد 430 ألف طن، فيما قدر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء متوسط نصيب الفرد من اللحوم الحمراء في الشهر بنحو 7.3 كيلوغرامات في السنة، لافتًا إلى أن إنتاج مصر من اللحوم خلال 2020 وصل إلى نحو 512 ألف طن، مقابل 543 ألف طن عام 2019.

السودانيون نحو المقاطعة
دفع الغلاء الكبير في أسعار الأضحية كثيرا من السودانيين نحو مقاطعة الشراء، بسبب محدودية الدخول والأوضاع المعيشية القاسية التي يعانون منها.
وقال رب الأسرة خالد محمد الهادي الذي يسكن بمنطقة الدروشاب في الخرطوم بحري، لـ"العربي الجديد"، إن أسعار الخراف مرتفعة كثيرا هذا الموسم، وإنه لن يتمكن من توفير قيمتها لأن راتبه محدود ولا يفي باحتياجات الأسرة الضرورية.
وأشار إلى أنه سيقوم في اليوم الأول للعيد بشراء كيلوغرامين من اللحوم الحمراء من الملحمة لأبنائه، للاحتفاء بالمناسبة وحتى لا يحرمهم من فرحة العيد.
وأشارت الموظفة نهى نجم الدين من الخرطوم، لـ"العربي الجديد"، إلى أنها تعمل في مشغل يدوي، وستضطر لمشاركة أسرة شقيقتها ثمن الأضحية، لعدم قدرتها على الشراء بمفردها لارتفاع أسعارها إلى أرقام فلكية.
وقال تاجر الخراف بسوق الخوي في أم درمان، أكبر سوق للأضاحي بالسودان، أحمد شرحبيل، لـ"العربي الجديد"، إن الوارد الأسبوعي للأضاحي بالسوق من مناطق الإنتاج بشمال دارفور ودارفور الكبرى وكردفان ضئيل، إذ يتراوح ما بين 6 و7 آلاف رأس فقط، مبينا أن السعر يتباين ما بين 75 ألفاً و150 ألف جنيه.

وقال شرحبيل إن ارتفاع أسعار الأضاحي هذا العام سببه الرسوم الحكومية الاتحادية والولائية العالية وارتفاع تكلفة نقل الماشية من مناطق الإنتاج إلى الخرطوم لارتفاع أسعار الجازولين، ما يضطرنا لزيادة الأسعار للمواطن حتى لا نتعرض للخسائر.
وقال التاجر بسوق قندهار للمواشي في أم درمان عبد الله محمد صالح، لـ"العربي الجديد"، إن أسعار الخراف تتراوح ما بين 80 ألفاً و200 ألف جنيه للرأس الذي يزن ما بين 30 و35 كيلوغراماً.

اللحوم المجمدة في الجزائر
ومع اقتراب عيد الأضحى، دفع ارتفاع أسعار الأضاحي واللحوم الحمراء المحلية في الجزائر المواطنين إلى توجيه نداء للحكومة، من أجل إلغاء توقيف استيراد اللحوم المجمدة، المُطبق منذ يناير/كانون الثاني، كون اللحوم المجمدة كانت البديل والملاذ بالنسبة للعائلات ذات القدرة الشرائية المتوسطة والضعيفة، بالنظر لسعرها المنخفض مقارنة باللحوم الطازجة.
كانت وزارة التجارة الجزائرية قد أبلغت مستوردي اللحوم المجمدة عدم منح رخص الاستيراد في الوقت الراهن، وذلك في وقت كان ينتظر فيه المستوردون استلام التراخيص الإدارية لإحداث توازن في الأسواق.
وإلى ذلك، يكشف مستورد اللحوم رشيد عميمر، لـ"العربي الجديد"، أن "وزارة التجارة فاجأتهم، مطلع يناير/ كانون الثاني المنصرم، برفضها الإفراج عن رخص الاستيراد، مكتفية بالقول إنها لم تفصل بعد في عدد التراخيص ولا الكمية المسموح باستيرادها، وهل سيتم الفصل بين اللحوم المجمدة واللحوم نصف المجمدة المستوردة من إسبانيا وفرنسا وحتى من البرازيل، قبل أن تدرجها، شهر فبراير/شباط، في قائمة المنتجات الممنوعة من الاستيراد لحماية الإنتاج الوطني."
وأضاف نفس المتحدث: "كنا نتوقع الإفراج عن رخص الاستيراد حتى نتمكن من تحويل الطلب إلى شركائنا، وبالتالي نضمن توفير كميات معتبرة خلال شهر رمضان المنصرم حتى تستقر الأسعار، لكن الحكومة كانت لها كلمة أخرى".
وإذا كان تذمر المستوردين جاء تحت ضغط انهيار نشاطهم التجاري، فإن الشارع الجزائري بدوره يحمل نفس التذمر من غياب هذا العنصر الغذائي عن مائدته، خاصة أن أسعار اللحوم الطازجة ارتفعت قرابة 30 بالمائة منذ مطلع السنة، خاصة بعد نفاذ اللحوم المجمدة في الأسواق.
يقول المتقاعد مقران دريسي، الذي التقته "العربي الجديد" في أحد أسواق العاصمة الجزائرية، إن "اللحوم المجمدة المستوردة كانت البديل بالنسبة للعائلات متوسطة الدخل، لأنها كانت أقل ثمنا حيث لا يتعدى سعرها 800 دينار (8.27 دولارات) للكيلوغرام الواحد، في وقت بلغ سعر الكيلوغرام الواحد المحلي 1500 دينار (14.63 دولارا)".
وأردف نفس المتحدث قائلا: "ارتفعت أسعار اللحوم الطازجة بشكل كبير مؤخرا بعد غياب المنافسة، وأصبح المربي الجزائري هو من يتحكم في السعر، نتخوف من جنون في الأسعار قبيل عيد الأضحى".
في سوق "الحراش" في قلب العاصمة الجزائرية، قال الجزار محمد قيدوم لـ"العربي الجديد" إن "اللحوم المجمدة كانت تشكل ثلثي مبيعات الجزارين، بسبب سعرها مقارنة مع اللحوم الطازجة، الآن الجزار بات يشتري اللحوم الحمراء الطازجة مرتين إلى 3 أسبوعيا بسبب تراجع المبيعات مؤخرا بسبب الأسعار المرتفعة".
وحسب تقارير رسمية، كانت الجزائر تستورد سنويا ما يعادل 140 مليون دولار من اللحوم، أي بين 60 و70 ألف طن سنويا من اللحوم المجمدة، وهي نسبة بعيدة عن الطلب السنوي المقدر بحوالي 900 ألف طن. وتعد البرازيل والأرجنتين، بالإضافة لفرنسا وإسبانيا، الدول الأكثر تصديرا للحومها نحو الجزائر، وفق دفتر أعباء وضعته وزارة الفلاحة الجزائرية، تراعى فيه الشريعة الإسلامية في عمليات الذبح.