استمع إلى الملخص
- يعاني السوق من غياب الرقابة ووجود فروقات كبيرة في الأسعار بين المتاجر، مما يضطر المواطنين إلى شراء اللحوم بأسعار مرتفعة أو العودة خالي الوفاض، ويزيد من الضغوط الاقتصادية على الأسر.
- يعود ارتفاع الأسعار إلى غلاء الأعلاف وضعف البنية التحتية للمداجن وغياب الدعم الحكومي، مما يؤثر على الصحة العامة ويزيد من سوء التغذية، ويطالب الخبراء بتفعيل الرقابة ودعم قطاع الدواجن.
تشهد محافظة إدلب شمال غربي سورية ارتفاعاً ملحوظاً في أسعار الفروج، ما أثار استياءً واسعاً بين الأهالي الذين يعانون أصلاً من ظروف معيشية صعبة في ظل تراجع القدرة الشرائية وغياب الرقابة الفعلية على الأسواق، ويأتي هذا الارتفاع في وقت تشهد فيه السوق المحلية تذبذباً في العرض والطلب، وسط شكاوى متكرّرة من المواطنين حول استغلال بعض التجار للأوضاع الاقتصادية.
وفي إحدى أسواق مدينة إدلب، يقف علاء العرعور أمام واجهة أحد محالّ بيع لحوم الدجاج، يتأمل قائمة الأسعار بدهشة، قبل أن يقول بنبرة لا تخلو من السخرية: "هل أطعَمَه ذهباً حتى أشتريه بهذا السعر؟"، ويضيف: "كنّا نحضر الفروج مرة في الأسبوع على الأقل، أمّا اليوم فلا نقدر حتى على شراء جناح دجاج، كل شيء يرتفع سعره، بينما ما زالت رواتبنا تراوح مكانها".
والحديث هنا ليس عن سلعة فاخرة أو مستوردة، بل عن الفروج، الطعام الشعبي الذي يشكل مصدراً أساسياً للبروتين على موائد السوريين، إلّا أن سعره بلغ مؤخراً مستويات صادمة، إذ تجاوز عتبة الألفي دولار للطن الواحد، بعدما كان لا يتعدى 1700 دولار في السابق. وفي ظل هذا الواقع، تقف عائلات كثيرة في إدلب أمام خيار صعب، إما الاستغناء عن اللحوم البيضاء، أو تقليص وجباتها إلى الحد الأدنى. فالفروج لم يعد مسألة غذاء فحسب، بل بات مؤشراً اقتصادياً يلخّص التدهور المعيشي في المنطقة.
في السياق، يقول فادي الحسين، وهو موظف في إحدى المنظمات المحلية، إن الأسواق تعاني من غياب الرقابة، ووجود فروقات كبيرة في الأسعار بين متجر وآخر، دون حلول واقعية لضبط الأسعار، ويضيف أنه لا توجد تسعيرة موحدة، وكل بائع يفرض السعر الذي يناسبه، مشيراً إلى أن المواطن لا يملك خياراً، إما أن يشتري بأسعار مرتفعة، أو يعود إلى بيته خالي الوفاض، ويؤكد أن أسعار اللحوم الحمراء مرتفعة، وغالبية الأهالي يعتمدون على اللحوم البيضاء، غير أن ارتفاع أسعارها أيضاً حرم شريحة واسعة من ذوي الدخل المحدود من شرائها.
من جانبه، يوضح المهندس الزراعي علي حمود في حديث مع "العربي الجديد"، أن ارتفاع أسعار الفروج يعود إلى عوامل مترابطة، أبرزها غلاء الأعلاف التي تشكل أكثر من 70% من تكلفة الإنتاج، بالإضافة إلى ضعف البنية التحتية للمداجن وغياب الدعم الحكومي أو من المنظمات العاملة في هذا القطاع. ويضيف أنه من خلال فصل الشتاء، نفقت أعداد كبيرة من الدواجن نتيجة نقص التدفئة واللقاحات، ما أدى إلى تراجع المعروض وارتفاع الأسعار.
وحذّر حمود من أن هذا الغلاء لا ينعكس على المائدة فحسب، بل أيضاً على الصحة العامة، إذ إن تراجع استهلاك البروتين الحيواني، خصوصاً لدى الأطفال والنساء، قد يؤدي إلى نقص حاد في العناصر الغذائية الأساسية، وظهور حالات سوء تغذية في بعض المخيّمات والمناطق الريفية. مطالباً الجهات المعنية بتفعيل الرقابة التموينية لمنع الاحتكار، ودعم قطاع الدواجن من خلال تقديم الأعلاف بأسعار مدعومة، إضافة إلى دعم صغار المربين وتشجيع الإنتاج المحلي.
من جهة أخرى، قال برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إنّ تسعة من كل عشرة أشخاص في سورية يعيشون في فقر، وإنّ واحداً من كل أربعة أشخاص عاطل عن العمل. ورغم ذلك، أشار البرنامج إلى أن اقتصاد البلاد يمكن أن يستعيد مستواه قبل الصراع في غضون عقد من الزمان، في حال تحقق نمو اقتصادي قوي، وأوضح البرنامج الأممي أن أربعة عشر عاماً من الصراع في سورية أفسدت ما يقرب من أربعة عقود من التقدم الاقتصادي والاجتماعي ورأس المال البشري.
وتابع أنه وفقاً لمعدلات النمو الحالية، لن يستعيد الاقتصاد السوري مستواه قبل الصراع من الناتج المحلي الإجمالي قبل عام 2080، وبيّن أن تعافي الاقتصاد خلال عشر سنوات يتطلب أن يرتفع النمو الاقتصادي السنوي ستة أضعاف، وأن الوصول إلى ما كان يجب أن تكون عليه سورية لولا الحرب يحتاج إلى نمو طموح بمعدل عشرة أضعاف خلال 15 عاماً.