استمع إلى الملخص
- يعتقد بعض المسؤولين الإيرانيين أن البرنامج النووي يمكن أن يكون هدفاً للاستثمار الأميركي، رغم حذر الولايات المتحدة بشأن امتلاك إيران لسلاح نووي، وسط تحديات اقتصادية بسبب العقوبات.
- تهدف إيران إلى إزالة العقوبات لتعزيز التنمية الاقتصادية، مع تقديم فرصة للاستثمار الأميركي في القطاع النووي كوسيلة لضمان التزام واشنطن بأي اتفاق مستقبلي.
في الوقت الذي تحاول فيه دول العالم التفاوض مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن الرسوم الجمركية، تطرح إيران اقتصادها الخاضع للعقوبات أمامه فرصةً استثماريةً، خلال المحادثات النووية.
وشرح تقرير نشرته وكالة "بلومبيرغ" اليوم الثلاثاء أنه مع ظهور بوادر تقدم في المحادثات بين إيران والولايات المتحدة بشأن النشاط النووي للجمهورية الإسلامية، يُروّج كبار المسؤولين الإيرانيين، لأول مرة منذ عقود، لاقتصادهم أمام البيت الأبيض علناً لضمان اتفاق نووي دائم وأكثر فعالية، وإذا كان ترامب يريد اتفاقاً أفضل للولايات المتحدة من الاتفاق الذي تخلّى عنه عام 2018، فإن الإيرانيين يريدون الشيء نفسه.
وكتب وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في مقال رأي بصحيفة واشنطن بوست الأسبوع الماضي أن الاتفاق النووي الجديد قد يمنح الشركات الأميركية إمكانية الوصول إلى ما يدَّعي أنه انفتاح اقتصادي "بقيمة تريليون دولار" في بلد يبلغ عدد سكانه نحو 90 مليون نسمة، ويضم بعض أكبر احتياطيات النفط والغاز في العالم.
وقالت إيلي جيرانماي، رئيسة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية لـ"بلومبيرغ": "إن القول بوجود فرصة بقيمة تريليون دولار، بدلاً من حرب كارثية بقيمة تريليون دولار، هو وسيلة لجذب الرئيس ترامب إلى صفقة"، إنها استراتيجية تعكس استراتيجية روسيا في مفاوضاتها مع الولايات المتحدة بشأن إنهاء الحرب في أوكرانيا.
ورأت أنّ تحويل العلاقة بين الولايات المتحدة وإيران من علاقة عداء إلى علاقة تعاون اقتصادي سيكون مطلباً كبيراً، لكنه يحمل القدرة على المساعدة في حل صراع أبقى أمن الشرق الأوسط هشاً لعقود من الزمن. وفرضت الولايات المتحدة عقوبات وحظراً تجارياً على طهران منذ قطع العلاقات بين البلدَين في أعقاب الثورة الإسلامية عام 1979 وأزمة الرهائن الإيرانية. وعرّفت إيران نفسها على أنها حصنٌ منيعٌ ضدّ النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط الأوسع، إذ تُشكّل أنشطتها النووية وسياساتها المعادية لإسرائيل مصدرَي توتر رئيسيَين.
تطورات المحادثات النووية
وقال عراقجي إن البرنامج النووي لبلاده بحد ذاته قد يصبح هدفاً للاستثمار الأميركي، ما يمثل "عشرات المليارات من الدولارات في العقود المحتملة"، وتابع في تصريحات منفصلة على منصة إكس الأسبوع الماضي: "إن السوق الإيرانية وحدها كبيرة بما يكفي لإنعاش الصناعة النووية المتعثرة في الولايات المتحدة".
وردّ متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، على استفسار من بلومبيرغ، بأن ترامب واضح بشأن عدم قدرة إيران على امتلاك سلاح نووي، وأضاف المتحدث أن التفاوض بشأن قضايا كهذه علناً ليس من مصلحة الولايات المتحدة، وتابع: "نحن لا نؤكد أو ننفي تفاصيل المفاوضات الجارية".
وسبق لترامب أن تحدث عن الإمكانات الاقتصادية لإيران، وفي وقت سابق من هذا العام، أفادت بلومبيرغ أنه طلب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حليف إيران، المساعدة في التوسط في محادثات مع طهران، وقال ترامب هذا الشهر: "أريد لإيران أن تزدهر. لا أريد أن أفعل أي شيء من شأنه أن يضر أحداً، لكن لا يمكن لإيران امتلاك أسلحة نووية. لا نريد أن ننتزع صناعتهم أو أرضهم".
