إيلون ماسك والبيتكوين

إيلون ماسك والبيتكوين

13 مايو 2021
صاحب شركة "تسلا"، إيلون ماسك، (وسط) يكسب من العملات الرقمية (Getty)
+ الخط -

في خبر تناقلته محطة التلفزيون الأميركية "CNBC"، يوم 8 فبراير/شباط الماضي، أعلنت أن شركة "تيسلا" لصناعة السيارات الكهربائية قد اشترت عملة بيتكوين (Bitcoins) بما قدره 1.5 مليار دولار. وأعلنت الشركة، في الوقت نفسه، نقلا عن مراسل "CNBC"، ستيف كوفاك، عن نيتها قبول هذه العملة مقابل مشتروات منها.

وعلّق المراسل كوفاك بقوله، في نهاية التقرير، إن إيلون ماسك (Elon Musk)، صاحب شركة تيسلا هو الذي يعود له الفضل في رفع أسعار العملات (cryptocurrencies) بما فيها "بيتكوين"، من خلال تغريداته التي يبثّها عبر حسابه على "تويتر".

وفي يوم 21 فبراير/شباط، نشر رون شيفلين (Ron shevlin)، المحرّر لدى مجلة "فوربس" (Forbes) المختص في شؤون التكنولوجيا المالية (Fintech)، أن إيلون ماسك يؤثر على متابعيه في شرائهم وبيعهم العملات المشفرة. وهذا يُحدث أثرا كبيرا على سوق هذه العملات، لأن عدد المتابعين لهذا المستثمر العبقري حوالي 49 مليون شخص من كل أنحاء العالم.

ونشرت الـ (Insider)، يوم الثامن من شهر مايو/أيار الحالي، خبرا يقول إن بعض القراصنة hackers قد دخلوا إلى حساب إيلون ماسك قبل مشاركته في برنامج (Saturday Night Live) أو SNL، ما أدّى إلى زعزعة ثقة السوق في البيتكوين، وأدى كذلك إلى تراجع أسعاره من 55.438 دولارا لكل وحدة بيتكوين إلى حوالي 47 ألف دولار. وأحدث بلبلة كذلك في أسعار العملات المشفرة الأخرى.

والسؤال الذي يخطر على البال: ماذا سيكون حال العملات الدولية مثل الدولار، واليوان، واليورو، وغيرها من العملات الرائدة في العالم، إن استمرت هذه المضاربات على العملات الكريتبو أو "العملات المشفرة"؟

بالطبع، هناك شك كبير يحوم حول السماح لشخص واحد أن يكون له كل تلك القوة المؤثرة على مجريات سوق العملات المشفّرة، ويتمكّن، بكلمات منه، عبر "تويتر"، أن يرفع السعر خلال فترة لا تتجاوز الساعتين، بنسب عالية جدا، أو يخفضها بنسبة تبلغ 25%.
في هذا السلوك ما يذكّرنا بالمعلومات السرّية أو الداخلية (Inside information)، أو حصول مضارب على معلومات قبل نشرها، فيشتري سهما ما أو يبيعه، محققاً لنفسه أرباحا طائلة من وراء تلك المعلومات.

أما في حالة إيلون ماسك، فإنه هو الذي يصنع الخبر، وهو الذي يتصرّف على أساسه، فإذا أراد أن يرفع السوق، يكون لديه مخزون من عملة البيتكوين أو غيرها من العملات المشفرة، فيبث رسالة تقول إن شركته تريد الاستمرار في التعامل بتلك العملة، فيسرع المتابعون له إلى الشراء رافعين الأسعار، فيبيع تلك العملة بالأسعار العالية، ثم يعود ليقول إن العملة لن ترتفع في المستقبل، ما يؤدّي إلى هبوط أسعارها، فيعود إلى شراء ما باعه بأسعار أقل.

وقد تتعقد المعاملات أكثر من الشرح المباشر الذي قدم في هذه الفقرة، ولكن النتيجة أنه ظاهريا يتصرّف كأنه "صانع سوق" أو Market Maker.

