إيقاف ترامب منحاً بتريليونات الدولارات يشعل فوضى في أميركا

30 يناير 2025
ترامب يوقع أوامر تنفيذية في البيت الأبيض فور تنصيبه في 20 يناير 2025 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- إعلان ترامب عن وقف تريليونات الدولارات من الإنفاق الفيدرالي أثار الذعر في واشنطن، حيث اعتبره البعض استيلاءً غير دستوري على السلطة، مهدداً بوقف تمويل 2600 برنامج فيدرالي تشمل مستشفيات ومدارس.

- رغم إصدار قاضية فيدرالية أمراً بإيقاف القرار مؤقتاً، إلا أن الذعر مستمر، مع توضيح البيت الأبيض أن نطاق البرامج المتأثرة سيكون أقل، مما يثير قضية دستورية حول سلطة التنفيذية في وقف الإنفاق.

- القرار يمثل اختباراً لدعم الجمهوريين لأجندة ترامب، مع تحذيرات من تداعياته على الجهات المستفيدة من القروض والمنح، وتأثيره السلبي على التخطيط والتمويل في المعاهد الوطنية للصحة.

أثار إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب المفاجئ في وقت متاخر من مساء الاثنين الماضي، أنه سيوقف تريليونات الدولارات من الإنفاق الفيدرالي المتعلق بالمنح والقروض، للتأكد من أن نفقات الوكالات الحكومية تتماشى مع أجندته "لجعل أميركا عظيمة مرة أخرى" الذعر في واشنطن، وبين المسؤولين المحليين في جميع أنحاء البلاد، لتسود حالة الارتباك في مختلف القطاعات والجهات المستفيدة من المنح والقروض الفيدرالية، حتى مع إصدار قاضية فيدرالية أمراً بإيقاف قرار ترامب مؤقتاً.

يبدو أن ترامب بدأ حرباً مالية مبكرة للسيطرة على السلطة ومنابع الإنفاق، ليعيد إلى الأذهان ما فعله الرئيس الأسبق الجمهوري ريتشارد نيكسون قبل نحو نصف قرن. وقوبل قرار ترامب بانتقادات حادة في أوساط الديمقراطيين، حيث اعتبر استيلاءً غير دستوري على السلطة، وحتى بعض حلفاء ترامب من الحزب الجمهوري أعربوا عن عدم ارتياحهم لحجم التحركات المفاجئة، كما حذر محللون من تداعيات ذلك على عمل الكثير من الأنشطة المتوقع أن تتأثر بحجب الأموال، ومنها مستشفيات ومدارس ومنظمات بحثية وجهات للتدريب المهني والتوظيف ومحافحة الفقر وتنمية الأرياف وتأهيل الأشخاص والحد من الجريمة.

ويطاول قرار ترامب 2600 برنامج فيدرالي خاضع للتدقيق، وفق مكتب الميزانية، منها على سبيل المثال برنامج مساعدة التغذية التكميلية المقدر تكلفته في العام المالي 2024 الذي انقضى بنهاية سبتمبر/ أيلول الماضي بنحو 94.3 مليار دولار، بحسب ما نقلت صحيفة نيوروك تايمز، وقروض وضمانات القروض لكهرباء الريف بقيمة 7.4 مليارات دولار، وقروض وضمانات القروض للإسكان لأصحاب الدخل المنخفض إلى المتوسط بقيمة 7.2 مليارات دولار، وقروض وضمانات القروض لملكية المزارع بنحو 3.5 مليارات دولار، وبرنامج الإغاثة الطارئة 2.1 مليار دولار، برنامج تمكين الريف الأميركي الجديد بقيمة ملياري دولار، قروض التشغيل الزراعي 1.8 مليار دولار، وأنظمة التخلص من المياه والنفايات للمجتمعات الريفية 1.8 مليار دولار. كما تشمل البرامج الخاضعة للتدقيق، برنامج مساعدة الأطفال المفقودين 129 مليون دولار، برنامج السلامة والصحة المهنية 116 مليون دولار، تعويض عمال مناجم الفحم 113 مليون دولار، مبادرة التدخل والوقاية من العنف المجتمعي 87 مليون دولار.

