إغلاق مصانع الجزائر.. تحجيم الواردات يتسبب في نفاد السلع الأولية

إغلاق مصانع الجزائر إجراءات تحجيم الواردات تتسبب في نفاد السلع الأولية

19 يونيو 2022
قفزات الأسعار امتدت إلى مختلف السلع في الأسواق (فرانس برس)
+ الخط -

بدأت انعكاسات القرارات الحكومية في تحجيم الواردات تطاول القطاعات الإنتاجية في الجزائر، بعد أن شعر المستهلكون سريعاً بآثارها عبر قفزات الأسعار التي امتدت إلى مختلف السلع في الأسواق، بينما بادر منتجون بالخروج إلى الشارع والاحتجاج أمام وزارة التجارة أخيراً، إثر نفاد المواد الأولية لديهم. 
في المنطقة الصناعية لولاية برج بوعريريج الواقعة على بعد 180 كيلومترا شرق العاصمة الجزائرية، يقف تاج الدين زراولية، على أعتاب مصنعه لإنتاج المشروبات والعصائر المتوقف عن العمل منذ مطلع مايو/أيار الماضي، معربا عن غضبه من نفاد المواد الأولية من نكهات الفواكه والسوائل الحمضية، المستوردة من ألمانيا والبرازيل. يقول زراولية لـ"العربي الجديد" إنه " اضطر إلى تسريح العمال حتى إشعارٍ آخر، مع ضمان راتب مايو/أيار، وهذا بسبب تعطل ممثل الشركة الألمانية الممونة، في استيراد المواد الأولية، بسبب الإجراءات الإدارية التي فرضتها وزارة التجارة على عمليات الاستيراد"، مضيفا: "حتى ولو قررنا أن نستورد مباشرة، فالأمر يستغرق أكثر من سنة لأخذ التراخيص اللازمة للحفظ والتخزين وغيرها من التراخيص". 

ويرى أن "القرارات التي تتخذها الحكومة مؤسفة وتترجم حجم غياب التنسيق بين الوزارات.. لا يُعقل أن تطبق نفس الإجراءات على مستورد مواد موجهة للاستهلاك المباشر وآخر يستورد مواد أولية موجهة للإنتاج وخلق الثروة ومناصب شغل وتضيف قيمة للاقتصاد".

الحفاظ على الاحتياطي النقدي 

وتكثف الحكومة الجزائرية إجراءات تقليص فاتورة الواردات عبر فرض جملة من الإجراءات على عمليات الاستيراد، بهدف مواجهة الصعوبات المالية والتآكل السريع لاحتياطي البلاد من النقد الأجنبي. 
وأصدرت الحكومة لائحة بالمنتجات المحلية تشمل جميع القطاعات، حيث يحظر على المستوردين جلب مثيلاتها من الخارج. 
وتشير التوقعات الرسمية إلى سرعة تآكّل احتياطي العملة الصعبة لدى المصرف المركزي، بما يتعدى الخطوط الحمراء. 
وفي 25 يوليو/ تموز الماضي، أعلن الرئيس عبد المجيد تبون انخفاض احتياطي البلاد من النقد الأجنبي إلى 44 مليار دولار بعدما كان في حدود 62 مليار دولار في فبراير/ شباط 2020. وألزمت وزارة التجارة مطلع مايو/أيار الماضي، جميع المستوردين بمعاينة اللائحة التي جاءت في منصة رقمية للوكالة الجزائرية لترقية التجارة الخارجية، قبل تقديم طلبات اعتمادات مصرفية، للسلع المُراد استيرادها، للتحري حول توافر المنتج المراد استيراده قبل تقديم الطلب للبنك، ما يهدد بتعطيل عمليات الاستيراد بين 30 و40 يوماً، وفق مستوردين، وذلك بالنظر إلى وتيرة دراسة الملفات فقط، دون احتساب فترة الطعن في قرار الرفض في حال وقوعه، وهي الإجراءات التي رفضها المستوردون والمنتجون على السواء كونها تحد من نشاطهم حاصة أصحاب المصانع. 
وباتت قائمة المنتجين المتضررين من الإجراءات الحمائية لكبح الواردات، ككرة ثلج تتدحرج وتكبر مع مرور الأيام، لتمس شركات الاستيراد عموما، ثم مصانع الأدوية ومصانع المواد الغذائية الاستهلاكية، والمصانع النشطة في مجال الزراعة كما هو حال، عبد القادر غياش صاحب شركة لبيع المستلزمات الزراعية، الذي يؤكد لـ"العربي الجديد" أنه " وضع ملفا لاستيراد البوتاسيوم والكلور وبعض ماكينات الزراعة، إلا أن وكالة ترقية التجارة الخارجية رفضت ملفه في 15 مايو/أيار بحجة إنتاجها محليا".
 يقول غياش :" المشكل يكمن في ما يجري إنتاجه، إذ لا يغطي الطلب المحلي، وهناك أصناف كثيرة للبوتاسيوم، كما أن الآلات الزراعية المستوردة تحمل ميزات إضافية لا تتوفر في المعدات المنتجة محلياً، لكن للأسف نتكلم مع إدارة صماء". 