ولكن يمكن اعتبار ذلك سلوكا على حافّة القانون، ويكاد يقترب من تهمة الحصول على معلوماتٍ داخليةٍ تجعله قادراً على المناورة في أسعار العملات المشفرة، محقّقاً لنفسه أرباحاً كبيرة مشكوكاً في قانونيتها.

الكلام في الإعلام كثير وكثير عن هذا النوع من المضاربة، والتي تغرّر بملايين الشباب في العالم الحالمين بالغنى. وما يجعل إيلون ماسك متمتعاً بكل هذا التأثير، أنه يقترب من احتلال المركز الأول عالمياً من حيث الثروة، خصوصا بعد طلاق بيل غيتس من زوجته.

أما الأغنى في العالم حتى الآن فهو جيف بيزوس، المتقاعد حديثاً من إدارة شركة أمازون والمطلق زوجته ماكنزي. وتقدّر ثروته بحوالي 191 مليار دولار، ثم يليه إيلون ماسك 166 مليار دولار، ثم بيل غيتس بمقدار 130 مليارا، وأخيراً مارك زوكربيرج، رئيس "فيسبوك" بمقدار 116 مليارا.

لا أحد يتساءل عن الثلاثة الآخرين إذا كانوا سيصبحون "تريليونيرية". أما إيلون ماسك فالسؤال يدور حوله، والناس معجبون بنسبة ذكائه، وبقدراته الخارقة. لقد حوّلته الصحافة، في الآونة الأخيرة، إلى إله في جبل أوليمبوس المالي. وقريباً سيحلّ في المكانة الأولى، ويصبح كبير الآلهة الذي تعلموا منه السحر.

وكل هذا البناء والنفخ الإعلامي الكبير حوله يجعله أكثر تأثيراً وفاعلية، ليس فقط في أسواق المضاربة، بل وفي أسواق السلع وتكنولوجيا الطاقة وعلم الفضاء، سيصبح الرجل "ميداساً" بكل معنى الكلمة، وملايين البشر تعامله كأنه صاحب اليد الذهبية التي تمسك التُّراب، وتحوله، بلمسة ساحر، إلى تِبْر أصفر برّاق يخطف الأبصار.

إذا انتشرت ظاهرة تقديس الرموز الرأسمالية في الأسواق العالمية، أو إذا برز فجأة شخصٌ لامع برّاق، فعليك أن تبدأ بالتحسّس، وأن تنتبه إلى أن الأمر قد يكون خدعةً كبرى. صحيحٌ قد يحقق بعض ممن يحذون حذوه بعض الأرباح، ولكنهم إن لم ينتبهوا أو يعرفوا متى يخرجون من هذا الدولاب، فإنهم سرعان ما سيخسرون كل ما كسبوه، وكل ما لديهم منذ بداية حياتهم العملية، وحتى قد يرهنون كل ما قد يجنونه مستقبلاً.

ويلجأ كل المخادعين في العالم إلى الحيلة نفسها، سواء كانوا نصّابين في القرى، يدلّون الناس على كنز ذهب مدفون، أو الذين يفتحون شركاتٍ مالية للمضاربة، أو شركاتٍ استثمارية وهمية، أو يلعبون لعبة كبرى، فكلهم من الصنف نفسه، وما قد ينطلي على الحرّاث البريء في القرية فيدفع ما لديه لنصّاب يَعِدُه باستخراج كنز، أو كان غنياً ذكياً فسيجد له "كيالاً" مثل برنارد مادوف، يعده بأرباح كبيرة، بعد أن يذيقه الطعم الحلو في البداية، ثم يأكل بعدها أخضره ويابسه.

منذ فترة، حذّر البنك المركزي الأردني من التعامل بعملة بيتكوين وبالعملات المشفرة. وقد نجح التحذير في تقليل الإقبال عليه من الأردنيين، وآن الأوان لحكام ومحافظي البنوك المركزية في العالم أن يتّخذوا قراراً واضحاً من العملات المشفرة، وأن ينظموها، ويضعوا لها سلوكيات واضحة. وإلى حين حصول ذلك، ستبقى أعداد كبيرة من المضاربين مهدّدة بالإفلاس، إن تهاوت أسعار تلك العملات بعد طفرة محدودة.

المساهمون