استمع إلى الملخص
- تستعد ليبيا لإطلاق النسخة الرابعة من معرض ليبيا للتجارة الإلكترونية في ديسمبر، بهدف بناء شراكات استراتيجية وعرض الحلول المبتكرة بمشاركة البنوك والمؤسسات المالية.
- رغم الجهود الحكومية، يرى بعض الخبراء أن التعاطي الرسمي مع التجارة الإلكترونية يحتاج إلى تحسينات ودراسات ميدانية لفهم طبيعتها، محذرين من أن تشديد الرقابة قد يعيق توسع القطاع.
منحت وزارة الاقتصاد والتجارة في حكومة الوحدة الوطنية بطرابلس، أواخر سبتمبر/أيلول الماضي، أذونات مزاولة النشاط لـ 74 متجراً إلكترونياً في ليبيا، في خطوة اعتبرتها الوزارة أساسية لتنظيم السوق الرقمية وضبط نشاط التجارة عبر الإنترنت، بما يكفل حماية المستهلكين ويعزّز الثقة في التعاملات. وجاء الإعلان بعد إطلاق منصة "موثوق" في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، وهي منصة تشرف عليها وزارة الاقتصاد لتسجيل واعتماد المتاجر الإلكترونية، وإنشاء قاعدة بيانات رسمية تعكس حجم النشاط المتنامي في السوق الرقمية الليبية. ويعد ذلك مؤشراً على سعي الحكومة إلى مواكبة التوسع الكبير في التجارة الإلكترونية، خاصة مع تزايد إقبال الشباب والأسر على هذا المجال.
وتستعد ليبيا لإطلاق النسخة الرابعة من معرض ليبيا للتجارة الإلكترونية في ديسمبر/كانون الأول المقبل، بعد نجاح النسخ الثلاث السابقة في أعوام 2021 و2022 و2024، بإشراف وزارة الاقتصاد. ودعت الجهة المنظمة البنوك والمؤسسات المالية، وشركات الاتصالات والتسويق الرقمي والأمن السيبراني، وشركات الشحن والتوصيل والمشاريع الناشئة، للمشاركة في الحدث الذي وصفته الوزارة بأنه فرصة لبناء شراكات استراتيجية، وعرض الحلول المبتكرة أمام جمهور واسع من المستثمرين.
مواجهة البطالة
يقول محسن الكوافي، صاحب منصة "تقريب" التدريبية المتخصّصة في إنشاء المتاجر الإلكترونية والتسويق عبر الإنترنت، إنّ الإقبال على الدورات التدريبية كبير من الشباب والأسر الساعين إلى دخول عالم التجارة الرقمية، مشيراً إلى أن معظم المتدربين يأتون من خلفيات بسيطة ويطمحون لتعلم مهارات التسويق وإدارة المحتوى الرقمي. ويضيف الكوافي لـ"العربي الجديد" أنّ أغلب الأنشطة التي يدربها تتعلق بتسويق الحلويات المنزلية والملابس والمشغولات اليدوية وخدمات التوصيل والنقل المنزلي وبيع الأدوات الإلكترونية البسيطة، إلى جانب التسويق لمنتجات الحرفيين وتقديم خدمات العناية الصحية المنزلية.
ويرى أن ضعف فرص العمل في القطاعات التقليدية دفع كثيراً من الشباب إلى التجارة الإلكترونية بوصفها بديلاً عملياً لمواجهة البطالة، نظراً لانخفاض تكلفتها مقارنة بالتجارة الميدانية، كما وجد المستهلكون فيها وسيلة مريحة للوصول إلى المنتجات دون عناء التنقل، خصوصاً مع توسع خدمات التوصيل المنزلي والعروض الرقمية. ويشير الكوافي إلى أن العامل الأمني لعب دوراً مهماً في تنامي هذا النوع من التجارة، فحالة الانفلات الأمني والاشتباكات المسلحة التي تشهدها المدن الليبية بين حين وآخر دفعت المواطنين إلى الاعتماد على الشراء الإلكتروني خياراً أكثر أماناً، كما ساهمت جائحة كورونا في تعريف الناس بهذا النمط التجاري وفتحت آفاقاً جديدة أمامهم.
إجراءات شكلية
ورغم إشادته بالخطوات الحكومية، يرى إسماعيل ساطي، الأكاديمي في قسم التسويق والتجارة الإلكترونية بجامعة طرابلس، أن التعاطي الرسمي مع الظاهرة لا يزال دون المستوى المطلوب، ويقول لـ"العربي الجديد" إنّ التجارة الإلكترونية في ليبيا أعقد مما يبدو، وتتطلب دراسات ميدانية معمقة لفهم طبيعتها وانتشارها. وأوضح ساطي أنّ منصة "موثوق" لا تزال تفتقر إلى ضوابط واضحة لتأسيس المنصات، مشيراً إلى أنّ تسجيل 74 متجراً فقط لا يعكس حجم الإقبال الحقيقي، إذ تظهر بيانات المنصة نفسها أن عدد المتاجر المسجلة بلغ 184 متجراً، منها 98 متجراً موثوقاً.
ويثني ساطي على الخطوات الحكومية في تنظيم التجارة الإلكترونية واحتوائها، لكنّه يرى أنّ غياب الرصد العلمي يجعل الجهود الحكومية أقرب إلى الإجراءات الشكلية، مضيفاً أنّ الطفرة الحقيقية حدثت أثناء جائحة كورونا عندما تضاعف عدد المنصات الناشئة. ويؤكد أنّ التجارة الإلكترونية لم تعد مجرد نشاط اقتصادي، بل تحولت إلى ثقافة جديدة قادها شباب وطلاب ومهندسون توجهوا نحو ريادة الأعمال الرقمية، معتبراً أن قرارات الحكومة يجب أن ترتقي إلى مستوى هذا التحول؛ كي لا تتحوّل إلى قيود تحدُّ من المبادرات الفردية الصغيرة التي لا يتجاوز حجمها مئات الدولارات.
ويحذر ساطي من أن تشديد الرقابة الحكومية قد يعيق توسّع هذا القطاع، خاصة أن كثيراً من المشاريع تعتمد على الشحن الخارجي والتعامل مع شركاء دوليين، كما دعا إلى إطلاق برامج بحثية وتنموية تقترب من واقع الشباب والأسر المبادرين بدل الاكتفاء بالجانب التنظيمي، مؤكداً أن "فهم طبيعة أعمالهم ومشكلاتهم هو المفتاح لتطوير الاقتصاد الرقمي الليبي".