إفلاس "الفرنسي التونسي": المخاوف تمتد للبنوك المتعثرة

إفلاس "الفرنسي التونسي": المخاوف تمتد للبنوك المتعثرة

11 مارس 2022
السلطات المالية تحافظ على حقوق المودعين (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

فجرت قضية إفلاس البنك الفرنسي التونسي جدلا مطولا في القطاع المالي بسبب مخاوف من أن يجر قرار إحالة البنك على لجنة التصفية بنوكاً أخرى إلى نفس الدائرة، في ظل وجود مؤشرات إلى تعثر مالي لبعضها وأخرى ذات رأس مال مشترك.
ومؤخرا، أعلن البنك المركزي التونسي أن السلطات أرسلت تقريرا إلى القضاء لإصدار حكم بتصفية وحل "البنك الفرنسي التونسي"، أحد أقدم المؤسسات المصرفية في البلاد، بعد تعذر إنقاذه.

وبدأت إجراءات الإغلاق النهائي للبنك، الذي يعود نشاطه في تونس إلى عام 1879، بعد أن شهد إحدى أكبر قضايا الفساد في التاريخ التونسي، ما تسبب في دخول مالكي الأسهم الممثلين في الدولة التونسية والطرف الفرنسي في قضية تحكيم دولي منذ سنوات.

لكن خطوة إحالة البنك على لجنة التصفية وإعلان إفلاسه فجرت المخاوف بشأن صلابة القطاع المصرفي في البلاد، في ظل وجود مؤشرات التعثر في عدد من المصارف الأخرى التي قد تواجه ذات المصير بعد كسر السلطات المالية حاجز الحرج بتفليس أول بنك في البلاد.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

ويقول الخبير المصرفي محمد بن يونس إن الجهاز المصرفي التونسي يشكو ضعفا حادا ما بعد 2011 في غياب الاستثمارات وانهيار حجم التجارة الخارجية، مؤكدا أن الوضع الاقتصادي تسبب في تباطؤ نسق استرجاع الديون المصنفة والتي منحت من دون ضمانات بالمليارات قبل 2011 لفائدة المتنفذين. وأفاد بن يونس في تصريح لـ"العربي الجديد" أنه في ظل الركود الاقتصادي تعرضت مالية البنوك لصعوبات، وخاصة المشتركة التي تآكلت أموالها الذاتية ولم تعد تستجيب لأدنى نسب الملائة المالية، وبالتالي يضعها البنك المركزي موضع المؤسسات تحت الإنقاذ في مرحلة أولى.
وأكد في سياق متصل أن عدم قدرة الدولة التونسية على ضح موارد أموال جديدة لإنقاذ البنوك يدفع نحو عرضها للبيع للشريك الأجنبي أو إعادة هيكلة رأس المال لفائدة الشريك.

وأضاف المتحدث أن كسر حاجز التردد في اتخاذ قرار تفليس بنك بالبلاد التونسية لأول مرة مع البنك الفرنسي التونسي سيساعد على تكرار العملية، لا سيما أن وضعية بعض البنوك المشتركة في تونس لا تختلف، بل إنها أعمق من وضعية البنك الفرنسي التونسي من حيث الصلابة المالية وتدهور الناتج الصافي البنكي وحجم الخسائر المتراكمة.
يتعلق بالبنك الفرنسي التونسي عدد كبير من ملفات الفساد، منها محاولة بعض الأطراف الاستيلاء على أموال المؤسسة العربية للاستثمار وفساد يتعلق بقروض تم الحصول عليها من دون ضمانات فاقت 300 مليون دولار، بحسب تقديرات خبراء مصرفيين.

الحفاظ على حقوق المودعين
عقب إعلان إفلاس البنك، باشرت السلطات المالية الترتيبات لتعويض نحو 7 آلاف مودع عن طريق صندوق ضمان الودائع البنكية المحدث سنة 2016. وحدد الصندوق فترة التعويض بالمدة المتراوحة ما بين 9 و25 مارس/ آذار الجاري عن طريق فروع ديوان البريد، حيث تم تأمين المبالغ التي لم تتجاوز سقف 60 ألف دينار (20.5 ألف دولار).

أعلن صندوق ضمان الودائع البنكية عن تحصله على قاعدة بيانات المودعين لدى البنك الفرنسي التونسي، وتولى معالجتها بالتنسيق مع البنك، مشيرا إلى أنه تمت إحالة قائمات المودعين المشمولين بالتعويض وتحويل الأموال للبريد التونسي ليتم وضعها على ذمة المودعين آليا ومن دون تقديم مطالب في الغرض. وأكّد مدير عام صندوق ضمان الودائع البنكية جعفر خداش أنه جرى إحصاء 6868 مودعا سيجرى تعويضهم، مؤكدا أن المستفيدين يمثلون 96 بالمائة من مجموع المودعين الذين تقل حساباتهم عن الحد الأقصى للتعويض الذي يحدده القانون. وأضاف خداش في تصريح لـ"العربي الجديد" أن المودعين سيحصلون على تعويض إجمالي بنسبة 100 بالمائة، فيما ستحال التعويضات التي لم يتم صرفها بعد انقضاء الأجل إلى الخزينة العامة للبلاد التونسية وفق الإجراءات القانونية. وقدّر المسؤول عن صندوق التعويضات عدد المودعين في البنك الفرنسي التونسي بنحو 7300 مودع، غير أنه قال إن صعوبات قد تطرح في الوصول إلى العملاء القدامى، خاصة أن نشاط البنك في البلاد يعود إلى نحو 143 عاما.