ورغم إيقاف قاضية المحكمة الجزئية الأميركية، لورين علي خان، الثلاثاء، قرار ترامب "مؤقتا" حتى الثالث من فبراير/ شباط المقبل، إلا أن الذعر الذي سيطر على الجهات المستفيدة من الأموال الفيدرالية، لا يزال حاضراً. وتلقى المشرعون مكالمات من الناخبين المعنيين بقرار ترامب، وأثيرت تساؤلات مثل: هل سيتم حرمان مرضى السرطان المسنين من العلاج؟ هل سيحرم أطفال المدارس من وجبات الغداء؟

ووسط التساؤلات والارتباك، اضطر البيت الأبيض، يوم الثلاثاء، إلى إصدار مذكرة ثانية توضح أن نطاق البرامج المتأثرة سيكون أقل قليلاً، مع استثناء برامج مثل "ميديكيد" (Medicaid)، أكبر مصدر لتمويل الخدمات الطبية والمتعلقة بالصحة للأشخاص ذوي الدخل المنخفض. وخفف ذلك بعض الذعر، لكن المخاوف عادت للتصاعد عندما أبلغت بعض الولايات عن صعوبات في الوصول إلى برامج مثل "ميديكيد" وبرامج اجتماعية أخرى، في حين قالت منظمة غير ربحية في كولورادو إنها لم تتمكن من الوصول إلى الأنظمة المستخدمة للحصول على تمويل للرعاية الصحية والإسكان.

ويتعارض قرار ترامب الرئيس الـ 47 للولايات المتحدة بشكل مباشر مع قانون يعود إلى 50 عاماً، يحدد متى يمكن للسلطة التنفيذية التحكم في الأموال. ويشير هذا الأمر إلى عودة جديدة لـ"حروب حجب الأموال" في واشنطن، وهي إعادة لنزاعات حقبة الرئيس الـ 37 نيكسون (تولى المنصب من 1969 حتى استقالته في 1974) حول مدى سيطرة السلطة التنفيذية على النفقات الفيدرالية التي وافق عليها المشرعون، إذ يشعل ما أقدم عليه ترامب قضية دستورية شائكة محتملة، وهي ما إذا كانت السلطة التنفيذية لديها القدرة على وقف الإنفاق الذي وافق عليه المشرعون بالفعل أم لا. ويمنح دستور الولايات المتحدة الكونغرس صراحة، السيطرة على مقدار ما يمكن للحكومة أن تنفقه.

وفي أوائل سبعينيات القرن العشرين، صادر نيكسون عشرات المليارات من الدولارات من مخصصات الكونغرس لبرامج متنوعة، بما في ذلك الإسكان المدعوم، وإغاثة الكوارث ومشاريع المياه. ورداً على ذلك، أقر الكونغرس قانون مراقبة حجز التمويل في عام 1974، لإعادة تأكيد سلطته على الإنفاق.

لكن ترامب تعهد خلال حملته الانتخابية بتحدي هذا القانون. ومن شأن نتائج الحرب على ذلك القانون، أن تحدد ما إذا كانت خطط ترامب الكبرى لخفض الإنفاق، قادرة على تجاوز الكونغرس لإقرار ما يعتبره إصلاحاً شاملاً للبيروقراطية الفيدرالية. كما يأتي في وقت يقترب الكونغرس بالفعل من الموعد النهائي لإقرار تمويل الحكومة في 14 مارس/آذار المقبل، وهو بحاجة إلى أصوات الديمقراطيين لتجنب العرقلة في مجلس الشيوخ.

ولفت الديمقراطيون في الكونغرس إلى أن قرار ترامب تجاوز غير دستوري لسلطة الكونغرس في تخصيص الأموال. وقالت عضو مجلس الشيوخ باتي موراي، وهي ديمقراطية بارزة في لجنة المخصصات، إن الأمر التنفيذي أطلق العنان لـ"ذعر شديد" بين المدارس ومراكز الصحة المجتمعية والمنظمات الأخرى التي تعتمد على القروض والمنح الفيدرالية. وأضافت للصحافيين، الثلاثاء: "المكالمات تتدفق".

ووفق البيانات الرسمية، بلغ إجمالي المنح الفيدرالية للولايات والحكومات المحلية في عام 2023 حوالي 1.1 تريليون دولار، أو 18% من إجمالي النفقات، وفقاً لتقرير صادر في إبريل/نيسان من مؤسسة "بيتر جي بيترسون" البحثية. وتتوقع مدينة نيويورك على سبيل المثال الحصول على 9.6 مليارات دولار من المنح الفيدرالية في السنة المالية الحالية التي تنقضي بنهاية سبتمبر/ أيلول المقبل، وفق المراقب المالي براد لاندير، وهو ما يعادل حوالي 8.3% من الميزانية. وفي سان فرانسيسكو، جاء ما يقرب من 11% من ميزانية المدينة البالغة 15.9 مليار دولار، من التمويل الفيدرالي.