وقال المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي الذي وافق على مضض على الاتفاق النووي الذي أُبرم في عهد أوباما عام 2015 والذي تخلى عنه ترامب لاحقاً إنه لا يرى سبباً يمنع المستثمرين الأميركيين من إنفاق أموالهم في الجمهورية الإسلامية.
وشرحت "بلومبيرغ"، أنه يمكن القول إنّ المخاطر في المفاوضات أعلى بكثير بالنسبة لإيران منها بالنسبة للولايات المتحدة. فقد هدّد ترامب بقصف المنشآت النووية إذا لم تقبل طهران بالاتفاق، علاوة على ذلك، ضعف نفوذ الجمهورية الإسلامية الإقليمي كثيراً بسبب العدوان على غزة وقصفها لحزب الله العام الماضي، وإطاحة الرئيس السوري السابق بشار الأسد، وهو حليف آخر لطهران، في ديسمبر/كانون الأول.
قال همايون فلكشاهي، رئيس قسم تحليل النفط الخام في شركة كبلر لـ"بلومبيرغ": "ليس لديهم الكثير من الأوراق في جعبتهم فيما يتعلق بالمفاوضات، فهم أقل تهديداً مما كانوا عليه قبل بضع سنوات، وقد فقد وكلاؤهم الكثير من نفوذهم"، وأضاف: "إنهم يحاولون إقناع الولايات المتحدة بأنكم تستطيعون الاستفادة من صفقة معنا، وأننا منفتحون على شركاتكم للاستثمار"، ورغم أن الاتفاق النووي لعام 2015 علق مجموعة من القيود الأميركية الثانوية، فإنه لم يُلغِ العقوبات الأساسية، وواصلت وزارة الخزانة الأميركية حظر الاستثمار الأميركي المباشر في الاقتصاد الإيراني.
وبعد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي، أعاد فرض العقوبات من خلال نهجه المتشدّد الذي أطلق عليه "الضغط الأقصى"، وذهب إلى أبعد من ذلك بكثير، بما في ذلك حظر شراء الدول الأخرى للنفط من إيران، العضو في منظمة أوبك. وانخفضت صادرات النفط الإيرانية، وغادرت الشركات الأجنبية، وانهارت قيمة العملة الإيرانية، إذ فقدت ما يقرب من 90% من قيمتها مقابل الدولار منذ عام 2018، وواجهت البلاد أزمة في الوقود والكهرباء في الشتاء الماضي.
ويحاول مسؤولو النفط والغاز جذب الأموال الأجنبية لتغطية فاتورة قدرها 135 مليار دولار يقولون إنّها مطلوبة لإصلاح صناعة الطاقة، وقال فلكشاهي "ستكون هذه واحدة من أحدث الفرص الضخمة لشركات النفط والغاز على مستوى العالم"، مضيفاً أن الشروط المالية التي تقدمها إيران للشركات الأجنبية ستكون حاسمة. وهناك عوائق رئيسية أخرى أمام الاستثمار في إيران. تشمل هذه العوائق الفساد، والنفوذ الكبير للدولة على الاقتصاد، وانعزال النظام المصرفي الذي لا يواكب معايير الإقراض الدولية، كما قد تواجه الشركات الأميركية التي تستثمر في إيران رد فعل عنيف من الصقور المناهضين لإيران في واشنطن وإسرائيل.
وقال بيجان خاجيبور، الخبير الاقتصادي والشريك الإداري في شركة أوراسيا نيكسوس بارتنرز الاستشارية، إن هدف إيران هذه المرة "هو إزالة العقوبات الأساسية وتمهيد الطريق للتنمية الاقتصادية والتكنولوجية في البلاد"، وكانت رؤية ترامب الأصلية تتمثل في اتفاق جديد يُقيّد دعم إيران لوكلائها، بل وحتى برنامجها الصاروخي، لكن تصريحاته العلنية الأخيرة تُشير إلى أنه قلّص نطاق هدفه إلى ضمان عدم تطوير طهران لسلاح نووي أبداً.
إن تقديم فرصة للولايات المتحدة لكي تصبح مستثمراً في القطاع النووي الإيراني هو إحدى الطرق لضمان تحقيق واشنطن لهذا الهدف، مع تقليل احتمال تخلّي الحكومة الأميركية المستقبلية عن أي اتفاق، ورغم أن مستويات غير مسبوقة من الوصول إلى الاقتصاد الإيراني قد تبدو جذابة لترامب وتحلّ بعض مشاكل إيران، فإنها تتطلب مستوى هائلاً من الالتزام السياسي والتغيير من الجمهورية الإسلامية.