ويضيف: "وزارة الفلاحة أبلغتنا أنها راسلت وزارة التجارة لاستثناء المواد الموجهة للنشاط الزراعي من الإجراءات البيروقراطية، إلا أن القرار الرسمي لم يُبلغ بعد للوكالة والبنوك".

الغضب يصل إلى قبة البرلمان

وانتقل السجال والجدال حول الاستيراد، وغضب المستوردين والمنتجين والمُصنعين إلى قبة البرلمان، حيث استقبلت لجنة الشؤون الاقتصادية والصناعة ممثلين عن اللجنة الجزائرية للتجارة الخارجية، الذين رفعوا إلى ممثلي الشعب تقريراً قاتما عن انعكاسات القرارات الحكومية على الأسواق والمصانع، في انتظار توجيه مساءلة برلمانية لوزير التجارة كمال رزيق في الأيام القادمة.

يقول أمقران أيت واعلي، عضو اللجنة الجزائرية للتجارة الخارجية إن " تجميد عملية الاستيراد لأشهر طويلة، خلق أزمة في تموين الأسواق بالعديد من المواد الأولية الضرورية في مختلف القطاعات الحيوية".
 ويضيف واعلي لـ"العربي الجديد" أن " اللجنة سجلت فقدان العديد من العمال مناصب شغلهم نتيجة إفلاس العديد من الشركات التي كانت تمارس نشاط الاستيراد، وعدم توفر المواد الأولية وقطع الغيار في العديد من القطاعات الحساسة على غرار الصناعة الصيدلانية والمستلزمات الطبية والفلاحة والصيد البحري ووحدات معالجة المياه". 
ويتابع أن "خلق ندرة في السوق يؤدي حتماً للمضاربة وزيادة الأسعار وانهيار القدرة الشرائية للمواطنين، ناهيك عن توقف العديد من المشاريع نتيجة ندرة بعض المنتجات وارتفاع أسعارها". 

غياب التنسيق الحكومي 

وفجر لجوء وزارة التجارة الجزائرية إلى تشديد الإجراءات الإدارية والبنكية على عمليات الاستيراد، جدلاً كبيراً، حول غياب التنسيق الحكومي، وذلك بعد مراسلة وزارتي الصناعة الصيدلانية والفلاحة لرئيس الحكومة أيمن بن عبد الرحمان لاستثناء المتعاملين والناشطين في صناعة الأدوية والأنشطة الزراعية من المسار "الإداري الطويل". 

ويؤكد مستشار الحكومة والخبير الاقتصادي عبد الرحمان مبتول أن " ما تعيشه التجارة الخارجية الجزائرية يترجم حجم سوء التدبير في تسيير حياة الجزائريين عموما، فكل وزارة تعمل بمفردها، ولا تستشير الوزارات الأخرى وكأننا أمام حكومات متعددة، فوزارة التجارة تسير ملف الاستيراد لوحدها، ووزارة الصناعة تسيير ملف السيارات لوحدها، نفس الشيء لوزارة الصناعة الصيدلانية التي تعمل دون استشارة وزارة الصحة ووزارة المالية هي الأخرى تسير ملف البنوك دون استشارة الصناعة والتجارة وغيرها من القطاعات المتعاملة مباشرة مع البنوك". 
ويضيف مبتول لـ"العربي الجديد" :"هذه الفوضى يجب أن تنتهي بتدخل رئيس الحكومة أو الرئيس بإعادة توجيه العمل الحكومي وفق المخطط الذي عُرض على البرلمان، وحسب الأوليات مع خلق قاعدة بيانات واضحة لكل قطاع ووزارة، ومن غير هكذا ورقة طريق يصعب الوصول إلى نتائج إيجابية".