وأبلغ المشرعون الديمقراطيون في ولايات، بما في ذلك نيويورك وإلينوي وأوريغون، يوم الثلاثاء، عن مشكلات في الوصول إلى موقع "ميديكيد"، والبرامج الاجتماعية الأخرى، بعد ساعات من إصدار أمر ترامب التنفيذي. وقالت المدعية العامة في ماساتشوستس أندريا كامبل، إن الولاية حاولت سحب ما يقرب من 40 مليون دولار من "ميديكيد"، يوم الاثنين، ولكنها لم تحصل بعد على الدفعات.

وردت السكرتيرة الصحافية للبيت الأبيض، كارولين ليفيت، في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، بأن البيت الأبيض على علم بتوقف الموقع الإلكتروني للبرنامج، لكن المدفوعات لم تتأثر. وفي وقت لاحق، قال المتحدثون باسم العديد من وكالات "ميديكيد" الحكومية، إن النظام عاد للعمل بعد الاضطرابات السابقة.

لكن حجم الفوضى والارتباك الذي أحدثه قرار ترامب يشير إلى سياساته التي تقوم على التحرك بسرعة تقترب إلى حد الصدمة، واتخاذ قرارات حاسمة خلال الأيام الأولى من إدارته، حيث يسعى لإعادة تشكيل الحكومة بما يتماشى مع رؤيته. ويطابق ما حدث وعود ترامب المتكررة باستهداف المبادرات التي يعتقد أن إدارته قد تم اختراقها بأيديولوجيات يسارية.

وكتب ماثيو فيث، المدير المؤقت لمكتب الإدارة والموازنة، في مذكرة أن "استخدام الموارد الفيدرالية لتعزيز مبادئ المساواة الماركسية، والتحول الجنسي.. يمثل إهداراً لأموال دافعي الضرائب، ولا يُحسن الحياة اليومية لأولئك الذين نخدمهم". وحصل البيت الأبيض على دعم واسع، وإن كان غير كامل، بين المشرعين الجمهوريين لقرار ترامب الشامل، على الرغم من أنه يتنازل فعلياً عن سيطرة السلطة التشريعية على الإنفاق لصالح الرئاسة. وقال رئيس مجلس النواب مايك جونسون للصحافيين في وقت متأخر من مساء الثلاثاء خلال مؤتمر للحزب الجمهوري في منتجع ترامب دورال في ولاية فلوريدا: "ليس لدي مخاوف... أنا أدعمه بالكامل".

كما أيد القرار الجمهوريون المؤثرون الآخرون مثل جون ثون زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، وجوني إرنست عضوة مجلس الشيوخ، وتوم كول الذي يرأس اللجنة التي تشرف على جميع التمويل الحكومي في مجلس الشيوخ. وجادل بعض حلفاء ترامب بأن الرئيس يجب أن يحاول تقليص الإنفاق الحكومي ببساطة عن طريق عدم توزيع الأموال.

وجاء الأمر التنفيذي بمثابة اختبار لمدى استعداد الجمهوريين لدعم أجندة ترامب. ففي الماضي، كان المشرعون حريصين بشدة على تأكيد سيطرتهم على خزانة الحكومة، لذا كان من المفاجئ إلى حد ما أنهم قبلوا بقرار البيت الأبيض الأحادي لوقف التدفق المالي. وقد يشير هذا التساهل إلى مدى مرونة الحزب تجاه مبادرات ترامب، ويمهد الطريق لإدارته لبلوغ أقصى الحدود في قضايا أخرى، وفق تقرير لوكالة بلومبيرغ الأميركية.

في الأثناء، تصاعدت التحذيرات من تداعيات تطاول الجهات المستفيدة من القروض والمنح. وقال موظف في المعاهد الوطنية للصحة تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته، وفق صحيفة واشنطن بوست، إن الباحثين المتأثرين يشملون أولئك الذين يعملون خارج المعاهد الوطنية للصحة والذين تلقوا أموالاً في السنوات السابقة، متوقعاً نتائج كارثية إذ أصبح من المستحيل التخطيط للتجارب ودفع رواتب الموظفين وشراء الإمدادات.

المساهمون