أكد وزير المالية السابق، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن تأخر إعلان إفلاس البنك الذي كان يكلف الدولة يوميا 60 ألف دينار جاء بسبب عدم توفر الإطار القانوني

 

يؤدي الحكم بالحلّ والتصفية وفق المادة 133 من قانون البنوك والمؤسسات المالية وجوبا إلى سحب الترخيص من البنك أو المؤسسة المالية المعنية. ولا يؤدي الحكم بالحلّ إلى فقدان الشخصية المعنوية للبنك أو المؤسسة المالية. وتتواصل الشخصية المعنوية للبنك أو المؤسسة المالية لضرورة التصفية وإلى حين ختم أعمال التصفية.

تأطير قانوني للتصفية
يعتبر وزير المالية السابق والخبير المالي سليم بسباس أن قانون يوليو/تموز 2016 هيأ الأرضية القانونية لتفليس البنك الفرنسي التونسي بعد تعذّر إنقاذه، مؤكدا أن قرار إغلاق البنك لن يكون له أي تأثير على صلابة الجهاز المصرفي أو تقييم وكالات التقييم الدولية للقطاع المالي.

وأكد وزير المالية السابق، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن تأخر إعلان إفلاس البنك الذي كان يكلف الدولة يوميا 60 ألف دينار جاء بسبب عدم توفر الإطار القانوني قبل مصادقة البرلمان على نص يوفر كل الضمانات لتصفية المؤسسات المالية بما يحمي أموال المودعين والمساهمين، معتبرا أن قرار التصفية هو وقف لنزيف البنك المتعثر الذي استمر سنوات. وفسّر بسباس عدم تأثير تصفية البنك الفرنسي التونسي على القطاع المصرفي بسبب ضعف نشاط البنك الذي لا تتجاوز ودائعه 0.02 بالمائة من مجموع الجهاز المالي، فضلا عن محدودية عدد مودعيه وعدد موظفيه الذي لا يتجاوز 67 موظفا.

مغادرة طوعية أو إعادة الدمج
منذ بدء الترتيبات لتصفية البنك، عرضت إدارة المصرف على الموظفين إمكانية التسريح الطوعي مقابل تعويض مالي يقع احتسابه حسب عدد سنوات العمل، فيما ينتظر الموظفون المباشرون إلى غاية إعلان الإفلاس إعادة إدماجهم في بنوك أخرى بحسب اتفاق جرى بين المركزية النقابية والسلطات المالية.

وأفاد أحد الموظفين الذين اختاروا المغادرة الطوعية، محمد الحجري، بأن كل المؤشرات كانت توحي باتجاه البنك نحو الإفلاس مع توقف كل النشاطات المالية والاكتفاء باستخلاص الديون فقط منذ نحو 5 سنوات.

وأكد الحجري في حديثه لـ"العربي الجديد" أنه وافق على مغادرة المصرف مقابل الحصول على تعويض مالي تجنّبا لمصير مهني مجهول كان يخشى أن يواجهه في حال إغلاق المصرف، لا سيما أن كل محاولات إنقاذه أو إحالته إلى مستثمر جديد باءت بالفشل. واعتبر أن سياسة التسريح الطوعي التي نفذها المصرف خلال السنوات الماضية خففت من أعبائه الاجتماعية وتسهّل عملية إدماج من تبقى من الموظفين داخل الجهاز المصرفي. ومنذ عام 2015، بدأت تونس خطة لتأهيل القطاع المصرفي وزيادة صلابة الجهاز المالي ورفع احتياطياته المالية.
وبالإضافة إلى مشاكل شح السيولة والتأخر التشريعي واللوجستي، تعاني المصارف التونسية، ولا سيما الحكومية منها، من مشاكل حوكمة تسببت في إهدار أموال طائلة أسندت في شكل قروض لمستثمرين ورجال أعمال ومقربين من النظام السابق لم تكشف المتابعات القضائية إلى الآن عن مصيرها. وتعيش مصارف تجارية تونسية وضعا صعبا أدى إلى اتخاذ قرارات بتقليص عدد من فروعها وإعادة هيكلة الموارد البشرية.

وسنة 2015، ضخت الدولة زهاء 757 مليون دينار، أي نحو 261 مليون دولار، لإعادة رسملة ثلاثة مصارف حكومية تعاني من ارتفاع الديون غير المستخلصة، وهي الشركة التونسية للبنك والبنك الوطني الفلاحي وبنك الإسكان.

المساهمون